35/06/12


تحمیل
الموضوع:الاستيجار للصلاة
كان الكلام في استعراض الروايات الواردة في النيابة لتتضح حقيقة النيابة وان النيابة في المندوبات هل حقيقتها كحقيقة النيابة في الفرائض وهل النيابة مطلقا مشروعة عن الأموات وعن الأحياء؟
الطائفة الثانية: الروايات الواردة في النيابة عن الأحياء والأموات:
عن محمد بن مروان قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ما يمنع الرجل منكم أن يبر والديه حيين وميتين يصلي عنهما، ويتصدق عنهما، ويحج عنهما، ويصوم عنهما فيكون الذي صنع لهما وله مثل ذلك، فيزيده الله عز وجل ببره وصلته خيرا كثيرا [1] وهذه الرواية اذا تمت فانها جدا متينة لأن فيها تعميم وهو قوله (عليه السلام) ما يمنع الرجل منكم أن يبر والديه فان برية البر والخير للوالدين في مرتبة سابقة على نيابة الولد عن الوالدين
ومعنى هذا ان الصلاة النيابية لها عمومية في نفسها فان العبادة نيابة بنفسها هي من البر غاية الأمر هو (عليه السلام) قد أكّد على خصوص إسناد هذا العمل للوالدين حتى يكون صلة للوالدين
وهذا التقريب اذا تم فانه يفيد عمومية مشروعية النيابة في العبادات مطلقا عن الأحياء فضلا عن الأموات، فان هذا العمل الذي في نفسه خير وبر يقوم به الانسان عن الأموات والأحياء فبريّة البر لاتقتصر على إتيان هذا البر من العامل لنفسه فمادام هو بذاته بر فلا بأس بأن يُقام به عن غيره
ومثله صحيحة معاوية بن عمار في أبواب النيابة في الحج وان كانت في خصوص الحج والعمرة عن الوالدين الاّ ان لسانها نفس اللسان فان التقريب نفس التقريب لأن الحج والعمرة في نفسه بر فلابأس بان يقوم الشخص به لوالديه
ورواية اخرى وان كان المشهور لايقبل سندها وهي رواية جابر الجعفي تلميذ الامام الباقر (عليه السلام) وتتلمذ شيئاما عند الامام الصادق (عليه السلام) في أبواب النيابة في الحج وهي أيضا نفس اللسان، وفي السند أبو جميلة وان النجاشي يستهدفه بالطعن، والصحيح ان هذه الطعون غير وآردة فان أبو جميلة يروون عنه بكثرة كاثرة أصحاب الإجماع، فيقول في هذه الرواية ان الحج والعمرة عن الوالدين صلة وبر بهما فان صفة البر في الحج بنفسها مقررة فاذا قررت في نفسها لأن الفعل بر فيستحب الصلة به للوالدين ثم انه اذا كانت صلة للوالدين فان صلة الارحام وصلة المؤمنين والمؤمنات عموما راجحه
فالأصل إذن في النيابة عن الأحياء والأموات مشروعة الاّ ما أخرجه الدليل وهو الفرائض للأحياء فإنها غير مشروعة عدى الموارد المنصوصة كالعاجز عن الحج بإعتبار ان الفرائض متقومة بأن يأتي به المكلف مباشرة
ومرّ بنا ان العمل الخيري مراتب، فتارة يأتي به الإنسان قربيا عن نفسه بداعي قربي وهي المرتبة العالية، وتارة يأتي الانسان به بالستعانة بغيره كالطواف والسعي متكئا بغيره ويقف مستعينا بغيره فيصدر العمل القربي بشكل مشاركة وهذا مشروع مع العجز عن الاستقلال وهذه المرتبة أنزل من سابقتها، ومرتبة ثالثا وهي المرتبة الأنزل من سابقها وهو ان يقوم الغير بإيقاع العمل كان يجعل الغير يطوف به وذكرت هذه المرتبة في الحج، ومرتبة رابعة للعمل وهي ان لايمكنه من الإتيان بالنية فيقوم الغير بإيقاع العمل بالمكلف، والمرتبة الخامسة للعمل هي ان يطاف عنه ويرمى عنه بأن يقول للطائف ( طف عني)، المرتبة السادسة في العمل ان يطاف عنه لابإستنابة وتسبيب من عنده كما إذا اُغمي عنه فيطاف عنه طواف الحج ويصلى عنه صلاة النساء ويسعى عنه وهذه المرتبة السادسة وغيرها من المراتب منصوصة في الحج
فان مراتب العبادة التي هي خير وبر في ذاتها وقابل اسناده وتصويره الى الميت والحي بمراتب متعددة فلا مانع من القول بمشروعية عموم درجاته، فكأنما صحيحة معاوية بن عمار ورواية جابر تدل على ان البر والخير والصلة يمكن ان تصل به الميت والحي لان العمل في نفسه خير فهو خير هدية يهدى بمعنى إضافة العمل باللام أو بـ عن وسيأتي في لسان الأدلة بأنه جعل العمل له وإهداء العمل له
ثم ان النيابة عن الاحياء في الواجبات مسلمة البطلان الاّ مانص عليه وهذا واضح لأن المطلوب فيها المباشرة، أما دعوى التسالم على بطلان النيابة في المندوبات عن الأحياء فهذه دعوى مشكلة وان نُسب ذلك الى المشهور عدى مانص عليه من الحج والعمرة والصدقة والطواف في نفسه، وأما الصلاة والصوم والاعتكاف المندوب عن الأحياء غير مشروع كما هو المشهور
فلو تم هذا التقريب فانه يدل على عموم مشروعية النيابة عن الأحياء فضلا عن الاموات فانه على هذا التقريب يدل على ان العمل في نفسه خير وبر فيصلح ان يكون صلة للوالدين أو للأقرباء أو للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات وهذا التقريب إجمالا هو تقريب متين
نعم النوافل اليومية يشترط فيها المباشرة فإن المباشرة متقوّمة فيها فلو أتى الغير بها عنه فالاشكال هنا في كفاية ذلك من تحقيق ملاك المرغوبية والمحبوبية والمندوبية
الاّ انه في الحج والعمرة أيضا هكذا فالأصل ان ياتي الانسان بالحج والعمرة بنفسه ومباشرة وهذا ما أكد عليه الشارع الاّ انه لو أتى به الغير فهو ليس بمانع فلو كان المانع مانعا فلماذا لم يمنع في الحج والعمرة، قد يقال بالفرق بين الحج والعمرة وبقية العبادات هو انه في الحج والعمرة فضلا عن المباشرة فإن الإسهام في إقامة هذه الشعيرة الجماعية هو أيضا مطلوب فيكون التجهيز والتسبيب مطلوب أيضا الاّ ان الكلام هو ان الحج النيابي مشروع ولو كان المنوب عنه غافل ولم يستنب
فهذا التقريب في نفسه متين فنحتاج هنا الى الإتيان بشاهد على ان النيابة في المندوبات عن الأحياء غير مانعة أما في الاموات فالدلالة واضحة ويبقى الكلام في سند هذه الرواية وستأتي روايات أكثر بهذا المضمون