36/11/16


تحمیل

الموضـوع:- مسألة ( 16 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.

وفيه:-

أمّا بالنسبة إلى البيان الأوَّل فيرد عليه:- أنّنا لا نجد حاجةً إلى فرض وجودها فإنّ هذا تقديرٌ زائد يحتاج إلى مثبت ، فحينما سأل السائل وقال ( سألته عن التماثيل ) فأنت تقدّر عبارة ( التي هي موجودة ) وهذا يحتاج إلى قرينةٍ ومثبتٍ ونحن لا نرى داعياً إلى هذا التقدير إذ لا مثبت له.

اللهم إلا أن تقول:- إنّ نفس السؤال عن الذات يستبطن عرفاً أنّه سؤالٌ عن الذات الموجودة والعرف ببابك ، فحينما أسأل عن ذاتٍ من الذوات يعني أنّ هذا السؤال عن الذات التي فرض وجودها ، فالقرينة هو الفهم العرفي.

وجوابه:- إنّ هذا الفهم لا نعرف له وجهاً فهو مجرّد دعوى لا نشعر بها من حيث وجداننا.

وأمّا بالنسبة إلى البيان الثاني:- فيردّه:-

أوّلاً:- من قال انَّ إيجاد التماثيل هو حرفة خاصّة بالرسّام والنقّاش ؟ كلّا بل الذين ينقشون ويرسمون هم أغلب الناس حتّى الأطفال غايته أنَّ الرسم الذي يرسمونه ليس بتلك الجودة والجمال كما يرسمه الرسّام ، فمسالة رسم التماثيل لا يمكن أن نقول هي حرفة خاصّة بالنقّاش بل ذلك يتداوله غيره.

ثانياً:- سلّمنا أنّه حرفة خاصّة بالنقاش ولكن أليس من حقّ الإنسان أن يسأل عن هذه الحرفة ؟! وبتعبيرٍ آخر:- هل نقول إنّه يلزم بقاء حرفة النقّاش مسكوتٌ عن حكمها ؟! كلّا بل فلنقل إنّ السؤال هو سؤالٌ عن هذه الحرفة رغم أنّها خاصّة بالنقّاش ، وعلى هذا الأساس لا يمكن أن نقول إنّ اختصاص هذه الحرفة بالنقّاش يلزم أن لا يُسأل عنها.

وكذلك في مثال الخمر لو فرض أنّه يصنعه أشخاصٌ معيّنون فهذا لا يعني أنّه لا يُسأل عن حكم حرفتهم ، كلّا بل لا بأس بالسؤال عن حكم حرفتهم وأنّها جائزة أو لا.

ثالثاً:- إنّ الموجود في الرواية هو كلمة البأس حيث قال عليه السلام:- ( لا بأس ما لم يكن شيئاً من الحيوان )[1] يعني إن كان حيواناً ففيه بأس ، وقد تقدّم منّا أنّا لا نقبل ما ذهب إليه الشيخ النراقي(قده) من أنّ البأس ظاهرٌ في الشدّة والحرمة ، وفي نفس الوقت لا ندّعي أنها ظاهرة في الكراهة ، وإنما هي مجملةٌ ومردّدٌ فيها ، فيحتمل هذا ويحتمل ذاك.

وإذا غضضنا النظر وقلنا هي ظاهرة في الحرمة ولكن يلزم حمل كلمة البأس في هذا المورد على الكراهة ونخالف الظهور ، وفي مقامنا توجد قرينة على الحمل على الكراهة وهي الروايات الواردة في باب الصلاة من أنّ من أراد أن يصلّي فإذا كان هناك تماثيل يغطيها بستارةٍ وهذا معناه أنّ التماثيل يجوز ابقاؤها وإلا لكان من المناسب للإمام أن يقول ( لابد من إتلافها ) لا أن يقول له ( غطِّها ) وهذا كأنه إقرارٌ لجواز إبقائها ، وقد قرأنا فيما تقدم رواية تدلّ على ذلك وهي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام:- ( أصلّي والتماثيل قدّامي وأنا أنظر إليها ، قال:- لا اطرح عليها ثوباً ولا بأس بها إذا كانت عن يمينك أو شمالك أو خلفك أو تحت رجلك أو فوق رأسك وإن كانت في القبلة فألق عليها ثوباً وصلّ )[2] ، وهي دلّت بوضوح على أنّه يغطيها ولازم ذلك أنّ الابقاء لا محذور فيه.

