35/12/04


تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 435 )/ الواجب الثالث عشر من واجبات حج التمتع ( رمي الجمار ).
ونستدرك لنقول:- إنّه لو رجعنا إلى الروايات وجدنا الرواية الثانية لمعاوية قد وردت في الجاهل غايته المرأة وحيث لا يحتمل خصوصيّة لها فحينئذٍ يكون الحكم ثابتاً للجاهل بلا حاجة إلى عدم احتمال الخصوصيّة للنسيان ، فالمقدّمة التي ذكرناها سابقاً لا حاجة إليها - يعني أنّها ليست شيئاً باطلاً ولكن يوجد ما هو أقرب منها - ونصّ الرواية:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام:- ما تقول في امرأة جهلت أن ترمي الجمار حتى نفرت إلى مكة ، قال:- فلترجع فلترم الجمار كما كانت ترمي والرجل كذلك ) ، وأيضاً إلغاء خصوصيّة المرأة لا نحتاج إليه لأن الإمام عليه السلام قد صرحّ . فإذن هذه الرواية هي واردة في الجاهل الرجل والمرأة بلا حاجة إلى ضمّ إلغاء الخصوصيّة . فإذن هناك مدركٌ آخر لتعميم الحكم للجاهل وهو هذه الرواية.
ثم إنّه يمكن التمسّك بالصحيحة الثالثة لمعاوية بن عمّار فإنه لم يؤخذ فيها قيد النسيان ولا قيد الجهل فنتمسّك بإطلاقها للناسي والجاهل بلا حاجة إلى إلغاء الخصوصيّة ، ونصّها:- ( الرجل ينكس في رمي الجمار فيبدأ بجمرة العقبة ثم الوسطى ثم العظمى ، قال:- يعود فيرمي الوسطى ثم يرمي جمرة العقبة ولو كان من الغد ) ، إنّه ذكر فيها ( الرجل ينكس ) ولم يقيَّد بالنسيان ولا بالجهل فيتمسّك بترك الاستفصال ، يعني أنّ الإمام عليه السلام لم يستفصل في مقام الجواب بين أن يكون جاهلاً أو يكون ناسياً وترك الاستفصال يدلّ على العموم.
والخلاصة من كلّ ما ذكرناه:- إنّ التعميم للجاهل يمكن إثباته من خلال طرقٍ ثلاث:- الأوّل هو الصحيحة الثانية لمعاوية فإنّها واردة في الجاهل الأعمّ من الرجل والمرأة ، والثاني هو صحيحة معاوية الثالثة بعد ضمّ مقدّمة ترك الاستفصال يدلّ على العموم ، والثالث هو إنّه لو فرض وجود جميع الروايات في الناسي يمكن التعدّي إلى الجاهل من باب أنّ العرف في هذا المورد يلغي خصوصيّة الناسي.
مسألة ( 435 ):- من نسي الرمي فذكره في مكة وجب عليه أن يرجع إلى منى ويرمي فيها وإذا كان يومين أو ثلاثة فالأحوط أن يفصل بين وظيفة يومٍ ويومٍ بعده بساعة . وإذا ذكره بعد خروجه من مكة لم يجب عليه الرجوع بل يقضيه بالسنة القادمة بنفسه أو بنائبه على الأحوط.
..........................................................................................................
تتضمن هذه المسألة أحكاماً ثلاثة:-
الحكم الأوّل:- من نسي رمي الجمار في اليوم الحادي عشر أو الثاني عشر أو في كليهما والتفت إلى ذلك وهو بَعدُ في مكة وجب عليه الرجوع إلى منى لقضاء الرمي.
الحكم الثاني:- إذا فرض أنّ الذي نساه كان رمي يومين وليس رمي يومٍ واحدٍ فيقضيهما والأحوط أن يفصل بين القضاءين بساعة - والمقصود من الساعة هو الفترة الزمنيّة وكان من المناسب له(قده) أن ينبّه على ذلك-.
الحكم الثالث:- إذا التفت وقد خرج من مكة فلا يلزمه العود ، نعم يقضيه في السنة القادمة من باب الاحتياط بنفسه إن تمكّن أو بنائبه إن لم يستطع.
هذه أحكام ثلاثة في هذه المسألة نتكلّم عنها على سبيل التوالي.
