34/07/28


تحمیل
 الموضوع: مبطلية البكاء في الصلاة
 كنّا في بحث مبطلية تعمد البكاء وكأن الماتن من الأول حصر المبطلية فيما اذا تعمد
 إجمالا ذكرنا الأقوال وقلنا ان الشيخ الطوسي في المبسوط والمصباح وكذا الظاهر في النهاية ذكر ان الكباء هو من مبطلات الصلاة
 وقد روى الشيخ الصدوق الخبر المرسل لمبطلية البكاء من دون أن يردّه فإن هذا قد يكون موجبا لأن يكون الصدوق قد قال أو ينسب اليه القول بمبطلية البكاء
 أيضا ابن البراج في المهذب وابن حمزة في الوسيلة فهؤلاء الأعلام قد نصوا على مبطلية البكاء
 نعم ليس هو شيء مطبق عليه القدماء أو ليس بالكثرة عند القدماء
 نعم الشيخ الطوسي ومن تابعه نص عليه عملا بمقتضى القاعدة ففي المعتبر قد استدل على بطلان البكاء بالخبر الآتي وكذا استدل على ذلك بأنه فعل خارج عن أفعال الصلاة فيكون قاطعا كالكلام فقد استدل لمبطلية الكلام ليس للنص فقط بل بمقتضى القاعدة أيضا أي جعله من باب النواقض والقواطع باعتبار ان فيه صوت وقد يظهر ذلك من ابن البراج أيضا في المهذب
 وممن نص على مبطلية البكاء أيضا من القدماء الكيدري في المصباح ومن المتأخرين ذكرنا المحقق الحلي في المعتبر ويحيى بن سعيد في الجامع والعلامة الحلي في التحرير والتذكرة ومن بعده إشتهر عند المتأخرين ومتأخري المتأخرين
 ومن العامة ذهب أبو جنيفة والشافعي الى مبطلية البكاء لكن الشافعي أدرجة في الكلام حيث قال اذا اشتمل على حرفين فهو من الكلام
 ودليل مبطلية البكاء في الصلاة رواية يقع في اسنادها النعمان بن عبد السلام عن أبي حنيفة [1] وهذه نكتة لابد من الالتفات اليها وهي ان أبو حنيفة وكذا مالك فهناك شواهد على ان ترعرعهما العلمي في بداية حياتهما العلمية كان في أجواء حوزة الامام الصادق (عليه السلام) وهذا يسبب انهم يرتبطون ويتصلون علميا بتلاميذ الامام الصادق (عليه السلام) لذا نلاحظ كتاب الموطئ لمالك يروي عن الامام الباقر (عليه السلام) امور كثيرة وعجيبة وكذا في باب الحج
 بالإسناد عن النعمان بن عبد السلام عن أبي حنيفة قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن البكاء في الصلاة أيقطع الصلاة؟ قال ان بكى لذكر جنة أو نار فذلك أفضل الأعمال وان كان ذكر ميتاً له فصلاته فاسدة
 وان الصدوق كعادته روى هذه الرواية ولم يذكر سنده قال وروي ان البكاء عن الميت يقطع الصلاة والبكاء لذكر الجنة والنار من أفضل الأعمال في الصلاة فهذه الرواية موجودة في الفقيه مرسلة وقد ذكرها صاحب الوسائل
 الوقفة الاولى مع هذه الرواية هي ان ضعف السند هل يُجبر مع عمل المشهور؟
 ان الشهرة الجابرة للسند عمدتها هي شهرة القدماء أو الأقدمين أما الشهرة عند المتأخرين ومتأخري المتأخرين لاتصلح ان تكون شهرة جابرة للطريق بل يصلح ان تكون شهرة جابرة لصحة المضمون أو صحة الكتاب
 وان الإعتماد على اعتبار صحة المضمون عند المتأخرين هو باعتبار ان بحث صحة المضمون فيه نوع من الإستنباط والتحليل وان دقّة المتأخرين في جملة من المسائل فوق دقة المتقدمين
 فهذه الرواية لايمكن الاعتماد عليها بمفردها ولا ان لايكترث بها أصلا بل يمكن اعتبارها كقرينة فتظم اليها قرائن اخرى يمكن الاعتماد على مجموعها
