35/11/20


تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 433 ) / الواجب الثالث عشر من واجبات حج التمتع ( رمي الجمار ).
مسألة ( 433 ):- يجب أن يكون رمي الجمرات في النهار . ويستثنى من ذلك العبد والراعي والمديون الذي يخاف أن يقبض عليه وكلّ من يخاف على نفسه أو عرضه أو ماله ويشمل ذلك الشيخ والنساء والصبيان والضعفاء الذين يخافون على أنفسهم من كثرة الزحام فيجوز لهؤلاء الرمي ليلية ذلك النهار ولكن لا يجوز أن ينفروا ليلة الثانية عشر بعد الرمي حتى تزول الشمس من يومه.[1]
..........................................................................................................
تشتمل المسألة المذكورة على مجموعة نقاط:-
النقطة الأولى:- يجب في رمي جمار اليومين الحادي عشر والثاني وهكذا اليوم الثالث عشر إذا أراد أن يرمي يلزم أن يكون من طلوع الشمس إلى غروبها فما قبل طلوع الشمس لا يجوز وما بعد غروبها لا يجوز أيضاً.
وقبل أن نوضح المستند في ذلك نشير إلى قضيّة فنيّة جانبيّة:- وهي أنه(قده) ذكر أنّ واحداً من الأمور المعتبرة في رمي جمرة العقبة والتي ذكرها هو هنا هو أنّ يكون الرمي ما بين طلوع الشمس إلى غروبها، ومعه فما الوجه في إعادته في هذه المسألة ؟!! فإمّا أن نعيده نفسه أو نسكت حينئذٍ عنه، فهو قد أشار إلى هذا الشرط من جديد وهو لا وجه له بعد ما فرض أنّه في المسالة السابقة قال:- ( كلّ ما يعتبر في رمي جمرة العقبة يعتبر هنا أيضاً ) فهذا ليس بوجيه من الجنبة الفنيّة
نعم قد يقول قائل دفاعاً عنه:- إنّ هدفه ليس الإشارة إلى هذا الشرط وإنما الهدف الأساسي هو الإشارة إلى ذوي الأعذار فإنهم يستثنون من هذا الشرط وأنهم يرمون ليلاً.
وإذا كان هذا هوالمقصود فلابد من الفنيّة في التعبير بشكل لا يكون تسليط الأضواء على هذا الشرط - يعني على أن يكون الرمي من الطلوع إلى الغروب - وإنما يكون على الاستثناء لا على أصل هذا الشرط، الأمر سهلٌ.
ومدرك هذا الحكم هو الروايات فإنه توجد ست روايات في هذا المجال تدلّ على ما ذكر وأذكر روايتين تبركا:-
الرواية الأولى:- صحيحة أبي بصير ومنصور بن حازم جميعاً عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( رمي الجمار من طلوع الشمس إلى غروبها [2]).
ولعل هذه الصحيحة ناظرة إلى رمي اليومين بالخصوص بقرينة أنه عُبِّر بـ ( رمي الجمار ) ولم يعبر برمي الجمرة فإنه في اليوم العاشر يوجد رمي الجمرة أي واحدة وليس رمي الجمار، فقد يشكك من هذه الناحية - يعني من شمولها لليوم العاشر -.
الرواية الثانية:- صحيحة اسماعيل بن همام قال:- ( سمعت أبا الحسن الرضا عليه السلام يقول:- لا ترم الجمرة يوم النحر إلى أن تطلع الشمس .. [3]).
ولعلّه يشهد بذلك أيضاً سيرة الإماميّة على الرمي في الوقت المذكور كما سوف نوضح فيما بعد، وإنما عبرت بكلمة لعل من باب أن هذه السيرة لا تدل على اللزوم فلعه قبل طلوع الشمس أيضاً يجوز أو بعد غروبها ايضاً يجوز ولكن السيرة جرت على ذلك من باب كونه الفرد الأفضل فإن هذا الاحتمال موجود.
