36/07/06


تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 14 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
والمسألة تقع في نقاط:-
النقطة الأولى:- الأحوط استحباباً عدم بيع المصحف الشريف على المسلم.
وهذا الحكم قد يصعب نسبته إلى المشهور، نعم لا بأس بنسبته إلى جماعة من فقهائنا كما صرح بذلك صاحب الجواهر(قده)[1]، وهكذا الشيخ الأعظم(قده) في مكاسبه[2].
وإذا رجعنا إلى الروايات وجدناها على طائفتين:-
الأولى:- ما دلّت على عدم الجواز.
الثانية:- ما كان ظاهرها الجواز.
أمّا الطائفة الأولى فهي على أنحاءٍ ثلاثة:- وإنما قسّمناها إلى أنحاءٍ ثلاثة باعتبار الاختلاف في الألفاظ والنكات المذكورة فيها وهي:-
النحو الأوّل:- ما دلّ على المنع بلسان النهي، من قبيل موثقة سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( قال:- سألته عن بيع المصاحف وشرائها، فقال:- لا تشتر كتاب الله ولكن اشتر الحديد والورق والدّفّتين وقل اشتري منك هذا بكذا وكذا )[3]، وبمضمونها مضمرة عثمان بن عيسى[4].
وهي لا بأس بسندها لكنها مضمرة - ولا أقصد من قولي ( لكنها مضمرة ) التضعيف - يعني أنّ عثمان بن عيسى قال ( سألته ) فهو لم يصرح باسم الامام ولكنه ذكر ضميراً يرجع إليه .
وعلى منوالهما رواية جرّاح المدائني[5].
النحو الثاني:- ما ورد بلسان ( لن يشترى )، ومصداقه رواية عبد الرحمن بن سيابة، وفي المصدر - أي الكافي[6] - روى هذه الرواية عن عبد الرحمن بن سليمان عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( سمعته يقول:- إنّ المصاحف لن تشترى فإذا اشتريت فقل إنما اشتري منك الورق وما فيه من الأديم وحليته وما فيه من عمل يدك بكذا وكذا )[7]، وبمضمونها أو نفسها وراية عبد الله بن سليمان[8].
إذن هذه الرواية إمّا واحدة أو ثنتان، وهي ضعيفة السند سواء فرض أنّها كانت واحدة أو ثنتان بعبد الرحمن بن سيابة فإّنه لم يوثّق، وهكذا عبد الرحمن بن سليمان فهو مجهول الحال، وقد ورد في السند عبد الله بن محمّد وهو أيضاً لم تثبت وثاقته، فسند هذه الرواية ضعيفٌ.
النحو الثالث:- ما ورد بلسان الحرمة، وتتمثل برواية سماعة بن مهران قال:- ( سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:- لا تبيعوا المصاحف فإنّ بيعها حرام، قلت:- فما تقول في شرائها ؟ قال:- اشتر منه الدّفّتين والحديد والغلاف وإياك أن تشتري منه الورق وفيه القرآن مكتوبٌ فيكون عليك حراماً وعلى من باعه حراماً )[9].
وهي من حيث السند هكذا:- ( الشيخ عن محمد أحمد بن يحيى عن أبي عبد الله الرازي عن الحسن بن علي بن أبي حمزة -وفي المصدر التهذيب أبي الحسن علي بن أبي حمزة - عن زرعة بن محمد عن سماعة بن مهران ).
وهي ضعيفة السند من ناحيتين، من ناحية أبي عبد الله الرازي الذي هو الجاموراني فإنّه لم يوثق، ومن ناحية الحسن بن عليّ بن أبي حمزة وهو لم يوثّق أيضاً.
نعم ورد في المصدر - أي التهذيب – هكذا:- ( عن أبي الحسن علي بن ابي حمزة ) أي عن البطائني الأب، وحينئذٍ يختلف الأمر باختلاف المباني في عليّ بن أبي حمزة، ولكن بما أن النسخة مردّدة بين الأب وبين الابن فحتى من يبني على وثاقة البطائني الأب هنا لا ينفعه ذلك لاحتمال أنّ الصحيح هو الحسن بن علي بن أبي حمزة وهو لم يوثّق باتّفاق الجميع.
