35/05/29


تحمیل
الموضوع:صلاة الاستئجار
هذا الفصل في صلاة الاستئجار كما تقدم يعتمد على مقامين رئيسيين، المقام الأول: صحة النيابة عن الاموات أو عن الاحياء في الواجبات أو المندوبات، المقام الثاني: صحة الاجارة فقد يلتزم الكل عدا السيد المرتضى وبعض النوادر حيث يلتزمون بصحة النيابة ومشروعيتها الاّ انهم يستشكلون في الإجارة، فالبحث في مقامين ولكل بحث اشكالياته الخاصة به
وان حقيقة النيابة عند السيد المرتضى هو اهداء الثواب وكذا ابن زهرة تلميذ السيد المرتضى، بينما رأي المشهور هو اختلاف بحث النيابة عن الاجارة فان بحث النيابة باب وبحث اهداء الثواب باب اخر
ولايخفى ان النيابة لاتختص بالعبادات فان النيابة تشمل المعاملات والايقاعات والترافع في القضاء وغيره لكن الفقثهاء بحثوا النيابة في المعاملات والايقاعات في باب الوكالة وقد تعرضوا هناك الى النيابة في العبادات باعتبار ان النيابة والوكالة هو نوع من تنزيل الغير مقام فعل الشخص نفسه غاية الامر في العبادات سمى نيابة وفي المعاملات يسمى وكالة، وان الوكالة في المعاملات والايقاعات لاتنحصر بالوكالة فان الاذن والاسئذان والمأذونية عنوان يعم الوكالة وغير الوكالة فقد تكون وكالة اصطلاحية لم تنشئ بين الطرفين لكنه أذن له
والفرق بين الوكالة والإذن هو ان الوكالة لاينعزل الوكيل الاّ مع وصول العزل من الموكل الى الوكيل فكلما يفعله الوكيل نافذ آثاره في حق الموكل قبل اعلامه وهذا بخلاف الاذن فان المأذونية لو سحبت فيكون عمل الغير غير مسند للإذن وان لم يصل اليه سحب الإذن
ومر بنا أحد الوجوه التي استشكل بها السيد المرتضى باعتبار ان الميت الذي لم يوصي لم يأمر بالاستنابة ومع ذلك فلو تبرع عنه شخص حتى غير الولي فان ذمته تبرأ ومنه استشهد السيد المتضى ان النيابة حقيقتها لايسند الى النائب بل ان ثوابه سيند اليه، وقلنا في الجواب ان التسبيب قد يكون بعيدا ويكفي فيه ولايشترط التسبيب القريب
واما حقيقة النيابة واختلاف الاعلام فيها فان جملة من الاعلاموكشهور الفقهاء في النيابة في العبادات ان انائب يقصد في الامتثال الامر الذي توجه للمنوب عنه فيقول اني أمتثله وانزل نفسي منزلة المنوب عنه وهذا هو المشهور
فالنية في النيابة تكون المنوي ونفس فعل النية كمصدر وفعل والداعي الى القصد والنية والمحرك كما حيثية إيجاد الفعل الذي هو جسم الفعل وهي الحيثية الفاعلية الوليدة للنيّة ذات الأركان الثلاثة، ففي النيابة الداعي للنائب من فعل العبادة النيابية هو الأمر المتوجه الى المنوب عنه فيصلي صلاة الصبح التي اُمر بها الميت وينزل نفسه منزلته فيصلي او يصوم او يحج عن فلان وهذا يعني ان الزيارة والصلاة نيابية، كقوله تعالى إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين[1] فلماذا لم يقل عليها بل قال عنها ويعبر عنه في مغني اللبيب بالتضمين وهو تضمين فعل لفعل وكلمة لكلمة والمجيئ له بقرينة وما اكثره في القران الكريم وفي الروايات وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون[2] وهذا أيضا من التضمين، فحقيقة هذا التنزيل والنيابة كما يقوله المشهور هو ان مقصودك الصلاة أو الصوم أو الحج أو الزيارة لكن الداعي هو امتثال الأمر المتوجه الى الميت أو الى الحي العاجز عن الحج مثلا فيجعل الايجاد نازلا منزلة المنوب عنه