هذا ويوجد رأيان أساسيان آخران غير ما بيّناه في المسألة:-
الراي الأوّل:- للشيخ الطوسي(قده) في خلافه فإنه ذهب إلى أن الرمي من الزوال إلى الغروب - يعني كما هو المتداول في المدرسة الأخرى فإنها ترمي من الزوال إلى الغروب - واستدل بوجهين هما الاجماع وطريقة الاحتياط أي أن طريقة الاحتياط هي تقتضي هذا المعنى، ونصّ عبارته:- ( لا يجوز الرمي أيام التشريق إلا بعد الزوال . وقد روي رخصة قبل الزوال في الأيام كلها ..... دليلنا إجماع الفرقة وطريقة الاحتياط فإن من فعل ما قلناه لا خلاف أنه يجزيه وإذا خالفه ففيه الخلاف )[4] ويظهر أن مقصوده من طريقة الاحتياط ليس ما هو المتداول هذا اليوم وإنما مقصوده أنّ الآتي بالشكل الذي ذكرناه هو مبرئ للذمة جزماً أما غير ذلك فيه خلاف فاسلك ايها المؤمن ما هو مجزٍ بلا خلاف
ولكن نسأله ونقول:- إن هذا الذي تقوله صحيح أنه حسنٌ أو أحسن ولكن هل هو لازم ؟ ونحن كلامنا في اللازم فهل يجب أو لا ؟ فكلامنا في الوجوب.
وقد ينسب هذا الرأي ايضاً إلى ابن زهرة[5] كما وقد نسب إلى الغنية والإصباح وجواهر القاضي كما جاء في جواهر الكلام[6].
وعلى أي حال يرد على الوجه الأوّل:- أنه لا إجماع في المسألة جزماً بل هو (قده) خالف ذلك في بعض كتبه الأخرى على ما جاء في المدارك[7] عن النهاية والمبسوط فإنه نقل عن هذين الكتابين أن وقت الرمي ما بين طلوع الشمس إلى غروبها وقد نقول ذلك عنه ايضاً في الجواهر[8] . وعلى أي حال الاجماع في المسألة ليس متحقّق.
وأماّ ما أفاده في الوجه الثاني من أن ذلك هو مقتضى الاحتياط فيردّه:- إنه لا وجه للاحتياط المذكور بعد ورود روايات ست تدل على أن الوقت من طلوع الشمس، إنه لا حاجة إلى هذا الاحتياط بنحو اللزوم.
نعم إذا أراد الاحتياط بنحو الاستحباب - يعني من باب ان هذا مجزٍ جزماً - فلا بأس يعني لأجل أنه من طلوع الشمس محل كلام، أمّا أنه يقول هو لا يجوز إلا من الزوال وليس هو الافضل فإذن بعد ورود روايات ست دلالتها واضحة وسندها جيد فما هذا الاحتياط ؟! إنه لا معنى له.
مضافا إلى أن هذا الاحتياط معارض بسيرة الإماميّة فإنهم يرمون من حين شروق الشمس.
إن قلت:- من أين لك أنهم يرمون من حين شروق الشمس ؟
قلت:- إن السيرة في وقتنا المعاصر وما قبله هي على ذلك ومن البعيد أن تكونهذه السيرة قد تبدلت فإن هذا ضعيف بحساب الاحتمال، ولو كان الامامية يرمون من حين الزوال في الازمنة السالفة وبعد ذلك حصل التغير فهذه ظاهرة ملفتة للنظر وتستدعي النقل والحال أنه لم ينقل ذلك أحد فيظهر ان الوضع الطبيعي هو هذا أي ان الرمي من طلوع الشمس لا أنه من حين الزوال .فإذن سيرة الامامية خير دليل على أن الوقت ما ذكرناه
هذا مضافاً إلى أن دعوى كون الاحتياط يقتضي ذلك هو أوّل الكلام فإنه لو نظرنا إلى عالم شغل الذمة فالذي نتيقن باشتغال الذمة به هو الرمي في الجملة أما أن يكون بقيد ( من الزوال ) فهذا تضييقٌ زائد نشك في اشتغال الذمة به فينفى بالبراءة، فالذي نتيقن باستغال الذمة به هو لزوم الرمي في الجملة،يعني بعبارة أخرى من بعد طلوع الشمس نتيقن ان الذمة قد اشتغلت بذلك أما أنه نقيد هذا الاشتغال وأنه من حين الزوال فهذا شك في التقييد والضيق الزائد فينفى بالبراءة.
فإذن ما نتيقن باشتغال الذمة به قد فرغنا الذمة منه جزماً وذلك إذا أتينا به قبل الزوال فنقول قد فرغنا الذمة مما اشتغلت به جزماً والذي نشك في اشتغال الذمة به - وهو ان يكون من حين الزوال - لا يلزم اليقين بفراغ الذمة منه، فما اشتغلت الذمة به يقيناً قد أتينا به والزائد عن ذلك مشكوكٌ لا يلزم تفريغ الذمة منه.
