35/03/13


تحمیل
الموضوع:حديث الجَب
الكلام في قاعدة الجَب وقبل التعرض للروايات المعاضدة نتعرض الأن الى الآية الكريمة في سورة الأنفال فان المفسرين أو أصحاب آيات الأحكام التفتوا الى ان أصل تشريع قاعدة الجَب هو قوله تعالى: قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين [1] وأيضا مفهوم قوله تعالى في سورة غافر: فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين، فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون [2]
وسيأتي في رواية يستدل بها الامام الهادي (عليه السلام) رواية جعفر بن رزق الله وهي رواية نصراني قد فجر بامرأة مسلمة فأرادوا إقامة الحد عليه فلمّا أرادوا اقامة الحد عليه أسلم هذا النصراني، فقال يحيى بن أكثم وهو مفتي الدولة العباسية، قال: (قد هدم ايمانه شركه وفعله) فكتب المتوكل الى أبو الحسن الثالث (عليه السلام) ذلك، الاّ ان الامام الهادي (عليه السلام) قال: يضرب حتى يموت، فقد علّل (عليه السلام) ذلك بقوله تعالى: فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين، فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون [3] وان تطبيق الامام (عليه السلام) للآية الكريمة منطوقا يقتضي ويفيد مفهوما انه لو كان ايمانه قبل البأس لكان ينفعه، وهذا تقريب منه (عليه السلام) لقاعدة الجَب فمفهوم الآية في سورة غافر ومنطوق الآية في سورة الأنفال مُعزِز لمفاد قاعدة الجَب
ومن المؤيدات لقاعدة الجب ماورد ولو كان في مورد خاص وليس عنوانا عاما قوله تعالى في سورة البقرة: فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون [4] وهذه عين آية الأنفال الاّ ان تطبيقه هذه بخصوص الربا، والمسلّم في باب الربا ان التائب من الربا بعد علمه بالحكم لايتابع بما تعاطاه وضعيا من بحث الربا
ومورد آخر ورد في سورة النساء: ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلاّ ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا [5] وهذا نفس المطلب من قاعدة الجَب مما يدل على ان القران الكريم يستخدم الغفران لما سلف في البعد الدنيوي والآثار الوضعية في الدنيا وكذا بلحاظ الآخرة وليس مختصا بالبعد الاُخرويونرى
هنا نرى وحدة الضابطة المذكورة في سورة البقرة وسورة النساء نفسها الضابطة المذكورة في الكافر في سورة الأنفال، وواضح ان سورة الأنفال بلحاظ الاثار الدنيوية الوضعية المتابعة والملاحقة فيها
ومورد آخر في سورة النساء أيضا وهو قوله تعالى: وأن تجمعوا بين الأختين إلاّ ما قد سلف إن الله كان غفورا رحيما [6]فهنا أيضا نفس الكلام من ان الزواج بالاختين باطل ولايترتب عليه الآثار الوضعية ولاتترتب عليه الصحة فهو بلحاظ ماسيأتي وأما ماسبق على ذلك فإن الشارع المقدس يعتد به وبآثاره
فان اصطلاح ماقد سلف في سورة الانفال او سورة غافر كما مرّ مفادة متين وان استظهار المفسرين له متين بلحاظ الاثار الدنيوية وعدم متابعتها وانه يعتد به
وهنا رواية وهي ماورد في الصوم قال سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن قوم أسلموا في شهر رمضان وقد مضى منه أيام هل عليهم ان يصوموا مامضى منه أو يومهم الذي اسلموا فيه؟ قال ليس عليهم قضاء ولايومهم الذي أسلموا فيه الاّ ان يكونوا أسلموا قبل طلوع الفجر[7] وهذا تطبيق لقاعدة الجب لكنه بخصوص الصوم
وان السيد الخوئي قد سلّم بأن السيرة القطعية على ذلك، ونحن نرى ان السيرة القطعية هي سيرة المسلمين وسيرة العلماء وهذا يرجع الى الاعتداد بالحديث النبوي هذا وهو حديث الجَب من انه متلقى إرتكازا بالعمل
المرحوم الاصفهاني (قده) الشيخ محمد حسين يقول ان الأهم في كل سيرة سواء كانت شرعية أو عقلائية فإن المهم بالسيرة هو بعد آخر وهو التحليل والتنقيب عن منشأ السيرة فهل هو قاعدة أو معادلة أو حديث معين فبدلا من ان تكون السيرة مبهمة فتكون السيرة دليلا لفظيا بدلا من ان تكون دليلا لبيا وبدلا من ان يؤخذ بالسيرة بالقدر المتيقن فيؤخذ بالاطلاق فيها لأننا استطعنا ان ننقب عن منشأ السيرة
فالسيرة التي اعترف بها السيد الخوئي ترجع الى نفس الاعتماد على هذا الحديث أو قل بأن هذا الحديث قانون معمول به لدى المسلمين في دخولهم الاسلام
استدلال آخر على القاعدة يذكره الشيخ الطوسي حيث استدل على القاعدة باستدلال آخر بديع جدا غير ما مرّ بنا من الآيات والروايات، يقول الشيخ الطوسي: أوليس عندنا قاعدة مسلّمة اخرى وهي ان من تشهد الشهادتين فإنّ دمه وماله وعرضه يحقن ويعصم وهذا يعني انه لايتابع بمسؤليات ماسبق في حال الكفر وهذا الاستدلال من الشيخ الطوسي إجمالا متين لكنه ليس له نطاق للاطلاق فان القدر المتيقن منه هو لو ان الكافر قتل المسلم في الحرب فان دمه يعصم أما اذا فعل امورا لاربط لها بالعداء بين الملل والأديان كما لو كان عنده نزاع مدني بين جاره المسلم فلايفهم منه حقن ماله ودمه وعرضه
ورواية يذكرها العياشي عن علي بن دراج الأسدي قال دخلت على ابي جعفر (عليه السلام) فقال اني كنت عاملا لبني اميه (عليهم لعائن الله) فاصبت مالا كثيرا فضننت ان ذلك لايحل لي، فقال له (عليه السلام) فسألت عن ذلك غيري؟ فقال كنت قد سألت فقيل لي ان أهلك ومالك وكل شيء لك حرام، قال ليس كما قالوا لك، قلت جعلت فداك الي توبة؟ قال نعم توبتك في كتاب الله قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف [8] فهنا نص الامام (عليه السلام) على ان المراد من الغفران تطبيقها بلحاظ المفاد الدنيوي
وان مجموع هذه الأدلة والشواهد تضفي لدى الباحث وضوح تأصيل هذه القاعدة فلا يمكن القول بأنها حديث مرسل بل ان جذرها قراني، وهذا تمام الكلام في أدلة قاعدة الجَب
ويقع الكلام في المفاد الصناعي للقاعدة