إن قلت:- لم نقول إنّ هذا الحكم الذي أشار إليه الإمام عليه السلام هو حكمٌ من جهة الصلاة فمن جهة الصلاة قال الإمام لا مشكلة ولكن غطّها ولكنك لم تسألني عن أنّه يجوز إبقائها أو لا ؟ فالإمام أجاب من هذه الجهة ومن هذا الحيث وسكوته عن مسألة الإعدام لا يدلّ على جواز إبقائها.

قلت:- إنّ وظيفة الإمام هي بيان الأحكام فإنّه منصّبٌ لحفظ الأحكام وهذا الكلام إنّما يأتي في حقّنا نحن ، فربّما يأتني شخصٌ ويقول هل يجوز للمرأة وضع اللولب ؟ فأقول له نعم هو جائر يعني أنّه من حيث وضع اللولب لا حرمة ، نعم ربما تكون الحرمة من ناحية نظر الطبيبة أو غير ذلك ولكن تلك قضيّة ثانية لم تسألني عنها وأنا أجبتك على ما سألت عنه ، وهذا الكلام يكون في حقّي وحقّك أمّا في حقّ الإمام الذي هو منصوبٌ لحفظ الأحكام أو ظاهر حاله أنّه المبيّن للأحكام[3] فالسكوت يدلّ على أنّه لا محذور من تلك الناحية.

وإذا لم تقبل هذا فنذكر لك رواية أخرى:- وهي صحيحة الحلبي:- ( قال أبو عبد الله عليه السلام:- ربما قمت فأصلّي وبين يديَّ الوسادة وفيها تماثيل طير فجعلت عليها ثوباً )[4] بتقريب أنّ إبقاء الإمام لها وتغطيتها بساترٍ يدلّ على الجواز.

اللهم إلّا أن تقول:- لعلّ هذه الوسادة لم تكن للإمام بأن كان عليه السلام في أحد البيوت فإتلافه للوسادة لا معنى له . فإذن لو كانت الوسادة له وهو أبقاها فهذا لا بأس به ولكن هذه قضيّة في واقعة فلا يمكن التمسّك بالأطلاق ، فوضع الستار على الوسادة لا يدلّ على جواز الإبقاء.

قلت:- إنّ هذا الاحتمال ضعيفٌ فإنّ الإمام عليه السلام قال ( ربما قمت ) يعني ليس مرّةً واحدةً بل يبتلي بها أكثر من مرّة فمن البعيد أن تكون كل هذه الحالات التي يبتلي بها هيا في دور الآخرين.

ولكن لو غضضنا النظر عن ذلك توجد عندنا رواية ثالثة نتمسك بها:- وهي موثّقة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( سألته عن الوسادة والبساط يكون فيه التماثيل ، فقال:- لا بأس به يكون في البيت ، قلت:- التماثيل ؟!! قال:- كلّ شيءٍ يوطأ فلا بأس به )[5] ، ودلالتها على الجواز واضحة إذ أنّ الإمام عليه السلام يقول لا بأس أن تُبقي التماثيل في البيت ولا مشكلة من هذه الناحية.

اللهم إلّا أن تقول:- مَن قال إنّ هذه التماثيل هي تماثيل الحيوان ؟

قلت:- هنا نتمسّك بالإطلاق أو عدم استفصال الامام إذ كان من المناسب للإمام أن يستفصل من هذه الناحية.

إذن دلالة هذه الرواية واضحة.

وقد يقول قائل:- إنّا عرفنا فيها سبق أنّ الملائكة لا تدخل بيتاً فيه تمثال فكيف يقول الإمام عليه السلام:- ( ربما قمت فأصلّي وبين يدي الوسادة وفيها تماثيل طيرٍ فجعلت عليها ثوباً ).