 لذا فان المتأخرين توسلوا بوجوه اخرى فمثلا المحقق الحلي في المعتبر وبعده الشهيد الأول أدرجوه في الفعل الكثير المبطل وكذا في المنتهى اعتمد على نفس ماذكره المحقق الحلي وجعل الخبر هو كمؤيد ومرّ ان أبو حنيفة يتبنى مبطلية البكاء مطلقا
 فالوجه الآخر الذي اعتمد عليه المحقق والعلامة والشهيد هو ادراج البكاء في المنافيات الاخرى من كونه فعلا كثيرا او فعلا ماحيا وغير ذلك وان النتيجة بالتالي تختلف
 ووجه آخر ذكره الأردبيلي فبعد ماروى عن النبي (صلى الله عليه واله) في بحث البكاء عن الميت فالمروي عن الفريقين سيما عندنا ان البكاء المذموم على الميت هو البكاء مع الصوت والصراخ طبعا هذا في غير المعصوم (عليه السلام) اما البكاء والصراخ على المعصوم (عليه السلام) فالصرخة في المعصومين واهل البيت (عليهم السلام) رحمة فقد ورد في الحديث اللهم ارحم تلك الصرخة واما البكاء على الميت من دون صوت أي الدموع فقط فهو رحمة وغير مذموم
 فبهذا أراد ان يستدل الأردبيلي على ان البكاء الذي ينافي الصلاة هو البكاء المرجوح أما البكاء الراجح فهو لاينافي الصلاة باعتباره في نفسه هو فعل راجح
 أيضا في مجمع البرهان للأردبيلي استدل بهذا الوجه لخروج البكاء مع الدمع عن المبطلية وقاتل ان سيرة النبي والائمة (عليهم السلام) انهم كانوا يبكون بالدمع وهم لايفعلون المرجوح
 ووجه آخر وهو ماذكره أصحاب كتب اللغة كالجوهري حيث قال البكاء يمد ويقصر فاذا ممدت أردت الصوت الذي يكون مع البكاء وإذا قصرت أردت الدموع وخروجها ففرق بين البكاء بدون صوت والبكاء مع الصوت وذكرنا سابقا ان قواطع الصلاة والمنافيات توسّع
 فالمهم ان هذا البكاء كصوت له نسبة الى التكلم فهنا يحصل توسع فتشمله دائرة الصوت
 أيضا الخليل بن أحمد الفراهيدي قال ان من قصره ذهب به الى معنى الحزن ومن مده ذهب به الى معنى الصوت فالبكاء في الأصل هو بمعنى الصوت
 وعن الفراء انهما بمعنى واحد أي المد والقصر بمعنى واحد من دون اختلاف في المعنى بينهما وهذامن نوادر اللغويين الذي ذهب الى ان معناهما واحد
 وفي المسالك ادعى صدق البكاء بالمد لغة وعرفا من دون صوت لكنه اعترف انه له معنى اخر
 وفي معجم مقاييس اللغة قال النحويون من قصره اجراه مجرى الادواء والامراض فهو حالة بدنية ومن مده اجراه مجرى الاصوات كالثغاء والرغاء والغناء بالمد
 وعن ابن القطاع والمبرد الممدود الصوت الذي مع البكاء والمقصور هو الدموع
 وخلاصة هذا الوجه هو إداج البكاء في الصوت مع التكرار والتكثار في الكلام فليس مطلق الدموع بل مع الاشتداد
 فالبكاء يندرج إما في الكلام وإما في الفعل الكثير الماحي لصورت الصلاة فهو بنفسه ليس عنونا مستقلا ومن ثم فالبكاء على المعصومين (عليهم السلام) خارج تخصصا عن هذه الوجوه والأدلة فالبكاء على الامام الحسين (عليه السلام) وأهل البيت (عليهم السلام) حتى في الصلاة يندرج في البكاء الراجح والتقرب الى الله تعالى
 


[1] وسائل الشيعة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 5 ، الحديث 4