35/12/03


تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 434 )/ الواجب الثالث عشر من واجبات حج التمتع ( رمي الجمار ).
أما بالنسبة إلى جواب السؤال الأوّل:- فالمقطوع به بين الأصحاب أنّ جعل الفاصل بالمقدار المذكور هو شيءٌ ليس بلازم وإنما هو راجح، ولولا هذه المعروفيّة بين الأصحاب لكان المناسب أن يكون الفاصل شيئاً لازماً أخذاً بمقتضى ظاهر الرواية ولكن لأجل هذه المعروفيّة بين الأصحاب لا نتمكن أن نترك ظاهر الرواية بشكلٍ كلّي حيث إنَّ هذه المعروفيّة بين الأصحاب شيءٌ قد نقل ولا نعرف مدى صحّة النقل المذكور فتركُ ظاهر الرواية في اللزوم شيءٌ صعب مادامت المعروفيّة لم تثبت بشكلٍ يورث الاطمئنان وأنّه يمكن الأخذ بظاهر الرواية بشكلٍ بتّيٍّ ويترك ما نقل من ظاهر الأصحاب، فهذا لا يمكن وذاك لا يمكن والمناسب في مثل هذه الحالة المصير إلى الاحتياط الوجوبي، فالتفريق بالمقدار المذكور يكون ثابتاً على مستوى الاحتياط الوجوبي.
نعم من حصل له الاطمئنان بمفروغيّة أو باتفاق الأصحاب على عدم لزوم التفريق بالمقدار المذكور فلا داعي آنذاك إلى المصير إلى الاحتياط الوجوبي بل إمّا أن يحتاط استحباباً أو أنه يرفع يده حتى عن الاحتياط الاستحبابي . وهكذا من اطمأن بالعكس - يعني اطمأن بأنه لا يوجد مفروغيّة بين الأصحاب وإنما هو مجرد نقل وما أكثر النقل من هذا القبيل - فحينئذٍ يأخذ بظاهر الرواية، أما من فرض أنّه يسلك كما سلكنا يعني لا يعطي قيمةً كاملة للمنقول كما أنّه لا يسلب القيمة بشكلٍ كاملٍ فالمناسب في أمثال ذلك المصير إلى الاحتياط الوجوبي، وهذه قضيّة سيّالة في سائر المسائل أيضاً.
نعم هناك قضيّة أخرى لعله أشرنا إليها في أبحاثٍ سابقة:- وهي أنّه لو سلّمنا أن الأصحاب حصلت لديهم مفروغيّة واتفقت كلمتهم على أنّه لا يجب التفريق بالمقدار المذكور فكيف نرفع اليد عن ظاهر الرواية - كلام المعصوم - اعتماداً على ما هو المعروف بين الأصحاب ؟ فكيف يمكن تخريج ذلك علميّاً وصناعيّاً ؟
وجوابه:- إنّ المفروغيّة بين الأصحاب لم تأتِ اعتباطاً إذ أن جلالتهم وتقواهم يمنع من أن يتّفقوا من دون منشأ، إنّ هذا شيءٌ نطمأنُّ بل نقطع ببطلانه كما أنّهم أصحاب فضيلةٍ وعلمٍ فلا يحتمل أنّهم قد أخطأوا جميعاً فيحصل بذلك اطمئنانٌ بأنّ هذا المطلب قد وصل إليهم يداً بيد وطبقة عن طبقة وهناك أجواء واضحة من أصحاب الأئمة عليهم السلام وبالتالي من الأئمة عليهم السلام.
إذن هذه هي النكتة التي تجعل القيمة للمفروغيّة وللاتفاق بين الأصحاب، نعم هذه قضيّة لا يعرفها إلّا من يعيش الوسط الحوزوي لفترةٍ طويلة أمّا من يأتي من الخارج فلا يعرف ذلك.