نعم لو سألت وقلت:- أوليس الاحسن والافضل الاتيان به من حين الزوال من باب أنه ليس فيه خلاف ؟ قلت:- نعم هذا لابأس به إلا أن كلامنا ليس في الأجدر والاولى وإنما هو فيما هو اللازم، فعلى هذا الأساس يكون الاتيان به من طلوع الشمس كافٍ للوجوه التي ذكرناها، فلا وجه لما ذكره(قده).
إن قلت:- توجد وراية تتلاءم مع ما أفاده الشيخ الطوسي وهي صحيحة معاوية الأخرى عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( إرم في كل يوم عند زوال الشمس وقل كما قلت حين رميت جمرة العقبة .... )[9]، وهي رواية طويلة تشتمل على مستحبات كثيرة . إذن ربما يقال إنّ مستند الشيخ الطوسي هو هذه الرواية.
والجواب:- إن هذه يلزم حملها على الأفضلية، يعني الافضل أن يكون الرمي عند زوال الشمس باعتبار أنها مقترنة في نفس الرواية بجملة من الآداب والمستحبات الشرعية ونفس هذا الاقتران بالمستحبات الكثيرة يسلبها الظهور في اللزوم.
مضافاً إلى أن هذه الرواية مخالفة للروايات الستّ التي تقدّمت فتلك تصرحّ على أنّ الوقت من طلوع الشمس فيلزم حمل هذه على الاستحباب لأجل تلك الروايات الست .
وأيضاً هي مخالفة لسيرة الامامية فإن سيرتهم جرت كما قلنا على الرمي من بعد طلوع الشمس لا أنه من الزوال، فلأجل هذه السيرة يلزم حمل هذه الرواية على الاستحباب. هكذا يقال.
أو يقال:- يلزم حملها على التقية لوجود شاهدٍ يشهد بذلك أعني يبه صحيحة زرارة وابن أذينة عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال للحكم بن عتيبة - أو عيينة -:- ( ما حدّ رمي الجمار ؟ فقال الحكم:- عند زوال الشمس، فقال أبو جعفر عليه السلام:- يا حكم أرأيت لو أنهما كانا اثنين فقال احدهما لصاحبه احفظ علينا متاعنا حتّى أرجع أكان يفوته الرمي[10]؟ [11]هو والله من طلوع الشمس إلى غروبها )[12] إن قوله عليه السلام:- ( هو والله من طلوع الشمس إلى غروبها ) يدل بوضوح على أن الوقت من حين طلوع الشمس، ولكن دلّت في نفس الوقت على أن الرأي للمدرسة الأخرى كان يرى أنه من حين الزوال، وحينئذٍ لعل الامام في صحيحة معاوية المتقدمة حينما قال:- ( ارم عند زوال الشمس ) أن ذلك قد صدر منه من باب التقيّة.
فإذن إما ان نحمله على الأدب الشرعي أو نحمله على التقية.
وهنا شيء جانبي أشرت إليه ايضاً والآن أأكده:- وهو أن هذه الرواية تدل بوضوح على أن الوقت هو ما بين طلوع الشمس إلى غروبها وتلك العبارة السابقة - أي النقض الذي سجله الامام عليه السلام سواء كان المقصود منه واضحاً لنا أو لم يكن واضحاً لا يؤثر إجماله على ما أفاده عليه السلام من أن الوقت من حين طلوع الشمس إلى غروبها، وهذا من المواضع التي يكون فيها إجمال المجمل في الرواية لا يؤثر ولا يسري إلى بقية الفقرات، فالإجمال قد يسري أحيانا وقد لا يسري ومن مثال الذي لا يسري هو هذه الرواية.
والخلاصة من كلّ هذا:- اتضح أنّ ما أفاده الشيخ الطوسي(قده) قابل للمناقشة كما أوضحنا.


[10] باعتبار ان الرمي عند الزوال وقد فات الزوال.
[11] وهذه العبارة ما هو معناه ؟ ولكن سواء فهمنا معناها أو لا فلا يضر الاستشهاد بالرواية وهذا من المواضع التي لا يضر فيها وجود الاجمال في بعض الفقرات على موضع الاستشهاد فلا يقولن قائل لعل المقصود شيء يؤثر على موضع الاستشهاد ونحن غافلون عنه، نقول نعم أحيانا قد يكون ذلك صحيحاً ولكن هنا لا يؤثر.