وواضحٌ أنّي أتمسّك بهذه الرواية ولا أتمسك بالروايتين الأخريين إذ أنّ هذه الرواية لها خصوصيّة لأنّ صحيحة محمد بن مسلم قال:- ( أصلي والتماثيل قدّامي ) وهذا فعلٌ لمحمد بن مسلم فهو لِيفعل المكروه وأنَّ الملائكة لا تدخل بيته ، وهكذا بالنسبة إلى الرواية الأخيرة فالسؤال فيها كان عن وجود التماثيل في البيت والإمام عليه السلام قال له يجوز أمّا أنّه لا تدخل الملائكة فلا مشكلة في عدم دخولها فإنًّ هذا ليس بمهم ، والمهم هو صحيحة الحلبي لأنّ الإمام عليه السلام قال:- ( ربما قمت فأصلّي وبين يدي الوسادة .. ) وقلنا إنَّ الحمل على أنّ هذا في دار الغير قد يكون بعيداً ، بل حتّى لو كان قريباً فمن المناسب للإمام أن يقول لهم ارفعوها إلى مكانٍ آخر ، فالإمام هو إمّا في بيته أو في مكانٍ آخر وسكت عن الأمر بحملها إلى مكان آخر وهذا يتنافى مع ما عرفناه من دخول الملائكة على الامام عليه السلام.

قلت:- لو رجعنا إلى تلك الروايات فبعضها يوجد فيه كلمة ( إنسان ) يعني صورة إنسان ، يعني أنَّ الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة إنسان ، فمثلاً موثقة عمرو بن خالد عن أبي جعفر عليه السلام قال:- ( قال جبرئيل عليه السلام:- يا رسول الله إنا لا ندخل بيتاً فيه صورة إنسان ولا بيتاً يبال فيه ولا بيتاً فيه كلب )[6] ، وفي رواية محمد بن مروان ورد:- ( إنّا معاشر الملائكة لا ندخل بيتاً فيه كلب وتمثال جسدٍ ولا إناء يبال فيه )[7] ، وفي موثقة ابي بصير ورد:- ( إنّا لا ندخل بيتاً في صورة ولا كلب يعني صورة إنسان ولا بيتتاً فيه تماثيل )[8] .

وواضح أنّ الرواية الأخيرة استبعد أنّ عبارة ( يعني صورة إنسان ) صادرة من الإمام عليه السلام وإن كان البعض - ليس في هذا المورد فقط بل بشكل عام - يغض النظر ولا يبدي احتمال أنّها تفسير ، أما نحن فنقول إنّه كلّما جاءت كلمة ( يعني ) فأحتمل قريباً أنّ هذا يصير تفسيراً من غير الإمام ، هذه قضيّة.

وهناك قضيّة ثانية:- وهي أنّ هذه العبارة لابد وأن تذكر بعد عبارة ( إنّا لا ندخل بيتاً فيه صورة ) وهذا ليس بمهمّ لي ، والمهم هو أنّ الرواية الأولى - وهي معتبرة السند - قيّدت بصورة إنسان.

وإذا قلت:- صحيحٌ أنّ هذه الرواية مقيّدة بصورة إنسان ولكن عندنا روايات أخرى مطلقة من هذه الناحية وفيها إمّا كلمة ( صورة ) أو كلمة ( تمثال ) ولم تقيّد بكلمة إنسان فماذا نصنع ؟

قلت:- إنّ ذكر كلمة ( إنسان ) يدلّ على وجود خصوصيّةٍ لصورة الإنسان وإلّا فلماذا قيّد بالإنسان ؟!! فيفهم من ذلك أنّ الحكم لم يثبت لطبيعيّ صور التماثيل وطبيعيّ الصورة وإلّا كان التقييد بالإنسان لغواً ، وهذا ما يعبّر عنه بأنّ الوصف له مفهومٌ بنحو القضيّة الجزئية ، فعبارة ( صورة إنسان ) تدلّ على أنّ الحكم لم يثبت لطبيعيّ الصورة ، فــ ( الملائكة لا تدخل ) لم يثبت لطبيعيّ الصورة إذ لو كان ثابتاً لها لما كان هناك حاجة إلى التقييد بالإنسان فإنه لغوٌ آنذاك ، وعلى هذا الأساس سوف يندفع الاشكال بناءً على هذا لأنّ الذي لا تدخله الملائكة هو الذي ليس فيه التماثيل والصور بشكل مطلق وإنما الثابت هو صورة الإنسان بمقتضى ما أشرنا إليه.


[3] وهل هذا ظهور حالٍ أو هو نكتة عقلية أو نكتة عرفية ؟ فإن أرجعناه إلى ظهور الحال فالنكتة والقرينة سوف تصير عرفية وأنه في مقام حفظ الاحكام، أو أنها نكتة عقلية وهي أنّه منصوبٌ من قبل الله عزّ وجل ّلحفظ الأحكام.