وأما جواب السؤال الثاني:- فينبغي أن يكون واضحاً أنّ المقصود هو الفترة الزمنية فإنّ الساعة بالمصطلح الموجود في يومنا هذا هو شيءٌ حادث جديداً فلا يمكن تحميله على الروايات، وهذه قضيّة ينبغي أن تكون واضحة . فإذن صحيحة معاوية حينما قالت ( يفصل بساعة ) يعني يفصل بفترةٍ زمنيّةٍ . هذا ما ينبغي أن يقال في هذا المجال وهو واضح.
وأمّا بالنسبة إلى السؤال الثالث فيمكن أن يقال:- إنّ مورد إحدى الروايتين يختلف عن مورد الرواية الأخرى، فالتي جعلت الفاصل بمقدار ساعة - أعني صحيحة معاوية الأولى - هي ناظرة إلى الفاصل بين القضاءين فإنها واردة في المجال المذكور حيث قالت:- ( رجل نسي رمي الجمار، قال:- يرجع فيرميها، قلت:- فإن نسيها حتى أتى مكة، قال:- يرجع فيرمي متفرقاً يفصل بين كلّ رميتين بساعة )[1].
إذن موردهما هو من نسي رمي الجمار في اليوم الحادي عشر والثاني عشر، فإذن هو يحتاج إلى قضاءين يفصل بينهما بمقدار ساعة أي بمقدار فترة زمنيّة، بينما مورد صحيحة عبد الله بن سنان شيء آخر وهو من فاته رمي جمرة العقبة وحينئذٍ يجب في اليوم الحادي عشر ذلك فيفصل بين قضاء رمي جمرة العقبة وبين الأداء في اليوم الحادي عشر بالمقدار الذي ذكر - وهو الغدوة والزوال -.
إذن مورد إحدى الروايتين يختلف عن مورد الرواية الأخرى فلا تعارض في البين، ومن أراد أن يأخذ بظاهرهما فالمناسب أن يُفصّل فيقول:- ( إذا كان قد فاته رمي يومين فيفصل بين القضاءين بمقدار ساعة - أي بفترةٍ زمنيّةٍ - وإذا كان فاته رمي جمرة العقبة فيفصل بين قضائها وبين الأداء بالإتيان بالقضاء غدوةً وبالأداء عند الزوال إمّا على مستوى الاحتياط الوجوبي أو على مستوى الفتوى ) . فإذن لا تنافي بين الروايتين لاختلاف مورديهما.
يبقى شيءٌ:- وهو أنّ محلّ كلامنا ماذا نقول تجاهه - أي من فاته رمي أحد الأيام وليس رمي جمرة العقبة والتفت إلى ذلك وأراد القضاء في اليوم الثاني عشر - فهذا هل نلحقه بالأوّل أو نلحقه بالثاني فما هو المناسب؟
والجواب:- لعلّ الأنسب إلحاقه بالثانيباعتبار أنّه في الثاني قد فرض أنّ أحد الرميين قد كان أداءً والآخر قضاءً - يعني أنَّ القضاء هو رمي جمرة العقبة والأداء هو رمي اليوم الثاني عشر - ومحلّ كلامنا في هذه المسألة هو هذا، وليس محلّ كلامنا ما إذا فرض أنّ كِلا الرميين كان قضاءً، فالأنسب إلحاقُ مقامنا بالمورد الثاني دون المورد الأوّل للنكتة التي أشرنا إليها.
ومن خلال هذا يتّضح الوجه في عبارة السيد الماتن(قده) حيث قال:- ( من نسي الرمي في اليوم الحادي عشر وجب عليه قضاؤه في الثاني عشر ومن نسيه في الثاني عشر قضاه في اليوم الثالث عشر . والأحوط أن يفرق بين القضاء والأداء وأن يقدّم القضاء على الأداء وأن يكون القضاء أوّل النهار والأداء عند الزوال )، يعني أنه ألحق محلّ كلامنا بمورد صحيحة عبد الله بن سنان، بينما في المسألة التالية يقول ( الفصل هو ساعة بين قضاءين )، ولعلّ هذا يكون مورداً للسؤال إذ يقال:- إنّه هنا قال يفصل أحدهما غدوةً والآخر عند الزوال أمّا في المسألة التالية قال إنَّ الفاصل هو ساعة فكيف يكون هذا ؟!
