36/07/23


تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 15 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
كان كلامنا في مسألة الاجارة على الحرام وقلنا أنه توجد عندنا ورايتان هما رواية جابر أو صابر وصحيحة ابن أذينة والاولى تدلّ على أنّ أجرته حرام والثانية تنفي البأس فماذا نصنع إزاء هاتين الروايتين ؟
ذكرنا في البداية جمع الشيخ الأعظم وجمع الشيخ الطوسي وناقشنا ذلك ثم صرنا في صدد بيان ما هو المناسب بنظرنا وقلنا تارةً نبني على أنّ رواية جابر ساقطة عن الاعتبار إما للتردّد بين جابر وصابر وصابر غير موّثق أو لأنّ جابر يراد به جابر بن يزيد الجعفي وهو مثلاً لم تثبت وثاقته فإنّ بنينا على ذلك فحينئذٍ يكون الموقف واضحاً حيث تبقى لدينا الرواية الثانية فقط والنتيجة هي الجواز.
وأمّا إذا بنينا على حجيّة الرواية الأولى كالرواية الثانية فسوف تتعارضان فما هو الموقف ؟
وفي هذا المجال نقول:- حيث إنّ المعارضة مستقرة حسب الفرض إذ لا يمكن الجمع العرفي فلابد من الانتقال إلى المرجّحات والمرجح الأول هو موافقة الكتاب والثاني مخالفة القوم.
أمّا بالنسبة إلى المرجح الأوّل:- فيمكن أن يقال إنّ كلتا الروايتين وإن كانتا متعارضتين إلا أنهما بالتساقط - لو بنينا عليه – يكون المرجع هو اطلاقات شرعيّة الاجارة إن كان لدينا مثل تلك الاطلاقات فإنّ الاطلاقات لا تدخل في مجال المعارضة فنرجع إليها وبذلك تكون النتيجة في صالح الرواية الثانية.
وأمّا إذا قلنا إنّه لا إطلاقات لشرعية الإجارة كما هو الصحيح فإنا ذكرنا في مبحث الإجارة عدم وجود دليلٍ يدلّ على شرعيّة الاجارة بنحوٍ مطلق، نعم عندنا أدلّة من هنا وهناك كــرواية ( اكتريت بغلاً إلى قصر بني هبيرة )[1]وغير ذلك ولكن هذه روايات في موارد خاصّة لا أنه يوجد إطلاق في هذا المجال.
نعم عندنا السيرة الممضاة، لأنّ هذه السيرة هي في الحقيقة مع حياة الإنسان ولا يحتاج أن نثبت أنها معاصرة للمعصوم لأنّ حياة الإنسان تقتضي أن تكون معه إجارة، فحتماً هي كانت موجودة في زمن الأئمة عليهم السلام وكانت ممضاة . فالدليل الأوّل هو السيرة العقلائية الممضاة، والدليل الثاني هو بعض الروايات الخاصّة بعد إلغاء موردها الخاص، والدليل الثالث هو ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ [2]فإن عقد الاجارة مشمولٌ له . نعم آية ﴿ تجارةٍ عن تراضٍ ﴾[3]ينبغي التأمل في ذلك من ناحيتها والمناقشة باعتبار أنّ التجارة إمّا أنها موضوعة لخصوص البيع والشراء بربحٍ إمّا جزما أو احتمالاً فشمول عنوان التجارة للإجارة إن لم يكن جزميّ العدم فلا أقل هو مردّدٌ ويكفينا التردّد لعدم جواز التمسّك بالآية الكريمة، وإنما يتمسّك بــ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ وبالسيرة الممضاة والروايات الخاصّة بعد إلغاء الخصوصيّة، وعلى تقدير المستندات الثلاثة لا يحصل عندنا إطلاقٌ حتى نقول هو يكون مرجعاً.
وبعد أن فرضنا أنه لا توجد إطلاقات في الإجارة لكن نقول يوجد عندنا إطلاق ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ فإنّ الإجارة على الحرام عقدٌ من العقود فحينئذٍ يكون هذا الاطلاق مرجّحاً للرواية الثانية الدالة على نفي البأس.
وإذا بنينا على ما ذهب إليه السيد الخوئي(قده) من أنّ الإطلاق لا يصلح أن يكون مرجّحاً باعتبار أنّ إطلاق الكتاب ليس من الكتاب وإنما هو من مقدّمات الحكمة وقلنا بأنّ الآية الكريمة هي من قبيل الإطلاق لا من قبيل العموم - لأنه يوجد مجالٌ في أن يقول شخص إنَّ فيها دلالة على العموم لوجود الألف واللام الداخلة على لفظ العقود - فلا أقل يكون مرجعاً بعد تساقط الروايتين، وحينئذٍ تكون النتيجة كما هي أيضاً.
إذن اتضح أنّه على جميع التقادير تعود النتيجة واحدة لا تتغيّر، إذ لو بنينا على عدم حجيّة الرواية الأولى وبقينا نحن والثانية فالنتيجة هي شرعيّة هذه الإجارة - أي الإجارة على الحرام -، ولو بنينا على حجيّة الاثنين وقلنا إنّ إطلاقات الإجارة موجودة فالنتيجة حينئذٍ تكون لصالح الرواية الثانية، وإنّ قلنا أنها غير موجودة فنحن وإطلاق ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ كمرجّحٍ أو كمرجعٍ فالنتيجة أيضاً تعود كما هي.
إذن المناسب شرعية الإجارة على الحرام بمقتضى الصناعة التي أشرنا إليها.
