36/04/26


تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 1 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
الرواية الثالثة:- مرسلة بن أبي نجران وسندها كالتالي:- ( الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن أبن أبي نجران[1] عن بعض أصحابنا عن الرضا عليه السلام )، ولأجل التعبير بعبارة ( عن بعض أصحابنا قلنا عنها مرسلة بن أبي نجران - أو مرسلة ابن أبي عمير - ونصها:- ( قال:- سألته عن نصراني أسلم وعنده خمر وخنازير وعليه دينٌ هل يبيع خمره وخنازيره ويقضي دينه ؟ قال:- لا )[2]، ومورد الشاهد هو قوله عليه السلام:- ( قال:- لا ) وهذا يفهم منه بطلان بيع الخمر أو الخنازير.
ولا يقولن قائل:- إنّ الرواية هنا تدلّ على أنّ بيع مجموعهما باطل لأنّه عطف بالواو أمّا بيع أحدهما - يعني الخنازير وحدها - فهي لا تدلّ على بطلانه.
فإنه يقال:- إنَّ المفهوم عرفاً من مثل هذه التعابير هو أنّ ( الواو ) هنا بمعنى ( أو ) وليس المقصود واو الجمع بالخصوص، مضافاً إلى أنّه من البعيد بحسب المرتكزات المتشرعيّة أنّ يكون ضمّ الذي لا يجوز بيعه إلى الذي لا يجوز بيعه - كضمّ الخمر إلى الخنزير - لا يجوّز البيع أمّا كلّ واحدٍ منفصلاً فيجوز بيعه فإنّ احتمال هذا بحسب المرتكزات المتشرعيّة ضعيفٌ.
نعم قد يشكل ويقال:- إنّ الإمام عليه السلام قال ( لا ) وكلمة ( لا ) كما تلتئم مع الحرمة الوضعيّة تلتئم مع الحرمة التكليفيّة وعليه يحصل إجمال.
والجواب:-
إمّا أن يقال:- إنّ هذا الإجمال قد ينفعنا أيضاً باعتبار أنّه يحصل علمٌ إجماليٌّ إمّا ببطلان المعاملة أو بحرمتها التكليفيّة والمناسب آنذاك بمقتضى منجزّية العلم الإجمالي الاحتياط بالحكم بالبطلان وبالحرمة التكليفيّة . إذن توصّلنا إلى البطلان ولكن من خلال فكرة العلم الإجمالي وليس من الرواية مباشرة.
أو يقال:- إنّ الحرمة الوضعيّة هي القدر المتيقّن، فالذي فالمشكوك هو الحرمة التكليفيّة وأمّا الحرمة الوضعيّة فهي لو دار الأمر بينها وبين الحرمة التكليفيّة تكون فهي القدر المتيقّن من الحرمتين - يعني عند الدوران بينهما لا أنّها قدرٌ متيقّن في حدّ نفسها -، يعني إن كانت هناك حرمة فالقدر المتيقّن هو الحرمة الوضعيّة والزائد هو المشكوك، فينحلّ هذا العلم الإجمالي وتصير الحرمة الوضعيّة حينئذٍ هي الثابتة.
نعم تبقى المشكلة من حيث السند:- فإنها بالسند الذي نقلناه مرسلةٌ حتى على تقدير أنّ الوارد هو ابن أبي عمير بدل ابن أبي نجران فإنه لا يمكن تطبيق فكرة أن ابن أبي عمير لا يروي إلا عن ثقة فيكون هذا الإرسال إرسالٌ عن ثقةٍ، فإنَّ هذه الكبرى لا يمكن تطبيقها في المقام فإنّ ذلك ممكنٌ فيما لو صُرّح باسم من يروي عنه ابن أبي عمير أمّا إذا لم يصرّح باسمه يصير المورد من التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة، وذلك لما ذكرنا أكثر من مرّة من أن ابن أبي عمير يروي عن مشايخ متعدّدين والطابع العام عليهم هو كونهم من الثقاة ولكن تبقى مجموعة منهم – وهي إمّا خمسة أو ثمانية - قد عورضوا بالتضعيف فهؤلاء لا يمكن الأخذ بروايتهم من باب أنّها معارضة بالتضعيف من قبل الغير ولعلّ هذا البعض هو من أحد هؤلاء فلا يجوز التمسّك بهذا العموم الذي نقله الشيخ الطوسي(قده) من أنّ ( البزنطي وصفوان لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة )، فهذا العموم بعد تخصيصه وخروج خمسة أو ثمانية منه لا يجوز التمسّك به لأنّه تمسّكٌ بالعام في الشبهة المصداقيّة، نعم لو صُرّح باسم الشيخ الذي ينقل عنه ابن أبي عمير ولم نَرَ أنّه من أحد الخمسة أو الثمانية فلا مشكلة حينئذٍ، أما بعد عدم التصريح باسمه فحيث نحتمل أنّه من أحد هؤلاء فيصير المورد من التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة وهذا من الواضحات.
إذن الرواية بهذه السند قابلةٌ للإشكال.