فنقول له:- إنّ الفاصل يكون الساعة بين القضاءين وهذا ما بيّنه في المسالة التالية، أمّا هذه المسالة فأحدهما أداءً والآخر قضاءً فالفاصل بين الأداء والقضاء هو الغدوة والزوال.
الأمر الرابع:- تعرض السيد الماتن(قده) في العبارة إلى من نسي ولم يتعرّض إلى من جهل أو تعمّد فإنه قد يفترض أحيانا أنّ الشخص يجهل بلزوم الرمي في اليوم الحادي عشر ثم التفت بعد ذلك، وهكذا العامد الذي لم يرم بنفسه ولم يُنِب فتعمَّد الترك تهاوناً، فحكم هذين لم يشر إليه(قده).
والجواب:- أمّا بالنسبة إلى الجاهل فالمناسب إلحاقه بالناسي، أي يجب عليه القضاء في اليوم الثاني، والوجه في ذلك هو عدم احتمال الخصوصيّة للناسي في هذا المجال، فاحتمال أنّ الناسي يقال له يجب عليك القضاء بينما الجاهل يقال له لا يجب عليك القضاء احتمالٌ بعيدٌ، فالخصوصيّة ملغاةٌ من هذه الناحية، فإن كان إلغاء الخصوصيّة بنحو الجزم فنفتي ونقول إنَّ الجاهل كالناسي، وإذا فرضنا أنّ إلغاء الخصوصية شيءٌ جيدٌ ولكن ليس بدرجة 100% فحينئذٍ نحتاط وجوباً فنقول الأحوط وجوباً أنّ الجاهل كالناسي.
إن قلت:- لم لا نتمسّك بالأولويّة فيقال بأنّ الناسي أشد معذوريّةً من الجاهل باعتبار أنّه تعلّم وأنساه الشيطان بينما الجاهل فهو لم يتعلّم، فإذن الناسي أشد معذوريّةً فإذا وجب عليه القضاء فبالأولى يجب على الجاهل.
قلت:- هذا وجيهٌ لولا أنّ الشرع في بعض الموارد شدّد على الناسي دون الجاهل، وهذا التشديد بالشكل المذكور يجعلنا نتوقّف عن الجزم بالأولويّة، ومقصودنا من بعض الموارد هو كما في ناسي النجاسة في الصلاة، فالشخص تارةً يصلّي وكان يعلم أنّ الثوب أو البدن نجساً ونسي فهذا يجب عليه القضاء بينما لو كان جاهلاً فلا يجب عليه القضاء، فهنا التشديد صار أقوى على الناسي، فعلى هذا الأساس التعدّي لابد وأن يكون بإلغاء الخصوصيّة عرفاً لا بالأولويّة.
إن قلت:- لم لا نتمسّك بصحيحة عبد الصمد بن بشير التي جاء فيها:- ( أيّما امرئٍ ركب أمراً بجهالة فلا شيء عليه )، فإن كلمة ( شيء ) تشمل القضاء والتدارك أيضاً ولا تختصّ بخصوص الكفّارة فننفي القضاء والتدارك أيضاً وهي فيها عمومٌ فيتمسّك بعمومها في المقام.
قلت:- هذا وجيهٌ إذا لم يكن هناك مخصّصٌ موجودٌ في المقام والمخصّص أو احتمال المخصّص موجودٌ وهو الروايات السابقة الواردة في الناسي فإنّه بعد إلغاء خصوصيّة النسيان عرفاً يصير لدينا مخصّصٌ لهذا العموم فلا يمكن التمسّك به . نعم إذا فرض أنّ الروايات السابقة لم تكن واردة حتّى في الناسي فالتمسّك بذلك العموم يكون شيئاً وجيهاً.
وأمّا العامد:- فمن الوجيه أيضاً إلحاقه بالناسي إمّا على مستوى الفتوى إذا جزمنا بإلغاء الخصوصيّة، وإذا لم نجزم بذلك فعلى مستوى الاحتياط الوجوبي.
إذن المتعمّد والجاهل ملحقان بالناسي إمّا على نحو الفتوى أو على نحو الاحتياط الوجوبي.