بيد أني أستدرك وأقول:- هذا كلّه لو فرضنا أن الروايتين كانتا ناظرتين إلى الإجارة مع اشتراط الحرام الذي هو محلّ كلامنا فالنتيجة تكون كما ذكرنا، ولكن قد عرفت فيما سبق أنّ الروايتين ليستا واضحتين في كونهما ناظرتين إلى حالة الاشتراط فإنّ الأولى ورد فيها الفاء ( فيباع )، بل حتى لو لم تكن الفاء موجودة قلنا هي تعود مردّدة ومجملة فيحتمل إرادة الشرطيّة ويحتمل إرادة غير الشرطية والرواية الثانية لعلها واضحة في غير الشرطية، فإذن ما ذكرناه لا يثبت لنا أنّ الاجارة بشرط الحرام هي جائزة لأنّ الروايتين ليس من الواضح ورودهما مورد الاجارة بشرط الحرام، فإذن ماذا نصنع ؟ والجواب:- نرجع آنذاك إلى مقتضى القاعدة بعدما كانت الروايات لا تسعفنا وقد ذكرنا ما تقتضيه سابقاً وكان ملخّصه هو أنّ الاجارة سواء كانت على الحرام أو بشرط الحرام هي محرّمة تكليفاً لأنها تشتمل على نحو حثٍّ وتشجيعٍ على الحرام، وأمّا وضعاً فعلى الأوّل - يعني إذا كانت الإجارة على الحرام - فمن المناسب البطلان إذ لا يحتمل وجوب الوفاء بما هو حرام، وعلى الثاني - يعني إذا أخذ الحرام شرطاً - فالمناسب ربط المسألة بقضيّة أنّ الشرط الفاسد هل هو مفسد أو ليس بمفسد.
العنوان الثالث:- البيع مع العلم بالصرف في الحرام.
كمن يبيع العنب على من يعلم أنه سوف يصنعه خمراً أو الخشب على من يعلم أنّه يصنعه صنماً - من دون اشتراطٍ وإنما يوجد علمٌ خارجي لا أكثر -.
وهنا تارةً نتكلّم فيما تقتضيه الروايات، وأخرى فيما تقتضيه قاعدة الإعانة على الحرام لأنّ هذا العنوان من مصاديق الإعانة على الحرام:-
أما بلحاظ الروايات:- فإذا رجعنا إليها فيمكن أن يقال بوجود طائفتين، طائفة يظهر منها الحلّية فإنك مادمت تبيع العنب والعنب حلالٌ فالبيع جائزٌ غايته هو ارتكب إثماً وقد دلّت على ذلك روايات متعدّدة، وهناك طائفة ثانية دلت على عدم الجواز فكيف الموقف بين هاتين الطائفتين ؟
أمّا الطائفة الأولى فالمهمّ منها الروايات الأربع التالية:-
الأولى:- صحيحة محمد الحلبي[4]:- ( قال:- سألت أبا عبد الله عليه السلام عن بيع عصير العنب ممن يجعله حراماً، فقال:- لا بأس به تبيعه حلالاً ليجعله حراماً فأبعده الله وأسحقه )[5]، موردها كما قلنا هو حالة العلم وليس حالة الاشتراط كما هو واضح.
الثانية:- صحيحته الأخرى:- ( سئل أبو عبد الله عن بيع العصير ممّن يصنعه خمراً، فقال:- بيعه ممّن يطبخه أو يصنعه خلّاً أحبُّ إليَّ ولا أرى بالأوّل بأساً )[6].
الثالثة:- صحيحة عمر بن أذينة:- ( قال:- كتبت إلى إبي عبد الله عليه السلام أسأله عن رجل له كرم أيبيع العنب والتمر ممن يعلم أنه يجعله خمراً أو سَكَراً[7]، فقال:- إنما باعه حلالاً في الإبّان الذي يحلّ شربه أو أكله فلا بأس ببيعه )[8].
الرابعة:- صحيحة رفاعة عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( سئل عن بيع العصير ممن يصنعه خمراً، فقال:- حلال، ألسنا نبيع تمرنا ممّن يجعله شراباً خبيثاً ؟!! )[9]، وإذا لم تقبل بهذه الرواية وتقول صحيح أنّ هذا جائز ولكن كيف يفعل الإمام ذلك ؟!! فأقول:- فلتحذف هذه الرواية ولكن توجد عندنا روايات ثلاث أخرى.
أمّا ورايات الطائفة الثانية فهي ثنتان:-
الأولى:- صحيحة عمر بن أذينة الأخرى حيث يقول:- ( كتبت إلى أبي عبد الله عليه السلام أساله عن رجلٍ له خشب فباعه ممن يتخذه برابط، فقال:- لا بأس به . وعن رجلٍ له خشب ممن يتخذه صلباناً، فقال:- لا )[10]. إذن هذه تدلّ على عدم الجواز.
الثانية:- صحيحة عمرو بن حريث:- ( سالت أبا عبد الله عليه السلام عن التوت أبيعه يصنع للصليب والصنم، قال:- لا )[11].
وهذه الرواية ورد في جملة سندها هكذا:- ( أبان بن عيسى القمي )، وإذا كان الوارد بهذا الشكل فهو رجلٌ مجهول وبذلك تعود هذه الرواية ليست بصحيحة لجهالة الشخص المذكور، ولكن الوارد في التهذيب والكافي هو ( أبان عن عيسى القمّي )، وأبان يمكن توثيقه فلا أقل هو من رجال الإجماع، ومّا عيسى القمّي فهو أيضاً كذلك فلذلك عبّرنا عنها بالصحيحة.
إذن هاتان طائفتان فماذا نصنع تجاههما ؟


[4] فائدة جانبية :- كل ما سمعت بالحلبي فهو ثقة فإن النجاشي قال في رجاله ( الحلبيّون بيت معروف في الكوفة كلهم ثقاة ).
[7] السكر:- بالتحريك هو الخمر أو نبيذ التمر.