إن قلت:- مادام في المصدر قد سُجّل ( عن أبي الحسن عليّ بن أبي حمزة ) فلماذا تذهب إلى كتاب الوسائل ؟ فبعد وجود المصدر لا عبرة بالاستناد إلى الوسائل فإنّ هذا نظير أن ينقل شخصٌ عن مرجعٍ بأنه يقول إنَّ هذا الشيء حرام ثم ذهبنا إلى المرجع نفسه فقال أنا لم أقل ذلك، فبعدما صرّح المرجع بأنّه ليس بحرام فلا نعتني بنقل الناقل حينئذٍ ولا عبرة به، فنقل الناقل يكون معتبراً إذا لم يتّضح لنا بالمباشرة رأي المنقول عنه أمّا بعد أن اتضح ذلك فلا معنى للأخذ بنقل الناقل، وهنا الأمر كذلك فبعد أن ذكر المصدر أنه ( عن أبي الحسن علي بن أبي حمزة ) فلا عبرة إذن بنقل الوسائل حيث كتب ( عن الحسن بن أبي حمزة ) ؟!
قلت:- هنا يضرّ، والوجه في ذلك هو أنّ صاحب الوسائل(قده) حينما نقل بعنوان الحسن بن أبي حمزة يظهر من ذلك أنّ نسخ التهذيب - أي المصدر - مختلفة إمّا جزماً أو احتمالاً، ومعه لا يمكن الاستناد إلى النسخة الموجودة الآن للتهذيب فإنّ هذا نسخة والنسخة الأخرى ما وقع في يد صاحب الوسائل(قده) فلا يمكن البتّ والقطع بأنّ هذه النسخة المطبوعة للتهذيب هي الصحيحة، بل لعلّ نسخة صاحب الوسائل(قده) هي الصحيحة.
إذن يتردّد الوارد في التهذيب بين الحسن بن علي بن أبي حمزة وبين أبي الحسن بن أبي حمزة، وعلى هذا الأساس هذه نقطة ضعفٍ تسجّل على هذه الرواية، فهي إذن ضعيفةٌ من حيث السند من ناحيتين.
والغريب في البين أنّ الشيخ الأنصاري(قده) في مكاسبه[10] ذكر هذه الرواية وعبّر عنها بالموثّقة.
الطائفة الثانية:- وهي الطائفة المجوّزة وهي:-
صحيحة أبي بصير:- ( قال:- سألت أبا عبد الله عليه السلام عن بيع المصاحف وشرائها، فقال:- إنّما كان يوضع عند القامة[11]والمنبر، قال:- كان بين الحائط والمنبر قيد[12]ممّر شاة ورجلٌ وهو منحرف فكان الرجل يأتي فيكتب البقرة ويجيء آخر فيكتب السورة كذلك كانوا ثم إنّهم اشتروا بعد ذلك فقلت فما ترى في ذلك ؟ فقال:- أشتريه أحب إليَّ من أن أبيعه )[13].
والظاهر أنّ دلالتها واضحة على الجواز لأنّه عليه السلام قال ( أشتريه ) وهذا يدلّ على الجواز ولكن الأحب هو الشراء دون البيع.
وبمضمونها موثقة روح بن عبد الرحيم[14]:- وروح موثّق ولا مشكلة فيه، وهكذا باقي رجال السند فإنه لا مشكلة فيهم فإنّه ممن ورد في السند والذي قد يتأمل فيه هما روحٌ وغالب بن عثمان وهو غالب بن عثمان المنقري وقد وثّقه النجاشي فلا مشكلة فيه، فهذه الرواية دلالتها كالسابقة والسند لا بأس به.
ورواية عنبسة الوراق:- ( قال:- سألت أبا عبد الله عليه السلام فقلت:- أنا رجل أبيع المصاحف فإن نهيتني لم أبعها، فقال:- ألست تشتري ورقاً وتكتب فيه ؟ قلت:- بلى وأعالجها، قال:- لا بأس بها )[15].
ودلالتها واضحة على الجواز، وسندها كالتالي:- ( الكليني عن علي بن محمد عن أحمد بن أبي عبد الله عن محمد بن علي عن عبد الرحمن بن أبي هاشم عن سابق السَّنَدِي عن عنبسة الورّاق، وعنبسة مجهولٌ، وسابق السَّنَدِي كذلك، فالرواية غير معتبرة من حيث السند، ولكن في صحيحة أبي بصير وموثّقة روح كفاية.
إذن اتضح عندنا أنّه توجد طائفتان من الروايات الأولى تدلّ على عدم الجواز وفيها ما هو سالمٌ من حيث السند والدلالة، وعندنا طائفة ثانية تدلّ على الجواز وفيها روايتان تامّتان من حيث السند والدلالة، فماذا نصنع ؟


[2] تراث الشيخ الأعظم، تسلسل، 15، ص155.
[10] تراث الشيخ الانصاري، تسلسل15، ص155.
[11] القامة :- هو حائط المسجد النبوي وإنما سمي بالقامة لأن مقادر ارتفاعه كان قامة فبهذا الاعتبار عبر عنه بالقامة.
[12] قيد :- في اللغة بمعنى مقدار.