35/11/27


تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 434 )/ الواجب الثالث عشر من واجبات حج التمتع ( رمي الجمار ).
تترتب عليه أربعة أحكام:-
الأوّل:- وجوب القضاء ، فيلزمه أن يعود إلى منى ويقضي ما فاته.
الثاني:- الأحوط وجوباً التفريق بين القضاء والأداء بمعنى أن لا يجمع بينهما بأن يفترض أنه يقف على الجمرة الصغرى ويرميها سبعاً قضاءً وسبعاً أداءً بل يرمي القضاء -أولا يعني يرمي الجمرة الصغرى سبعا ثم الوسطى سبعا ثم جمرة العقبة كلها قضاءً - ثم بعد ذلك يأتي دور الأداء ، فلا يجعل بينهما اتصال بالمعنى الذي أشرنا إليه فلابد وأن يأتي بذاك بعد الفراغ من هذا كاملاً.الثالث:- الأحوط أيضاً أن يكون التفريق بنحو الترتيب أي يأتي بالقضاء أوّلاً ثم بالأداء لا العكس فإنه لو عكس أيضاً يصدق عليه التفريق - يعني بأن يفترض أنه يأتي بالأداء أوّلاً ويفرغ منه ثم يأتي برمي القضاء فهذا تفريقٌ - ولكنه لم يكن بنحو الترتيب يعني ترتيب الأداء بعد القضاء والأحوط وجوباً الترتيب والمقصود من الترتيب أن يترتب الأداء على القضاء فالقضاء أوّلاً ثم الأداء بعد ذلك.
الرابع:- الأحوط وجوباً أن يكون القضاء أوّل النهار والأداء عند الزوال.
ونتكلّم الآن عن هذه الأحكام الأربعة:-
أما بالنسبة إلى الحكم الأوّل أعني وجوب القضاء:-
أمّا من حيث الفتوى:- فقد ذكر في الجواهر ما نصّه:- ( بلا خلافٍ أجده بيننا في أصل وجوب القضاء )[1].وأمّا من حيث الروايات:- فتوجد خمس روايات ، واحدة ليست صالحة وأربع صالحة كما سوف نلاحظ ، والروايات هي:-
الرواية الأولى:- صحيحة معاوية بن عمّار :- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- رجل نسي رمي الجمار، قال:- يرجع فيرميها ، قلت فإن نسي حتى أتى مكة ، قال:- يرجع فيرمي متفرقاً يفصل بين كل رميتين بساعة ، قلت:- فإنه نسي أو جهل حتى فاته وخرج ، قال:- ليس عليه أن يعيد )[2] ، والظاهر أن دلالتها لا بأس بها فهي واردة في الناسي حيث قالت ( نسي رمي الجمار، قال:- يرجع فيرميها ) ثم قال ( فإن نسي حتى اتى مكة ؟ قال:- يرجع فيرمي متفرقاً .. ).إذن دلالتها على أصل وجوب القضاء واضح.
الرواية الثانية:- وهي بمضمون الرواية الأولى ، وهي رواية بريد العجلي التي ورد في سندها الحسن بن الحسين اللؤلؤي - وحيث إنه لم تثبت وثاقته فبهذا الاعتبار عبرنّا عنها بالرواية - وهي:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل نسي رمي الجمرة الوسطى في اليوم الثاني ، قال:- فليرمها في اليوم الثالث لما فاته ولما يجب عليه في يومهن قلت:- فإن لم يذكر إلا يوم النفر ؟ قال:- فليرمها ولا شيء عليه )[3]والظاهر ان دلالتها لابأس بها فإنها واردة فيمن نسي رمي الجمرة الوسطى والإمام عليه السلام قال فليرمها في اليوم الثالث واحتمال الخصوصية للجمرة الوسطى بعيد ، فإذن لا فرق بين أن يكون قد نسى رمي الجمرة الوسطى وبين أن يكون قد نسى رمي الجمرة الاولى وبين أن يكون قد نسى رمي العقبة أو الثلاث فإنه لا يحتمل التفرقة من هذه الناحية . إذن دلالتها لا بأس بها بل لعلها جيدة لولا أن في سندها اللؤلؤي.