ولكن قبل أن نتكلّم عنها نسأل ونقول:- ما الفرق بين هذه المسألة وبين السابقة ، فإنه في المسألة السابقة ذكر هكذا:- ( من نسي الرمي في اليوم الحادي عشر وجب عليه قضاؤه في الثاني عشر ومن نسيه في اليوم الثانية عشر قضاه في اليوم الثالث عشر ....... ) فأصل المسالة هو أنّه من نسي الرمي في اليوم الحادي عشر أو اليوم الثاني عشر فإنه يقضيه في اليوم الثاني ، فما هو فرق المسألة السابقة عن مسألتنا ؟
ونحن فيما سبق قلنا إنّ المسألة السابقة ترتبط بما إذا التفت وهو في مكّة وأما ما يأتي في المسألة التالية فهو حكم من التفت وقد خرج من مكّة وقلنا إنَّ المناسب جمع المسالتين في مسألةٍ واحدةٍ ولكن مع تشقيقات.
والآن نستدرك ونقول:- يمكن أن يقال بالفرق بين تلك المسألة وبين هذه هو أنّ المسألة السابقة ناظرة لمن التفت وهو بعدُ في منى في اليوم الثاني عشر أو الثالث عشر فيقوم ويقضي الرمي ، أمّا هذه المسألة فهو قد نفر من منى وذهب إلى مكّة ثم التفت . إذن الفارق بين المسألتين هو أنّ السابقة فيها حكم من التفت وهو بعدُ في منى قبل أن يرحل إلى مكّة وفي هذه حكم من التفت وقد رحل إلى مكّة ، ومناقشتنا الفنيّة السابقة تأتي هنا أيضاً فإنه كان من المناسب له(قده) عقد مسألة واحدةٍ يقول فيها:- ( من نسي رمي يومٍ أو يومين فهناك شقوق ثلاثة:- الأوّل أن يلتفت وهو في منى ثم يذكر حكمه ، والثاني أن يلتفت وهو قد خرج منى ولكنه بعدُ في مكة وحكمه كذا ، والثالث إذا التفت وقد خرج من منى فحكمه كذا ) ، ولكنّي احتمل أنّه جعل مسألتين تبعاً لصحيحة معاوية الأولى فإنه في صحيحة معاوية الأولى سأل معاوية هكذا:- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- رجل نسي رمي الجمار ، قال:- يرجع فيرميها ، قلت:- فإن نسيها حتى أتى مكة .. ) فيفهم أنّ ما سبق – أي صدر الرواية - ناظر إلى منى وما بعده ناظر إلى من خرج منها . ولكن من المناسب لنا فنيّاً أن نعقد مسألةً واحدةً كما صنع المحقّق(قده) في الشرائع حيث قال ما نصّه:- ( ولو نسي رمي الجمار حتى دخل مكة رجع ورمى ، وإن خرج من مكة لم يكن عليه شيء ) ، فهذه العبارة أنسب فإن العبارة الأولى التي قالت:- ( لو نسي رمي الجمار حتى دخل مكة ) تشمل كلتا الحالتين - يعني من لم يدخل مكة بعدُ ومن دخلها - ، ونحن إذا أردنا أن نسلّط الأضواء أكثر حتى تصير الصور الثلاث بارزة فهكذا نقول:- ( ولو نسي رمي الجمار رجع ورمى حتى إذا دخل مكة ) فهذه تشمل صورتين ، وأمّا الصورة الأخيرة فهي ( من التفت وهو خارج منى ... ) ، وهذه قضيّة جانبيّة.
نعود إلى الأحكام الثلاثة:-
أما بالنسبة إلى الحكم الأوّل:- أعني من التفت وهو داخل مكة ولم يرحل فإنه يجب عليه العود كما ذكرنا ، والمدرك كما عرفنا هو صحيحتي معاوية الأولى والثانية حيث جاء في الصحيحة الأولى:- ( قلت:- فإن نسيها حتى أتى مكة ؟ قال:- يرجع فيرمي ) ،وجاء في الصحيحة الأخرى:- ( ما تقول في امرأة جهلت أن ترمي الجمار حتى نفرت إلى مكة ؟ قال:- فلترجع فلترم الجمار ) . فإذن صحيحتا معاوية واضحتان في أنّه يجب العود حتى وإن رحل من منى ودخل مكّة ، وهذا شيءٌ واضحٌ ولا كلام لنا فيه.
إنما الكلام هو في أنّه لو التفت وهو في مكّة ولكن قد انتهت أيّام التشريق - يعني التفت في اليوم الرابع عشر مثلاً - فهل يرجع إلى منى ويرمي أو ينتظر إلى السنة الثانية فيرمي بنفسه أو بنائبه في أيام التشريق ؟
سؤالٌ اختلفت الإجابة عنه ، فالشيخ الطوسي(قده) ذهب إلى أنه ينتظر إلى السنة الثانية ، بينما آخرون كصاحب المدارك(قده) فإنه قد يظهر منه أنّه يعود ويرمي في نفس السنة[1].
