35/11/07


تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 431 ) / الواجب الثالث عشر من واجبات حج التمتع ( رمي الجمار ).
وأما بالنسبة إلى الرأي الثالث:- فيستفاد مما ورد في الموسوعة الفقهية[1] والذي هو مجاور لمسألتنا - يعني مسألة وجوب الرمي في اليوم الثالث عشر لمن بات ليلة الثالث عشر في منى - فقد ذكرنا في هذه المسألة أنه(قده) حكى ما استدل به بعض الأصحاب من صحيحةٍ ثانية لمعاوية بن عمّار ذكرت أنّ النبي صلى الله عليه وآله بعدما أنهى أعمال مكة ذهب إلى منى وبات فيها ليلة الثالث عشر أيضاً وفي صباحها رمى وهذا يدلّ على وجوب الرمي في اليوم الثالث عشر لمن بات وهو(قده) أجاب في هذا المجال بما نصّه:- ( إنه لا يدل على الوجوب لأن أكثر ما ذكر قبله وبعده ليس بواجبٍ قطعاً وإنما هو مستحب كالتوقّف بالأبطح والاقامة ليلة الثالث عشر وغيرهما ).
والمورد الثاني الذي يفهم منه هذا التفصيل:- مسألة مقدار التفريج بين الرجلين للمصلي وأنّه ما هو مقداره فهل هو ثلاثة أصابع أمّا إذا صار أكثر من شبرٍ فهذا مشكلٌ إذ لعله لا يطلق عليه وقوفٌ، فوقع الكلام بين الفقهاء في أنَّ التفريج بين الرجلين هل يجوز أكثر من شبرٍ أو لا ؟ قال البعض:- إنه لا يجوز واستُشْهِدَ لذلك بصحيحة حمّاد المعروفة[2] حيث سأل فيها الامامُ حمّادَ وقال له هل تعرف الصلاة فأجابه حمّاد إني أعرف كتاب حريز في الصلاة فقال له الامام عليه السلام لا عليك قم فصلِّ فصلّى حريز والظاهر أنّه لم يراعِ بعض الأمور كالمستحبات مثلاً فقام الامام عليه السلام فصلّى بنفسه وينقل حمّاد أنّ الامام عليه السلام حينما وقف فرّق بين رجليه بمقدار ثلاثة أصابع ونصّ العبارة هكذا:- ( وقرّب بين قدميه حتى كان بينهما ثلاثة أصابع مفرّجات )[3]، وعلق السيد الخوئي(قده):- ( وكيف كان فهذه الصحيحة وإن كان ظاهرها عدم جواز التفريج أكثر من الشبر ..... لكنّه لا يمكن الأخذ به أمّا أوّلاً فلأنها مشتملة على ذكر عدةٍ من الآداب والمستحبات، ووحدة السياق تشهد بإرادة الندب من الجميع إذ يبعد جداً إرادة الوجوب من هذه الخصوصيّة والاستحباب من جميع ما عداها )[4].
إنّ عبارته(قده) واضحةٌ في التفصيل في باب الأخبار البيانيّة بين ما إذا اشملت على مستحبّات كثيرة فلا ظهور لها في الوجوب وبين ما إذا لم تشتمل فيبقى ظهورها في الوجوب . هذا كلّه بالسبة إلى المورد الاول.
وأما بالنسبة إلى المورد الثاني - أي الأخبار غير البيانيّة - فله رأيان:-
الرأي الأوّل:- إنه حيث إنّ منشأ استفادة الوجوب هو حكم العقل فحينئذٍ يقال إنه متى ما لم يشتمل المورد على ترخيصٍ في الترك فالعقل يحكم بالوجوب من دون تفصيل بين ما إذا اقترنت الرواية بمستحبات كثيرة أو لا، وهذا موجودٌ في كثيرٍ في كلماته ولا حاجة إلى ذكر بعض الشواهد على ذلك، ولعلّ هذا هو رأي أصحاب مسلك حكم العقل.
الرأي الثاني:- التفصيل بين ما إذا اقترنت الرواية بمستحبّاتٍ كثيرةٍ فالعقل لا يحكم آنذاك بالوجوب وبين ما إذا لم تشتمل على ذلك فيحكم بالوجوب.
ومن جملة الموارد التي تدلّ على الرأي الأوّل - أي العقل يحكم من دون تفصيل بين الاقتران المستحبات وعدمه -:- هو موردنا فإنه(قده) ذكر أنه ممّا يدلّ على الترتيب هو صحيحة معاوية بن عمّار التي كنّا نتحدث عنها - أي الدليل الثالث - والتي كان نصّها:- ( وابدأ بالجمرة الأولى فارمها عن يسارها من بطن المسيل وقل كما قلت يوم النحر ... )، إنه استشهد بها على وجوب الترتيب كما استشهد صاحب الجواهر وصاحب المدارك والحال أنها مشتملة على مستحبّاتٍ كثيرةٍ وهذا يظهر منه أنه(قده) لا يفصّل بالنسبة إلى حكم العقل فهو يحكم باللزوم حتى لو اقترنت الرواية بمستحبّاتٍ كثيرة.