الرواية الثالثة:- صحيحة معاوية بن عمار الأخرى:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام:- ما تقول في امرأة جهلت أن ترمي الجمار حتى نفرت إلى مكة ؟ قال:- فلترجع فلترم الجمار كما كانت ترمي والرجل كذلك )[4] ، وموردها هو الجاهل إلا أن الظاهر أنه لا فرق بين الجاهل والناسي من هذه الناحية ، بل ربما يقال إن الناسي جاهلٌ أيضاً فإنه حينما ينسى الآن رمي هذه الجمرة فهو في هذه اللحظة جاهلٌ بلزوم رميها فهو حالة النسيان أيضاً هو جاهلٌ وغاب عن ذهنه وجوب الرمي غايته هو جاهلٌ مسبوقٌ بالعلم بخلاف ذلك الجاهل في مصطلحنا فإنه ليس مسبوقاً بالعلم لكن بالتالي هو حين النسيان جاهل وغاب عن ذهنه . فإذن إما أن نتمّسك بإلغاء الخصوصية عرفاً بين الجاهل والناسي في هذا المورد ، بل قد نصعّد اللهجة ونقول:- إنّ الناسي هو حالة نسيانه مصداقٌ للجاهل فيكون مشمولاً للرواية.
الرواية الرابعة:- صحيحة معاوية الثالثة في حديث قال:- ( قلت:- الرجل ينكس في رمي الجمار فيبدأ بجمرة العقبة ثم الوسطى ثم العظمى ، قال:- يعود فيرمي الوسطى ثم يرمي جمرة العقبة وإن كان من الغد[5])[6] وموردها وإن كان هو من نسي أو جهل الترتيب والإمام عليه السلام أمره بالقضاء بنحوٍ يحصل به الترتيب وهذا نفهم منه أن الكيفية الشرعية إذا لم تتحقق سواء بصورتها الصحيحة أو لم تتحقق رأساً بأن لم يأتِ بالرمي رأساً جهلاً أو نسياناً فيلزمه القضاء ولا يحتمل انه لو نسي الترتيب يلزمه القضاء وأما لو لم يأتِ به راساً فلا يلزمه القضاء فإن هذا ليس بمحتمل فالخصوصية ملغاة من هذه الناحية. إذن دلالة الرواية جيدة.والسيد الخوئي(قده) في المعتمد[7] تمسّك بهذه الرواية فقط ولم يذكر ما سبق والحال أنّ الرواية الأولى لمعاوية بن عمّار هي جيّدة فإنها واردة في الناسي ، نعم الرواية الثانية لمعاوية يمكن أن يقال مثلاً هي واردة في الجاهل ومحلّ كلامنا في الناسي فهناك نحو مبرر لعدم الإشارة إليها ، أما الرواية الأولى لمعاوية فهي واردة في الناسي ودلالتها على وجوب القضاء واضحة ، ففنّياً يكون ذكرها أنسب من هذه الرواية لأن هذه واردة فيمن نكس أمّا تلك فهي وادرة فيمن نسي أصل الرمي ، فلو أرد أن يقتصر على روايةٍ واحدةٍ ولا يُكثِر هو أن يذكر الرواية الأولى دون هذه.
وقد سبقه إلى ذلك صاحب المدارك(قده)[8] أيضا ، ولكن يبقى الإشكال الفنّي كما ذكرنا.
الرواية الخامسة:- صحيحة عبد الله بن سنان:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجلٍ أفاض من جمع حتى انتهى إلى منى فعرض له عارض فلم يرمِ حتى غابت الشمس ، قال:- يرمي إذا أصبح مرّتين مرّة لما فاته والأخرى ليومه الذي يصبح فيه وليفرّق بينهما يكون أحدهما بكرة وهي للأمس والأخرى عند الزوال )[9].
إنه قد يتمسّك بهذه الصحيحة حيث فرض أنّه عرض له عارض فلم يرمِ والإمام عليه السلام أمره بأن يقضي ويقدّم القضاء على الأداء ، هكذا قد يقال في دلالتها.
