35/11/24


تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 433 ) / الواجب الثالث عشر من واجبات حج التمتع ( رمي الجمار ).
النقطة الثانية:- يستثنى من وجوب الرمي في الوقت المذكور ثلاثة أصناف وهم العبد والراعي والمديون الذي يخاف أن يقبض عليه من قبل الدائن فإنه يجوز لهم الرمي ليلاً . بل نتمكّن أن نقول يستثنى كلّ معذورٍ من الرمي نهاراً لخوفٍ على نفسه أو ماله ، وعلى هذا الأساس يجوز الرمي للشيوخ والنساء والصبيان ليلاً ما داموا يخافون على أنفسهم لشدّة الزحام من الرمي نهاراً.
والروايات الواردة في هذا المجال متعدّدة إلّا أنّ الصحيح منها كما سوف نلاحظ اشتمل على عناوين ثلاثة العبد والراعي والخائف - وليس المديون - فهؤلاء استثنتهم الروايات الصحيحة ، وهناك رواية قابلة للمناقشة سنداً اشتملت على المديون والمريض والحاطب.
أما ما دلّ على استثناء الثلاثة في الروايات الصحيحة فذلك:-
من قبيل:- صحيحة زرارة ومحمد ن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( قال في الخائف:- لا بأس بأن يرمي الجمار بالليل ويضحي بالليل ويفيض بالليل )[1] ، وبمضمونها مع اختلاف جزئي في الألفاظ صحيحة عبد الله بن سنان[2].
ومن قبيل:- موثقة سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( رخّص للعبد والخائف والراعي في الرمي ليلاً )[3] ، وعلى هذا المنوال رواياتٍ أخرى.
وأما الرواية القابلة للـتأمل سنداً والتي اشتملت على عناوين أخرى:- وهي رواية محمد بن علي بن الحسين - أي الصدوق - بإسناده عن وهيب بن حفص عن أبي بصير قال:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الذي ينبغي له أن يرمي بالليل مَن هو ؟ قال:- الحاطب والملوك الذي لا يملك من أمره شيئاً والخائف والمدين والمريض الذي لا يستطيع أن يرمي يُحمَلُ إلى الجِمار فإن قدر على أن يرمي وإلّا فارمِ عنه وهو حاضر )[4] ، ووهيب بن حفص من ثقاة أصحابنا ، وإنما المشكلة في طريق الشيخ الصدوق إليه فإنه قال في المشيخة:- ( وما كان فيه عن وهيب بن حفص فقد رويته عن محمد بن علي ماجيلويه رضي لله عنه عن محمد بن أبي القاسم عن محمد بن علي الهمداني عن وهيب بن حفص الكوفي ) ، والمشكلة هي من ناحية ماجيلويه ومحمد بن علي الهمداني فإن ماجيلويه - الذي هو من مشايخ الصدوق - لم يذكر بتوثيقٍ ، نعم هو قد ترضّى عنه حيث قال ( رضي الله عنه ) فإن بنينا على أنّ الترضّي يكشف عن الوثاقة - كما قد ينسب إلى بعضٍ - فتثبت وثاقته ، وأمّا إذا قلنا أنّ الترضّي والاستغفار لازمٌ أعمّ فبناءً على أنّ شيخوخة الإجازة تكفي في إثبات الوثاقة فأيضاً تثبت وثاقته باعتبار أنّه من مشايخ الصدوق ، وعلى أيّ حال قد يتساهل في أمره ولو من هذه الناحية.
إلّا أنّ المشكلة تبقى في محمد بن عليّ الهمداني فإنه قد ضُعِّفَ ولا يوجد طريقٌ إلى إثبات وثاقته ، فالرواية قابلةٌ للتأمّل سنداً.
ولكن كما رأينا وردت فيها عناوين غير الثلاثة المتقدّمة ومنها المديون ، والسيد الماتن(قده) حينما ذكر المديون بعنوانه لابد وأن يكون نظراً إلى هذه الرواية وإلّا فلا موجب لتسليط الأضواء عليه بالخصوص.
والشيء المهمّ في المسألة:- هو أنّا عرفنا أن الوارد في الروايات المعتبرة عناوين ثلاثة العبد والراعي والخائف ، والسؤال:- كيف يمكن أن نتعدّى إلى الشيوخ والنساء والصبيان والمريض وأصحاب الأعذار الأخرى ؟
والجواب:- إنّ كلمة ( الخائف ) التي وردت في الروايات المعتبرة هي مطلقةٌ فإنه قيل في موثّقة سماعة هكذا:- ( رخّص للعبد والخائف والراعي في الرمي ليلاً ) وكلمة الخائف مطلقةٌ وتشمل كلّ خائفٍ فيشمل ذلك الشيوخ الذين يخافون على أنفسهم من شدّة الزحام والصبيان والنساء والمريض ، بل وحتى المديون إذا خاف من إلقاء القبض عليه فإنه مشمولٌ للإطلاق المذكور ، نعم لابد من التقييد في المديون بما إذا فرض أنّ المطالبة لم تكن بحقٍّ كما لو فرض أنّه لا يوجد عنده أشياء زائدة عن المستثنيات في قضاء الدين كالدار والدابّة المناسبتين وغير ذلك فهنا سوف تكون مطالبته بالدين بغير حقٍّ فهذا خائفٌ من إلقاء القبض عليه فحينئذٍ يكون مشمولاً للإطلاق.
إذن لابد وأن نقيّد المديون الذي يخاف بما إذا لم تكن المطالبة بحقٍّ ، ولعلّ السيد الماتن(قده) حذف ذلك لشدّة وضوح المطلب ، وبالتالي نتعدّى إلى كلّ خائفٍ للنكتة المذكورة.
