35/11/06


تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 431 ) / الواجب الثالث عشر من واجبات حج التمتع ( رمي الجمار ).
ويمكن ان يناقش في ذلك:-
أما بالنسبة الى الاجماع:- فقد تقدم أكثر من مرة أن مدرك حجيّته هو كشفه يداً بيد عن تلقي الحكم المجمع عليه من الامام عليه السلام وإلا فقاعدة اللطف أو الاجماع الدخولي - أعني طريقة الحس وما شاكل ذلك - فهذه لم تثبت، فالمهم هي هذه الكاشفية وهذه إنما تثبت لو لم نحتمل وجود مدرك قد استند اليه المجمعون وإلا فيمكن ان يكون المستند هو المدرك المحتمل فالكاشفية لا تكون ثابتة آنذاك، وحيث إنه في المقام يوجد مدرك محتمل وهو أحد الامور الاخرى - أعني التأسي أو صحيحة معاوية أو ما دل على أن من خالف الترتيب يعيد - فتعود القيمة آنذاك لذلك المدرك دون الاجماع، وهذا كلام ذكرناه أكثر من مرّة.
وأما بالنسبة الى التأسي:- فقد ذكرنا أكثر من مرة أن فعله صلى اله عليه وآله أعم من الوجوب وهذا من الامور الواضحة.
وأما بالنسبة الى صحيحة معاوية بن عمار التي قالت:- ( وابدأ بالجمرة الاولى فارمها عن يسارها من بطن المسيل وقل كما قلت يوم النحر ثم قم عن يسار الطريق فاستقبل القبلة واحمد الله واثن عليه وصل .. ثم تقدم قليلاً فتدعو وتسأله أن يتقبل منك ثم افعل ذلك في الثانية واصنع كما صنعت في الاولى وتقف وتدعو الله كما دعوت ثم تمضي الى الثالثة وعليك السكينة والوقار ) [1]فيمكن أن يقال هي مقترنة بمستحبات كثيرة وهذا يسلبها الظهور في الوجوب . وهذا مطلب نقوله حتى بناء على مسلك حكم العقل فإنه لو سلمنا ان العقل هو الحاكم بالوجوب عند عدم الترخيص في الترك ولكن متى يحكم بذلك ؟ إنه يحكم بالوجوب عند عدم الاقتران بالمستحبات الكثيرة وإلا فحكمه بالوجوب محل تأمل، والسيد الخوئي(قده) تمسك بهذه الرواية في مقامنا رغم اقترانها بالمستحبات الكثيرة ولكنه في البحث السابق في النقطة الرابعة من نقاط المتن السابق والذي كان مضمونه أنه هل يجب الرمي في اليوم الثالث عشر لمن بات في منى ليلية اليوم الذكور - أي بات ليلة الثالث عشر لأنه غربت عليه الشمس أو هو أحب أن يبات - فإذا صار الصباح هل يرمي أو لا ؟ قالوا نعم يلزم أن يرمي، ولكن ما هو الدليل على وجوب الرمي ؟ إن من جملة ما استدل به على وجوب الرمي هو صحيحة أخرى لمعاوية بن عمار بينت كيفية حج النبي صلى الله عليه وآله وانه لما حج بات ليلة الثالث عشر في منى ورمى صباح اليوم المذكور،فعلى هذا الأساس يثبت الوجوب بسبب هذه الرواية، ونصّها:- ( ...... ورجع الى منى فأقام بها حتى كان اليوم الثالث من آخر أيام التشريق ثم رمى الجمار ونفر حتى انتهى الى الابطح ... فأقام في الأبطح... ) [2]- والمقصود أنه رمى الجمار يوم الثالث عشر - إنه استدل بهذه الرواية على وجوب الرمي في اليوم الثالث عشر لمن بات ليلة الثالث عشر، وأشكل السيد الخوئي(قده) على ذلك بما نصه:- ( إنه لا تدل على الوجوب لأن أكثر ما ذكر قبله وبعده ليس بواجب قطعاً وإنما هو مستحب كالتوقف بالأبطح والاقامة ليلة الثالث عشر وغيرهما ) [3]. إذن هو في الروايات البيانية التي تحكي فعل الرسول قال انها لا تدل على الوجوب لأنها مقترنة بمستحبات متعددة، وهنا في محل كلامنا - أعني وجوب الترتيب - قال بأن الرواية تدل على وجوب الترتيب والحال أنها مقترنة بمستحبات كثيرة أوليس هذا تنافياً ؟! فأنت إما أم تقول ان كثرة المستحبات لا تؤثر على الظهور في الوجوب أو تقول بأنها تؤثر أما أن تقول قبل صفحة في البحث السابق تقول في البحث السابق إنه لا يوجد ظهور في الوجوب للاقتران بكثرة المستحبات فلا نستفيد وجوب الرمي في اليوم الثالث لمن بات ليلة الثالث عشر أما هنا في صحيحة معاوية الاخرى الدالة على الترتيب تقول إنها تدل على الوجوب رغم أنها مقرونة بمستحبات كثيرة إنه تنافٍ بين المطلبين!!
