36/03/28


تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 1 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
وفيه:-
أمّا بالنسبة إلى الشهرة:- فيمكن أن يقال إنّ ذلك ينفع فيما لو حصل الاطمئنان من تمسّكهم وإلا فنفس شهرة التمسّك لا يحوّل عدم الدلالة إلى الدلالة كما لا يحوّل الدلالة الضعيفة إلى القويّة، أمّا إذا لم يحصل الاطمئنان كما لو كنّا نحتمل وجود نكتةٍ اجتهاديّة أو غير ذلك فلا يكون تمسّك المشهور جابراً لضعف الدلالة، وفي المقام نحتمل أنّهم تمسّكوا بالآية لأجل أنّهم نظروا إليها وحدها بقطع النظر عمّا قبلها وما بعدها فإن السامع حينما يسمع هذه الفقرة وحدها - أي ﴿ أحلّ الله البيع ﴾[1] - يحصل له الاطلاق ولكن حينما ينظر إلى السياق فيمكن أن يشكك آنذاك فيه، ومما يدعم أنّهم لم ينظروا إلى السياق هو أنهم لو كانوا قد التفتوا إلى السياق لطرحوا الإشكال وأجابوا عنه فيفهم من عدم طرحه رأساً أنّ الآية الكريمة لم تُقرأ بالكامل.
وأمّا بالنسبة إلى الرواية الشريفة:- فيمكن أن يقال إنّ هذا تمسكٌ بالآية الكريمة بلحاظ الفرد الغالب والشائع والاطلاق إنما نحتاج إليه في غير ذلك - أي بلحاظ الفرد غير الغالب - وأمّا الفرد الغالب فبقطع النظر عن الاطلاق يصحّ التمسّك بالكلام لأجله بلا حاجةٍ إلى إطلاقٍ إذ لا يحتمل أنّ الكلام لا يشمل الغالب ويختصّ بغيره، وموردنا من هذا القبيل فإنّ الفرد الغالب كما قال الإمام عليه السلام هو أنّ الانسان يُقدِم على الشراء وهو محتاجٌ إلى هذا الشيء سواء كان غنيّاً أو فقيراً فإذا كان هذا هو الطابع العام فالآية الكريمة تشمله من باب أنّه هو الطابع العام وهذا ليس تمسّكاً بالاطلاق بل بنكتةٍ أخرى وهي أنّه لا يحتمل اختصاص الكلام بغير الفرد الغالب والفرد الغالب يكون خارجاً عنه . فإذن لا نستفيد من هذه الرواية شيئاً.
هذا وذكر السيد الخميني(قده)[2]في مقام دفع هذا الإشكال ما محصّله:- إنّه ينبغي التفرقة بين حالتين بين ما إذا يفرض أنّ الكلام ابتداءً وبالدلالة المطابقيّة ينفي المساواة ويقول ( البيع لا يشابه ولا يساوي الربا ) فتنفى التسوية ثم يُفرَّع عليه أنَّ هذا حلالٌ وذاك حرامٌ فتُنفى التسوية ابتداءً وأوّلاً وبالدلالة المطابقيّة ومنها نستفيد - إمّا مع تصريح المتكلم أو من دونه - أنّ البيع حلالٌ وذاك حرامٌ كما مثّلنا، وأخرى يفترض أنّ الكلام سيق ابتداءً لإثبات الحكم وأنّ البيع حلالٌ والربا حرامٌ ومنه نستفيد نفي التسوية فنفي التسوية يصير مدلولاً التزاميّاً وليس مطابقيّاً، فإذا كان المقام من القبيل الأوّل فلا نستفيد الإطلاق لأنّ الكلام ابتداءً سيق لنفي التسوية ولم يُسَق لإثبات الإطلاق والحكم استفدناه كمدلولٍ التزاميّ وليس مباشريّ فلا نستفيد الإطلاق، وهذا بخلافه في الحالة الثانية فهنا لا محذور في استفادة الإطلاق لأنّ الكلام ابتداءً سيق للحكم وليس لنفي التسوية، والآية الكريمة من القبيل الثاني فإنّها قالت:- ﴿ وأحلّ الله البيع وحرّم الربا ﴾ ومن هذا نستفيد أنّه لا تسوية بينهما.
وبكلمة أخرى:- هي ابتداءً لم تقل لا تسوية ولا مشابهة بين البيع والربا وتفرّع بعد ذلك الحكم بل هي نقلت شبهةً وهي أنّهم قالوا إنَّ البيع مثل الربا لا أنّها نفت التسوية ثم ذكرت الحكم وإنما نقلت شبهةً وبعد ذلك بيّنت حكماً مطلقاً ومن بيان الحكم المطلق نستنتج نفي التسوية، فعدم السوية لم تُسَق له الآية ابتداءً وإنما هو مدلولٌ التزاميٌّ لبيان الحكمين المطلقين، وعلى هذا الأساس لا مانع من استفادة الاطلاق.
وفيه:- إنّه يوجد شقٌّ ثالث وهو أن نفترض أنّ الكلام ينقل شبهةً ثم بعد ذلك يبيّن حكماً لردّ الشبهة فإنّ نفس نقل الشبهة بما هو هو والردّ عليه هو من موجبات الاجمال إذ المتكلّم في صدد ردّ الشبهة وليس في صدد بيان أنّ الحكم مطلقٌ أو ليس بمطلق، فالآية ليس هدفها ابتداءً بيان حكمين مطلقين - كما أراد - ثم ننفي التسوية وإنما نقلت شبهةً وفي مقام ردّها ذكرت حكمين ونحن ندّعي هنا أنّ نفس طرح الحكمين في مقام ردّ الشبهة هو من أحد موجبات الإجمال عرفاً، فإذن يشكل استفادة الاطلاق.