إلّا أن يقال:- نحن نجزم بعدم الخصوصيّة شرعاً من هذه الناحية يعني أنّه شرعاً لا يُفرَّقُ بين الحائف على نفسه أو الخائف على عرضه أو ماله ، أو يدّعى عدم الجزم بالخصوصيّة عرفاً إذا تمّ وهو أوّل الكلام.
وعلى أيّ حال التمسّك بالاطلاق وجيهٌ ويثبت بذلك أنّ كلّ خائفٍ على نفسه إمّا من السلطان أو خائف على نفسه من شدّة الزحام فيدخل بذلك الشيوخ والنساء والصبيان والمريض.
كما ألفت النظر إلى أنّ هذه المسألة ينبغي أن تصاغ بصياغةٍ جديدة ، فكان من المناسب للمسألة أن تصاغ هكذا:- ( نعم يستثنى من ذلك الخائف على نفسه من شدة الزحام وغيره كالشيوخ والنساء و.... ) أمّا الراعي والمديون فلا داعي لذكرهما لأنهما أمثلة قديمة.
النقطة الثالثة:- ما المراد من الليلة التي يجوز الرمي فيها لذوي الأعذار هل المقصود هو الليلة السابقة على اليوم أو التي تأتي بعد غروب اليوم ؟ فليلة الحادي عشر ماذا يقصد منها فهل يقصد منها الليلة التي تكون قبل اليوم الحادي عشر أو الليلة التي تكون بعد اليوم الحادي عشر أو أنّ المقصود هو الأعمّ من السابقة واللاحقة ؟
يظهر من صاحب المدارك أنّ المراد هو الليلة السابقة حيث قال ما نصّه:- ( والظاهر أنّ المراد بالرمي ليلاً رمي جمرات كلّ يومٍ في ليلته )[5] ، واختار ذلك من المتأخرين الشيخ النائيني(قده)[6] والسيد الخوئي(قده)[7] أيضاً.
وفي مقابل ذلك اختار صاحب الجواهر( قده) الأعمّ فقال إنّ كلمة ( الليل ) كما تشمل السابقة تشمل اللاحقة فيجوز الرمي في السابقة كما يجوز في اللاحقة ، قال(قده):- ( ولا فرق في الليل بين المتقدّم والمتأخّر لعموم النصوص والفتاوى كما اعترف به في كشف اللثام )[8].وإذا رجعنا إلى الروايات وجدنا أنّ تعبيرها كما في صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم:- ( قال في الخائف:- لابأس بأن يرمي الجمار بالليل ويضحّي بالليل ويفيض بالليل ) ، وصاحب الجواهر(قده) بناءّ على ما أفاده يقول إنّ تعبير ( بالليل ) كما يشمل السابقة يشمل اللاحقة فلماذا تخصّصه بخصوص السابقة فنتمسّك بإطلاق النصّ.
وهكذا في موثّقة سماعة حيث قال:- ( رخّص للعبد والخائف والراعي في الرمي ليلاً ) ولفظ ( ليلاً ) كما يشمل السابقة يشمل اللاحقة.
وذكر السيد الخوئي(قده) في هذا المجال وجهين لإثبات الاختصاص بالليلة السابقة:-
الوجه الأوّل:- إنّ الروايات هي في صدد أن ترفع تعيّن النهار فإن الرايات الأخرى عيّنت وقت الرمي من طلوع الشمس إلى غروبها وجاءت هذه الروايات لترفع هذا المنع وتريد أن تقول لا يلزم أن يكون الرمي في هذا الوقت ، فهي في مقام البيان بهذا المقدار ، أمّا أنّ الليل الذي يجوز فيه الرمي أيُّ ليلٍ هو ؟ فهي ليست في مقام البيان من ناحيته . إذن هي في مقام البيان فقط وفقط من تلك الناحية لا أكثر والقدر المتيقّن هي الليلة السابقة فإثبات الجواز بلحاظ الليلة اللاحقة يحتاج إلى دليل - ودعنا نعبّر عن هذا بالقصور في المقتضي -.
الوجه الثاني:- توجد رواية تدلّ على أنّ المقصود من الليلة هي السابقة ، وهي صحيحة زرارة ومحمد بن المسلم المتقدّمة:- ( قال في الخائف:- لا بأس بأن يرمي الجمار بالليل ويضحّي بالليل .. ) فتوجد قرينة في الرواية على أنّ المقصود من ( الليل ) هو الليلة السابقة والقرينة هي ( ويضحّي بالليل ويفيض وبالليل ) , ووجه القرينيّة هو أنّ الذبح إنّما يكون في الليلة القبليّة وليس في الليلة البعديّة . وأيضاً بقرينة ( ويفيض ) فإن الإفاضة تكون في الليلة السابقة وليست في الليلة البعديّة وإلّا صار حاله أسوأ من الإنسان العادي ، فالمقصود أنّ هذا يراد أن يسهّل عليه فالإفاضة هي في الليلة السابقة والذبح هو في الليلة السابقة . فإذن يتعيّن أن يكون الرمي والذبح في الليلة السابقة فإذن يتعيّن أن يكون الرمي في الليلة السابقة وإلّا إذا كان في الليلة اللاحقة فكيف يفيض ؟!! فنفس تجويز الإفاضة بعد الذبح قرينة على أنّ المقصود من الرمي هو الرمي في الليلة السابقة ، وبذلك يثبت المطلوب.


[7] المعتمد في شرح العروة الوثقى، الخوئي، ج5، ص144.