وقد تقول في الدفاع[4]:- إنه يوجد فارق بين الموردين باعتبار أنه في المورد السابق كان منشأ الدلالة على الوجوب هو الظهور الحالي فإن ظاهر حال الامام حينما يحكي فعلاً جديداً فهو في صدد أن يبين الأمور الواجبة وليس المنشأ هو حكم العقل، وما دام المنشأ هو الظهور الحالي فنقول هذا الظهور الحالي يتزعزع عرفاً إذا كان يوجد مستحبات كثيرة فلا يعود مجال ومكان للظهور الحالي بل يزول فلذلك في البحث السابق قال إن الرواية مقترنة بمستحبات كثيرة فهي لا تدل على الوجوب حيث تزعزع ذلك الظهور، وهذا بخلافه في مقامنا الذي فرض فيه أن الامام لا يحكي فعل جده وإنما هو ابتداءً يقول ( ابدأ بالجمرة الصغرى واصنع كذا وكذا ثم اذهب إلى الجمرة الثانية ... وهكذا ) فهو الذي يحكم لا أنه يحكي فهي ليست رواية بيانية بل هو حكم من الامام فيكون منشأ الوجوب على مسلك حكم العقل هو حكم العقل والعقل يقول أنا احكم بالوجوب متى لم يشتمل المورد على الترخيص بالخيار فإذا لم يكن رخصة بالخيار فأنا احكم بالوجوب سواءً اقترنت الرواية بمستحبات كثيرة أم لا فإنه لا فرق عندي من هذه الناحية . إنه لعلّ السيد الخوئي(قده) يدافع في مقام التفرقة بين الموردين بهذا الشكل الذي وضحته.
والجواب:- نحن لا نبني على مسلك حكم العقل ولكن لو أردنا ان نتفاعل معه ونقبله فمن المناسب انه مع وجود مستحبات كثيرة توقف العقل عن الحكم بالوجوب بعد ان فرض أنه توجد مستحبات كثيرة ثبتت من الخارج، فالتفرقة إذن بين الوردين مرفوضة.
وهناك قضية جانبية:- وهي أنه لو رجعنا الى كلمات السيد الخوئي(قده) في كلا الموردين - أعني الاخبار البيانية وفي مورد غير الاخبار البيانية بل التي يحكم ويطلب الامام فيها ابتداءً الشيء والعقل هو الذي يكون حاكماً بالوجوب - وجدنا تضارباً في كلماته، ففي المورد الاول - يعني في الاخبار البيانية - نتمكن أن نقول إن له ثلاثة آراء فيها الرأي الأول يقول إن الأخبار البيانية الأصل فيها هو الدلالة على الوجوب، والرأي الثاني يقول هي لا تدل على الوجوب فإن فعل النبي أعم من الوجوب فينكر تماماً، والرأي الثالث يفصّل يقول إذا لم تقترن بمستحبات كثيرة فهي تدل على الوجوب وإذا اقترنت بمستحبات كثيرة فهي لا تدل على الوجوب . أما الرأي الأوّل فمورده في الموسوعة الفقهية في مسألة لزوم مسح الرأس بالبلة الباقية على اليد[5] واستند في ذلك الى صحيحة زرارة التي يحكي فيها الامام الصادق عليه السلام وضوء جده صلى الله عليه وآله :- ( ومسح مقدم رأسه وظهر قدميه ببلّة يساره وبقية بلّة يمناه )، ومثلها صحيحة زرارة:- ( ... ثم مسح رأسه وقدميه ببلل كفه لم يُحدِث لها ماءً جديداً ) وقال(قده) بعد ذكر هذه الرواية في هذا المورد:- ( وقد ذكرنا سابقاً أن هذه الروايات إنما وردت لبيان ما يجب في الوضوء وما هي وظيفة المتوضئ في الشريعة المقدسة وعلى ذلك فكل ما ذكر فيها من القيود والخصوصيات فهو محكوم بالوجوب ما لم يقم على خلافه دليلٌ ) [6]هذا ما ذكره في هذا المورد . إذن هو لم يفصل في هذا المورد والمهم عنده هو أن الاخبار البيانية تدل على الوجوب.
ولكن تعال الى المورد الثاني في نفس الموسوعة الفقهية حيث قال:- ( استدل على لزوم غسل الوجه من الاعلى بصحيحة زرارة " حكى لنا ابو جعفر وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله ..... فدعى بقدحٍ من ماء فأخذ كفاً من ماءٍ فأسدله على وجهه من اعلى وجهه ثم مسح وجهه من الجانبين جميعاً ...... " ولكن للمناقشة في دلالتها على اعتبار ذلك مجال واسع لأن ابا جعفر عليه السلام حكى فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وليس فيها أي دلالة على أن تلك الكيفية كانت واجبة .... ولعلها من باب الافضلية )[7]، وهناك مورد ثان حيث قال ما نصه:- ( الاخبار المذكورة إنما هي حكاية فعل من الامام عليه السلام وفعله بما هو فعلٌ لا لالة له على الوجوب وإنما يستفاد الوجوب من اهتمام الرواة بنقله مثلاً أو غير ذلك من القرائن )[8] . إذن لحد الآن استفدنا أن له رأيين في هذا المجال.


[4] وهذا قد ذكرناه فيما سبق ايضاً.