ومن خلال هذا كلّه اتّضح أنّ هذا الإشكال مستحكمٌ فيشكل التمسّك بالآية الكريمة، وإذا أردنا التمسّك بشيءٍ فلابد من التمسّك إمّا بآية ﴿ أوفوا بالعقود ﴾[3] أو بآية ﴿ إلّا أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم ﴾[4].
البيان الخامس:- حديث السلطنة، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله:- ( الناس مسلّطون على أموالهم )[5]، بتقريب:- أنَّ مقتضاه هو أنّ الإنسان يجوز له أن يبيع أو يؤجّر أو غير ذلك سواء كان بعقدٍ عربي أو ماضوي وسواء كانت معاملة تأمينٍ على الحياة أو معاملة أخرى فكلّ تصرفٍ بأيّ شكلٍ من الأشكال هو جائزٌ بمقتضى هذا الحديث.
وإذ تمّ هذا الحديث فدائرته وسيعة جداً لا أنّه يشمل العقود فقط وإنما يشمل حتى غيرها فإذا شككنا بأنّ العربية لازمة أو لا ؟ فنقول هي ليست لازمة لأنّ الناس مسلطون على أموالهم، وهكذا التأمين على الحياة وغيره.
والكلام يقع تارةً في دلالته وأخرى في سنده:-
أمّا الدلالة:- فنذكر أربعة احتمالات[6]:-
الاحتمال الأوّل:- أن يكون الحديث ناظراً إلى الناقل كمّاً وكيفاً، يعني أنت مسلّطٌ على مالك بنقله بأيّ ناقلٍ كان من بيعٍ وإجارةٍ ومزارعةٍ وهديّةٍ أو غير ذلك فكلّ هذه مشمولة، وأمّا كيفاً فمعناه أنّ هذا الناقل كالبيع مثلاً سواء كان بالعربية أو لا بالماضويّة أو بغيرها مع تقديم القبول على الايجاب أو لا .... فأنت مسلّطٌ عليه فالدائرة تكون وسيعة جداً[7]، وقد أشار السيد اليزدي(قده) إلى هذا الاحتمال في حاشيته على المكاسب[8].
وبناءً على هذا سوف نستفيد من الحديث فنستطيع من خلاله إثبات شرعيّة كلّ معاملةٍ مشكوكةٍ.
الاحتمال الثاني:- أن يكون الحديث في صدد بيان الناقل كمّاً لا كيفاً، يعني أنّك تتمكّن من التصرف بأموالك بالبيع والإجارة والمزارعة وغير ذلك أمّا أنّ البيع هل يجوز بالعربية وغير العربية أو بالماضويّة وغير الماضويّة فهذا ليس في صدده، فالحديث في صدد التعميم الكمّي دون الكيفي.
وعلى هذا سوف نستفيد من هذا الحديث في الجملة، يعني مثل معاملة التأمين على الحياة فإنّها تكون جائزةً لأنّها تدخل تحت التعميم الكمّي، نعم لا يمكن أن نطبّق الحديث لإثبات أنّ البيع أو معاملة التأمين بالعربية وغير العربية بالماضويّة وغير الماضويّة صحيحٌ وإنما نتمكّن أن نثبت أنَّ أيَّ ناقلٍ هو مشروعٌ بمقتضى هذا الحديث، وهذا ما صار إليه الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب[9].
وهذا الاحتمال ينفعنا كالاحتمال الأوّل إلّا أنّ الأوّل تكون مساحة الانتفاع فيه أوسع.
الاحتمال الثالث:- أن يكون المقصود هو أنّ الناقل المشروع في حدّ نفسه والتصرف المشروع في حدّ نفسه هو جائزٌ بلا حاجة إلى كسب إذنٍ من الغير، فالزوجة مثلاً إذا كانت عندها أموالٌ وتريد أن تهبها فهي قبل أن تتزوّج يجوز لها ذلك فإنَّ الهبة مشروعٌة في حدّ نفسها فإذا شكّت بعد أن تزوّجت هل تتوقف صحّة الهبة على إذن الزوج أو لا ؟ فالحديث يقول كلّا إنّها لا تتوقّف على إذنه.
وهكذا الأب إذا كانت عنده أموالٌ فهو يستطيع أن يهبها لأقربائه فلو صار عنده أولاد فشكّ بأنّه هل تجوز الهبة أو أنّه يحتاج إلى إذنِ أولاده ؟ فالحديث يأتي ويقول مادام التصرف جائزاً في حدّ نفسه فلا يتوقّف على إذن الآخرين.
وهذا الاحتمال لا ينفعنا لأنّه بناءً عليه سوف يكون الحديث ناظراً إلى مسألة الإذن وليس ناظراً شرعيّة كلّ ناقلٍ، وهذا ما صار إليه الشيخ الخراساني(قده)[10].


[6] لا من باب الحصر بل من باب أنّ هذا هو الذي عثرنا عليه والذي قد يخطر إلى الذهن.
[7] وواضحٌ أنّه إنما خُصِّص هذا الاحتمال بالناقل والحال أنّه لا يختصّ به - كما لو أردت أن آكل أموالي فيما لو كان عندي شيء قابل للأكل - من باب أنّ المهم لنا هو الناقل وألا فهو يشمل كلّ تصرفٍ أعم من الناقل وغيره وذكر الناقل وتسليط الأضواء عليه هو من باب أنّه هو محلّ كلامنا وهو الذي ننتفع منه.
[9] تراث الشيخ الانصاري، تسلسل16، ص41.