ومنشأ هذا الاختلاف هو أنّه لو لاحظنا صحيحتي معاوية الأولى والثانية اللّتين كانتا دالّتين على وجوب العود مادام بعدُ في مكّة لم تقيّد العود بأيّام التشريق فلاحظ نصّها:- ( قلت لأبي عبد الله رجل نسي رمي الجمار ، قال:- يرجع فيرميها ، قلت:- فإن نسيها حتى أتى مكة ، قال:- يرجع فيرمي متفرقاً يفصل بين كلّ رميتين بساعة ، قلت:- فإنه نسي أو جهل حتى فاته وخرج ، قال:- ليس عليه لأن يعيد ) ، فهي مطلقةٌ ولم تقيّد وجوب الرجوع في أيام التشريق فيما إذا التفت وهو في مكّة ، ومقتضى إطلاقها - أو عدم الاستفصال - هو لزوم العود حتى إذا كانت الفترة بعد أيّام التشريق.
ولكن يوجد في المقابل رواية دلّت على أنّ الرمي تختصّ بأيّام التشريق ، ولو كانت هذه الرواية صحيحة السند لكان من المناسب أن نقيّد وجوب العود بما إذا كانت الأيّام أيّام التشريق ، ولكن يوجد في السند شخصٌ واحدٌ لم تثبت وثاقته ، ولأجل ذلك وقع الخلاف في أنّه هل نعمل بهذه الرواية أو لا ؟ والرواية هي:- ( الشيخ الطوسي بسنده عن موسى بن القاسم عم محمد بن عمر بن يزيد عن محمد بن عذافر عن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- من أغفل رمي الجمار أو بعضها حتى تمضي أيام التشريق فعليه أن يرميها من قابل فإن لم يحجّ رمى عنه وليه فإن لم يكن له ولي استعان برجلٍ من المسلمين يرمي عنه فإنه لا يكون رمي الجمار إلا أيام التشريق )[2] ، وهي تدلّ على المقصود في موضعين ، الموضع الأوّل حيث سأل الراوي أنّه غفل والتفت بعد أن مضت أيّام التشريق فقال الإمام عليه لسلام:- ( فعليه أن يرميها من قابل ) ولم يقل يرميها في هذه السنة ، والموضع الثاني - وهو الأصلح - هو ذيل الرواية وهو ( لا يكن رمي الجمار إلّا أيام التشريق ).
إذن هذه الرواية لو كانت صحيحة السند لكانت مقيّدة لإطلاق صحيحتي معاوية ، ولكن في السند تأمّلٌ فإن طريق الشيخ إلى موسى بن القاسم البجلي الذي هو من أجلة أصحابنا تامٌّ ، ومحمد بن عذافر لا مشكلة فيه ، وعمر بن يزيد الذي يروي عن الإمام الصادق عليه السلام لا مشكلة فيه أيضاً فهو ثقة ، إنما الكلام في محمد بن عمر بن يزيد فإنه لم يرد في حقّه توثيق.
بيد أنّ صاحب الجواهر(قده)[3] ادعى بأنّها ( منجبرة بشهرة الأصحاب بل لا أجد فيه خلافاً ) ، ولو فرض أنّ الأصحاب حقّاً قد عملوا بهذه الرواية واتفقت كلمتهم عليها لكنّا أيضاً نقول بأنّها منجبرة مادام كلّ الأصحاب القدماء قد اتفقت كلمتهم عليها فاتفاق القدماء له الميزة وله الدلالة ويكون مورثاً للاطمئنان بصحّة الرواية وحقّانية مضمونها ، فإن ثبت ذلك فتصير حجّة وتصير مقيّدة لإطلاق الصحيحتين ، ولكن حيث إنّ هذا لم يثبت فلأجل هذا يكون الأنسب هو الاحتياط في الفتوى ، يعني نقول إنَّ الأحوط وجوباً في حقّ من التفت بعد انتهاء أيام التشريق أن يقضي الرمي في نفس سنته بعد أيّام التشريق ويقضيه بنفسه أيضاً أو بنائبه في السنة الثانية ، ولماذا جمعنا ؟ لأنّ الأوّل - يعني أنَّه يقضيه في نفس السنة - هو مقتضى إطلاق صحيحتي معاوية والصناعة أيضاً تقتضي ذلك فإن الرواية مطلقة وإطلاقها حجّة والمفروض أنّ معارضها ضعيفٌ فالصناعة تقتضي ذلك ، ولكن حيث أنَّ هناك شبهة الانجبار للرواية الضعيفة فمن المناسب حينئذٍ ضمّ القضاء في السنة الثانية.
إذن الأحوط وجوباً الجمع بين القضاء في نفس السنة وبين القضاء في السنة اللاحقة.