35/07/07


تحمیل
الموضوع:التكاليف التي ترتبط بذمة المكلف حيا وميتا
كان الكلام في قراءة كلمات المحقق الأردبيلي صاحب كتاب مجمع الفائدة ومرّ بنا وجهين في كلامه، وجه انصراف كلمة يقضى عن الميت في الصوم الى مثل ماورد في الحج أو في دين الناس بمعنى انه ينصرف الى الأخذ من التركة وانه واجب، والوجه الثاني الاطلاق فان اطلاق (يقضى عنه) يعني ان التكليف بالصلاة أو الصوم أو الواجبات البدنية فان التكاليف والخطاب بها للانسان حتى بعد موته مما ينبه على ان الواجب على الميت من الواجبات البدنية لايخص المباشرة بل يعم التسبيب بالنيابة، فهذا يعطي طابع عام على ان الواجبات من القسم الأول هي غير مختصة بالمباشرة بل تعم التسبيب بالمال، يقول: والقضاء مع عدم الولي أصلا غير بعيد لوجود التكليف به والأصل عدم تقييدها بوجود الولي فينبغي جواز القضاء من صلب ماله للحاكم ولمن له تصرف في ماله بل لكل من يقدر عليه مع الوثوق مع احتمال العدم فيسقط بالاصل، وهذا التقريب الذي يذكره المحقق الأردبيلي عين ماورد في حجة الاسلام
وفي الدروس للشهيد الأول، قال: ومع عدم الولي يتصدق من أصل ماله عن كل يوم بمد، وهل المراد هنا بالتصدق بدلا عن الصوم وهو ما أفتى بها الكثير ولو من باب الاستحباب أو البعض بالوجوب، ولكن المحتمل جدا ان المراد ليس نفس التصدق بل ان يصام عن كل يوم بمد وهو باعتبار ان الصوم الاستئجاري ذلك الزمان بمد أو مدين من طعام، المهم سواء تم هذا التفسير بمعنى الاستئجار أو بمعنى التصدق فان الصوم مع كونه واجب بدني الاّ انه له بدل يكون بمثابة الدين يخرج من أصل التركة
وقال الشهيد الأول: قال المرتضى ويتصدق فان لم يكن له مال صام وليه، فالتصدق يعني الايجار ظاهرا، وقال الحسن بن أبي عقيل يتصدق عنه لاغير، وقال الحلبي مع عدم الولي يصام عنه من ماله كالحج، فبنى الحلبي على ان الصوم كالحج وهذا هو الصحيح وهو لسان واحد في الأدلة
قال الشيخ الصدوق (قده) في المقنع: اذا مات رجل وعليه صوم شهر رمضان فعلى وليه ان يقضي عنه وكذا من فاته في السفر أو المرض ان لم يكن مات في مرضه قبل ان يصح فلا قضاء عليه واذا كان للميت وليان فعلى أكبرهما من الرجال ان يقضي عنه وان لم يكن له وليّ من الرجال قضى عنه وليّه من النساء، وهذه الفتوى من الصدوق واضحة بان القضاء عن الميت ليس بمعنى ان الولي تشتغل ذمته كما يفتي به المعاصرون بل معناه انه يخرج من أصل التركة غاية الأمر الذي يتولى اخراج الديون من التركة هو أولى الناس بميراثه ويعبّر عن هذا الأمر بالولاية على الميت في تدبير شرونه ونظامها حسب طبقات الإرث بشرط الذكورة لأن الواجبات هي من عهدة الذكور سيما انها تستلزم التعاطي مع الناس والخروج من البيت وغير ذلك
وقد ذكر الفقهاء ذلك بعينة في الولاية على تركة الميت فان تركة الميت قبل تقسيمها على الوراث أولى الناس بها نفس الميت فتخرج ديونه ووصاياه ثم تكون ارثا فالقضية غير مرتبطة بالولد الأكبر كما يقوله المعاصرون، بل ان القضية مرتبطة بتركة الميت ومال الميت، فتركة الميت مرهونة بهذا الدين والذي يخرج هذا الدين والرهان هو أما بالعطاء من نفس التركة أو بالتبرع الذي يقوم به أولى الناس به
وتعميم من يقوم للميت بذلك من انه الولي وهو اولى الناس بميراثه وتصل النوبة للنساء ايضا فهو دليل على ان الولي ليس في ذمته افعال وواجبات الميت بل بمعنى تخليص وتفريغ ذمة الميت بتوسط تركة الميت وهذا وجه ثالث لما ذهب اليه السيد اليزدي وهو ظاهر القدماء، ويعبر عن هذا بالولاية وليست هي مشغولية ذمة الولد الأكبر فان وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شيء عليم [1] فهذه الأولوية ليست فقط الإرث بل يشمل أيضا الولاية فكل ماكان للميت فارحامه أولى به في ذلك، فأرحام الميت تنتقل اليهم شؤون الميت ملكا للاموال أو ولاية للتصرفات كما يتصرف الميت لنفسه
وهذا هو عمدة احتجاج الصديقة فاطمة الزهراء (عليهما السلام) وأمير المؤمنين (عليه السلام) وأهل البيت (عليهم السلام) بأنهم خلفاء النبي (صلى الله عليه واله) فذكرنا مرارا بان كثير من علماء الامامية يظن ان الزهراء (عليها السلام) طالبت واحتجت بفدك لأجل الاحتجاج على خلافة أمير المؤمنين (عليه السلام) فهذا الكلام تام ولكنه ليس هو كل الأمر فإنها (عليها السلام) احتجت لخلافتها أيضا فهي أيضا ولية الأمر وشريكة الأمر فإنها لم تحتج لإرث الأموال فقط بل احتجت أيضا لإرث الولاية والإصطفاء وهو الأعظم
فالمقصود ان اُولي الارحام بعضهم أولى ببعض هكذا ومن هذا القبيل وهنا أيضا فتوى المشهورمن القدماء هكذا فان يقضي عنه أولى الناس بميراثة فباعتباره أولى بامور نفسه ويفرغ ذمته فان أولى الناس بميراثه يتولى أمره ويتولى هذه الصلاحية فيفرغ الولي ذمة الميت كدين من تركته
فائدة: في باب الأوقاف يكون الواقف هو الولي وبعد موت الواقف يكون الوارث هو المتولي لولاية الوقف والسيرة جارية على ذلك ونحن شخصيا نتبنى ذلك ولكن مشهور المتأخرين والمعاصرين لايفتون بذلك
كما ان الواقف لو أوقف حسينة أو مسجد أو مدرسة ولكنه لو لم يعين الواقف ففتوى المتأخرين والمعاصرين ان الوقف يكون بيد الحاكم ولكن هذا غير صحيح فانها لاتكون بيد الحاكم بل بيد نفس الواقف لإن النظارة لاتنافي الوقف، فالواقف إذا لم يعين الولي للوقف فلايكون أمر الوقف الى الحاكم الشرعي بل نفس الواقف وورثته بحسب الطبقات هو الولي لهذا الوقف
ان عمالقة الفقهاء والاصولييون وان الفحل من الفقهاء هو الذي يلتفت الى المستوى العلمي للفقيه من فتاواه فيمكنه ان يقرأ ويفهم مستواه العلمي وبنيانه العلمي من فتاواه، فكلمات الفقهاء ليست نتائج مبتوره عن الوجوه والأدلة بل هي معلومة لمن يمكنه ويستطيع ان يستخرج هذه الوجوه والأدلة