المرحوم الشيخ محمد حسين الاصفهاني استشكل على هذا التعريف للنيابة فقال ان هذا التعريف متين لكنه ناقص لأن الأمر المرتبط بالمنوب عنه وهو مغاير للنائب لايمكن للنائب ان يتقرب به لأنه أمر لايخصه ولايرتبط به بل هو مرتبط بالمنوب عنه فلايمكن حصول القربة للداعي لأنه غير مخاطب به فقال يوجد أمر آخر يتقرب به النائب وهو الأمر بالنيابة في الصلاة والحج والصدقة والعتق والصوم فهذا الأمر النيابي متعلق بالنيابة وانمتعلق النيابة هو الصلاة والصوم والحج فان الافعال لاتي في ذمة المنوب عنه هي متعلق المتعلق وليست هي المتعلق بالذات فالامر الذي يوجه الى النائب هو امر ثاني متعلق باداء الامر الاخر الاجنبي للغير فان النائب يقصد هذا الامر غاية الامر قصد هذا الامر يكون اداء وتنزيل من الشارع لفعل النائب منزلة فعل المنوب عنه فهناك أمران طوليان بتوسط امتثال أحدهما يحصل امتثال الثاني
والشيء الجديد عند المرحوم الاصفهاني هو ان الأمر النيابي يقوم بتنزيل الايجاد الفاعلي للنائب منزلة الايجاد الفاعلي للمنوب عنه
طبعا في المعاملات والايقاعات والأحكام والتي هي أربعة أبواب قسم المحقق الحلي الفقه اليها امور اعتبارية فيعبر الفقهاء ان تصوير التنزيل والنيابة فيه هيّن لكن في العبادات أيضا الأمر اعتباري فان الاسناد والتنزيل في الأمر الإعتباري هيّن ففي البيع الإسناد اعتباري ويكفي فيه الاعتبار يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما[3] فالعنعنة وهو عن تشير الى الإسناد والإذن والإجازة فيتصدى الوكيل وينزل منزلة فعل الموكل
فقالوا في الامور المعاملية قابل للتصوير لكن في الامور العبادية كيف؟ هنا السيد الخوئي التزم نفس التصوير لدفع اشكال السيد المرتضى
لكن يشكل على هذا العلاج في العبادات ان العبادات أفعال تكوينية وان كان توليفها وماهيتها المجموعية اعتبارية لكن مجموعها واجزائها حركات وأفعال تكوينية ومع كونها افعال تكوينية وافعال عبادية فلا يمكن اسنادها الى غير فاعلها في الفعل التكويني
هنا المرحوم الاصفهاني كأنما يريد يقول ان النيابة اذا اُمر بها فتنزل الايجاد الفاعلي للنائب منزلة المنوب عنه فهي تعبد من الشارع، و فرق آخر مهم بين مبنى الاصفهاني ومبنى المشهور هو انه على مبنى الاصفهاني النيابة لابد لها من دليل لأنها أمر جديد غاية الأمر يتعلق بأمر ومأمور به في ذمة الميت أو ذمة الحي فليست النيابة على مقتضى القاعدة بل تحتاج الى دليل امرا ومامورا لأجل تصحيح القربة وتصحيح تنزيل ايجاد الفاعلي للنائب بمنزلة الايجاد الفاعلي للمنوب عنه
واما المشهور فقالوا ان هناك أمر واحد متعلق بالمنوب عنه حيا أو ميتا ومتعلقا بالفعل الذي في ذمة المنوب عنه، فيقول النائب ان هذا الهيكل والكيان المتعلق بالمنوب عنه آتي به واُنزله منزلة المنوب عنه وهذا التنزيل خفيف المؤنة فبناء على مبنى المشهور ان نفس العمومات الدالة على اشتغال ذمة المنوب عنه بفعل عبادي واجب أو بفعل عبادي مندوب هي بنفسها كافية شمولا للنائب لأن النائب لايقصد أمرا آخر
لاسيما مع ماتبناه صاحب الجواهر تفسيرا لكلام المشهور حيث قال ان الأوامر لتلك الأفعال المتوجهه في ذمة المنوب عنه غير مأخوذ فيها شرطية المباشرة بل هي أعم من المباشرة أو التسبيب
فبعض الأفعال قد قسمت الى تقسيمات مهمة حيث استفيد منها في حج النائب وذبح النائب والحلق والتقصير، وسيأتي البحث عنه



[1] سورة الأعراف، اية 40.
[2] سورة المنافقون، اية 5.
[3] سورة النساء، اية 29.