ولكن يمكن أن يقال:- هي ناظرة إلى رمي جمرة العقبة في اليوم العاشر؛ لأنه قد فرض السائل أنّ ( رجلاً أفاض من جمع ) وجمع هي مزدلفة ( حتى انتهى إلى منى ) يعني في اليوم العاشر ( فعرض له عارض فلم يرم حتى غابت الشمس ) يعني لم يرم الواجب في اليوم العاشر ، وعلى هذا الأساس هي ناظرة إلى رمي جمرة العقبة فهو قد نسي أن يرمي جمرة العقبة والإمام عليه السلام أمر بالقضاء ولعلّه توجد خصوصيّة لجمرة العقبة في اليوم العاشر لأنّها جزءٌ من الحجّ فيجب قضاء رميها ، وهذا بخلاف ما ذا نسي الرمي في اليوم الحادي عشر أو الثاني عشر فإنه ليس جزءاً من الحجّ فلعله لا يجب القضاء ، هذه الرواية يشكل التمسّك بها للنكتة التي أشرنا إليها.
مضافاً إلى إنّه عُبّر وقيل:- ( عن رجلٍ أفاض من جمع حتى انتهى إلى منى فعرض له عارض ) والإمام عليه السلام أمر بالقضاء والعارض لعلّه منصرفٌ من النسيان والمقصود منه مثلاً أنّه ضلّ الطريق أو فَقَدَ حاجةً وبقي يفحص عنها حتى فاته الوقت وما شاكل ذلك ، إنّ مثل هذا يطلق عليه العارض دون النسيان ، فلذلك يمكن أن يقال إنّ هذه الرواية لا تشمل النسيان ومحلّ كلامنا هو فيمن نسي . فإذن لنكتةٍ معيّنة ٍهذه الرواية لا يمكن التمسّك بها ، والمناسب التمسّك بالروايات السابقة التي أشرنا إليها.
وأما بالنسبة إلى الحكم الثاني أعني لزوم التفريق:- فلم يشر إليه القدماء بشكلٍ واضحٍ ولم يسلّطوا الأضواء عليه ، يعني لم يقولوا إنَّ التفريق لازمٌ وهو شرطٌ ، نعم ذكروا الترتيب وربما يقال إنّ ذكر الترتيب ولو أحيانا يستلزم اعتبار التفريق ، ولكنّ عنوان التفريق لم يذكروه ، وهذا بيان واقعٍ لا أكثر من ذلك.
وقد جاء في المعتمد ما نصّه:- ( كما في النصوص الدالّة على التفريق )[10] ، وهذه العبارة تدلّ على أنّه هناك نصوصٌ تدلّ على لزوم التفريق بين الأداء والقضاء ، والحال أنّه لا يوجد نصّ واحدٌ يدلّ على ذلك ، نعم ما قرأناه من الروايات الخمس السابقة - والذي لا يوجد غيره - بعضها وإن دلّ على التفريق كما سوف نذكر ولكن ليس التفريق بين القضاء والأداء ، ومقصودنا من القضاء غير قضاء جمرة العقبة وإنما كلامنا فيمن نسي رمي اليومين والتفريق بين قضاء أحد اليومين وأداء اليوم الآخر فكلامنا هنا فلا توجد رواية تدلّ على التفريق ، نعم توجد رواية تدلّ على التفريق بين القضاءين كما في صحيحة معاوية الأولى ويوجد ما يدلّ على لزوم الترتيب بين قضاء جمرة العقبة والأداء لليوم الآخر كما في صحيحة عبد الله بن سنان ، أمّا لزوم الترتيب بين قضاء أحد اليومين وأداء اليوم الآخر فلا توجد رواية تدلّ عليه ، ولأجل هذا يكون الحكم بلزوم التفريق بين القضاء لأحد اليومين والأداء لليوم الآخر مبنيٌّ على الاحتياط الوجوبي دون الفتوى ، يعني لابد وأن نلغي الخصوصيّة من هذه الناحية ، وحيث إنّ إلغاء الخصوصيّة ليس جزميّاً فالحكم يصير بنحو الاحتياط الوجوبي ، وهذه نكتة ينبغي الالتفات إليها ، ولأجل هذا ذَكَرتُ كلّ الروايات فإنه لا يوجد في الروايات ما يدلّ على وجوب التفريق بين القضاء لغير جمرة العقبة وبين الأداء لأحد اليومين.


[5] ولا يرمي الصغرى لأنها سوف تصير بالتالي هي الاوّل لأنه لو رمي فيما بعد الوسطى ثم العقبة فقد حصل الترتيب.
[7] المعتمد في شرح العروة الوثقى، ج5، ص415.