وأما ما يدلّ على الرأي الثاني:- فهناك موارد ليست بالقليلة تدلّ على ذلك نذكر منها:-
المورد الأوّل:- ما جاء في الموسوعة الفقهيّة حيث ذكر ما نصّه:- ( إنّا وإن ذكرنا في الأصول أن الاستحباب كالوجوب بحكم لعقل ..... إلّا أنّ خصوص هذه الموثقة لمّـا كانت مشتملة على كثيرٍ من المسنونات ...... فهي في قوة الاقتران بالترخيص بالترك فعليه لا ينعقد للأمر المزبور ظهورٌ في الوجوب )[5]، وهو واضحٌ في التفصيل المذكور - الذي اشرنا إليه -، ولا يخفى أنّ في التعبير شيئاً من المسامحة فإنه قال:- ( فعليه لا ينعقد للأمر المزبور ظهور في الوجوب ) وهل هذا التعبير صحيح ؟ كلّا، فعلى مسلك حكم العقل الظهور ليس بثابتٍ فإن الأمر ليس ظاهراً إلّا في الطلب الجامع دون الوجوب أو الاستحباب فكان من المناسب أن يعبّر ويقول:- ( فعليه لا يحكم العقل - أو يتوقف العقل - في الحكم بالوجوب ) فإن كلمة ( ظهور الأمر ) تتناسب مع مسلك الوضع ومسلك مقدّمات الحكمة لا مع مسلك حكم العقل.
المورد الثاني:- ما جاء في الموسوعة الفقهية أيضاً حيث قال ما نصّه:- ( وذلك لأنها قد اشتملت على المنع من تعليق الكتاب ومسّ ظاهره من غير طهرٍ وحيث لا قائل بحرمة التعليق من غير وضوءٍ فلا مانع من أن يجعل ذلك قرينةً على إرادة الكراهة من النهي )[6].
المورد الثالث:- وهو في الموسوعة الفقهية أيضاً حيث قال:- ( ودلالتها أيضاً لا تخلو عن مناقشة وذلك لأن إتباع الأحجار بالماء مستحبٌ وهو قرينة على أنّ البكارة أيضاً مستحبّة )[7] والعبارة واضحة أيضاً فهو يريد أن يبيّن أنّ هناك رواية تقول إنّ الحصى التي يستجمر بها فلتكن بكراً وبعدما يستجمر بها يتنقّى بالماء والسيد الخوئي(قده) يقول إنّ التنقّي بالماء ليس بلازمٍ لأنه قد استجمر فعلى هذا الأساس سوف تصير البكارة ليست بلازمةٍ والعقل هنا لا يحكم.
وهذا تطرّفٌ ، ووجه التطرّف هو أنه هنا لا توجد مسنونات كثيرة وهو توقف في حكم العقل بل يوجد مسونٌ واحدٌ، فهنا يظهر أنّه حتى المسنون الواحد يمنع من حكم العقل.
المورد الرابع:- ما جاء في الموسوعة الفقهية أيضاً حيث قال ما نصّه:- ( وفيه أوّلاً أنّ الأمر الواقع فيها غير ظاهرٍ في الوجوب في حدّ نفسه لاقترانه بجملة من المستحبات )[8] . وهنا أيضاً تأتي المسامحة المتقدّمة إلّا اللهم أن يقول قائل إنّ هذا رأيه في بداية حياته فإن كلامه هذا قد يظهر منه أنّه كان عنده رأي آخر في استفادة الوجوب فلعلّه كان يبني قبلاً على مسلك الوضع فتكلم بهذا الكلام.
المورد الخامس:- وهو في الموسوعة الفقهية أيضاً في مسألة أنّ الشخص هل يجوز له أن يبرز فخذية أمام الغير أو لابد من سترهما ؟ هناك رواية في حديث الأربعمئة تقول ( لا تكشف عن الفخذين )[9]، وهناك علّق السيد الخوئي(قده) وقال إنَّ هذه مقرونة بمستحبات كثيرة فلا نستفيد منها عدم جواز الكشف.
إذن من خلال هذا كلّه اتضح أنّ رأيه(قده) في المورد الأوّل مختلف - أي ثلاثة آراء -، ورأيه في المورد الثاني مختلفٌ أيضاً - أي له رأيان - وهذه قضيّة جانبيّة لا بأس بالالتفات إليها.
عود إلى صلب الموضوع:- وهو مناقشة الوجوه التي استدل بها على وجوب الترتيب في رمي الجمرات وقد ناقشنا ثلاثة وجوهٍ وبقي الكلام في الوجه الرابع الذي استدل به السيد الخوئي(قده) وهو الاستشهاد بكلمة ( يعيد ) في حقّ من خالف الترتيب.