نعم قد رواها الكليني بسندٍ أخر:- وهو ينتهي إلى ابن أبي نجران أيضاً كما في السند السابق ولكن بقيّة السند هي هكذا:- ( عن محمد بن مسكان عن معاوية بن سعيد عن الرضا عليه السلام )، وفي المصدر يوجد هكذا:- ( محمد بن سنان عن معاوية بن سعد عن الرضا عليه السلام ).
وهذا الطريق محلّ إشكال أيضاً:- لأنّ محمد بن مسكان ومعاوية بن سعيد من المجاهيل، وما هو المذكور في المصدر - يعني محمد بن سنان عن معاوية بن سعد - أيضاً كذلك لأنّه حتى لو بنينا على وثاقة محمد بن سنان تبقى المشكلة من ناحية معاوية بن سعد الذي يحتمل أنّه تحريفٌ لمعاوية بن سعيد وهو مجهول الحال.
إذن الرواية بكلا السندين محلّ إشكالٍ، فالدلالة وإن كانت لا بأس بها إلا أن المشكلة في سندها.
الرواية الرابعة:- ما رواه يونس، ونصّها:- ( وعنه عن أبيه عن إسماعيل بن مرار عن يونس في مجوسيّ باع خمراً أو خنازير إلى أجلٍ مسمى ثم أسلم قبل أن يحلّ المال، قال:- له دراهمه، وقال:- أسلم رجلٌ وله خمر وخنازير ثم مات وهي ملكه وعليه دينٌ، قال يبيع دُيّانه أو وليٌّ له غير مسلمٍ خمره وخنزيره ويفي دينه وليس له أن يبيعه وهو حيّ ولا يمسكه )[3]، ومورد الشاهد هو الفقرة الثانية دون الأولى لأنّ الفقرة الأولى ناظرة إلى من باع قبل الإسلام والراوي سأل هل يأخذ الثمن بعد الإسلام والإمام جوّز ذلك وقال ( له دراهمه ) وهذه أجنبية عن محلّ كلامنا فإنّ غاية ما يدلّ عليه هذا هو أّن البيع قبل الإسلام صحيحٌ والثمن يجوز أخذه، إنما محلّ كلامنا في الفقرة الثانية فإنّه فرض فيها أنّه أسلم ويريد بعد الإسلام بيع الخمر أو الخنازير لقضاء دينه والإمام عليه السلام قال:- ( ليس له أن يبيعه وهو حيّ ).
ولكن يأتي فيها ما أشرنا إليه في الرواية السابقة من التردّد بين الحرمة التكليفيّة والوضعيّة وما ذكرناه هناك يأتي هنا، فهي إذن لا بأس بها من حيث الدلالة.
ولكن تبقى المشكلة في السند من ناحيتين:-
الأولى:- من ناحية اسماعيل بن مرار فإنّه لم يوثّق إلّا بناءً وثاقة كلّ من ورد في أسانيد كامل الزيارات أو تفسير القمّي ونحن لا نبني على ذلك، فالسند ضعيفٌ من هذه الناحية.
الثانية:- إنّها مقطوعة - ولم أقل مضمرة -، وفرقٌ بين القطع والإضمار فإنّ الإضمار هو أن يُذكر ضميرٌ وأمّا القطع فلا يذكر الضمير وإنما يكون الحديث للراوي، وهنا الأمر كذلك فالحديث مع يونس، وعلى هذا الأساس تكون مقطوعة، إلّا أن يحصل الاطمئنان بأنّ هذا النحو من الحوار ليس إلّا حوراً مع الإمام عليه السلام وليس حواراً بين يونس وبين تلميذه فإن حصل الاطمئنان فبها وإلا فيكون هناك إشكالٌ آخر في هذه الرواية.
والخلاصة:- إنّ الرواية الأولى لا بأس بدلالتها، كما أنّ الرواية الثالثة والرابعة لا بأس بدلالتهما أيضاً، إنما الإشكال في دلالة الرواية الثانية فقط وقلنا بأنه لابدّ من ردّ علمها إلى أهلها.
وأمّا من حيث السند فقد ذكرنا أنّ الرواية الأولى يمكن التغلّب على مشكلتها السنديّة، وأمّا الثالثة والرابعة فإنهما وإن كانتا محلّ إشكالٍ من حيث السند إلا أنَّ ضمهما إلى تلك الرواية يتقوّى السند بل قلنا يكفينا سند الأولى . فإذن لا مشكلة من حيث السند ومن حيث الدلالة، فالمقتضي لبطلان المعاملة وضعاً تامٌّ لحدّ الآن وإنما الكلام في المعارض.
وأمّا المعارض:- فهو يتمثّل بصحيحة زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( في الرجل يكون لي عليه الدراهم فيبيع بها خمراً وخنزيراً ثم يقضي منها، قال:- لا بأس، أو قال:- خذها )[4]، والمقصود من قوله ( فيبيع بها خمراً وخنزيراً ) أي يبيع بالدراهم التي لي عليه فالمقصود أنّه يبيع بمقدارها فيبيع الخنزير بمقدار الدراهم التي لي عليه ثم يسلمني الدراهم فقال له الإمام عليه السلام ( لا بأس أو خذها ) . إذن هي تدلّ على صحّة بيع الخنزير.
وعلى منوالها رواية محمد بن محمد الخثعمي[5]، وهكذا رواية أبي بصير[6].
هذه روايات ثلاث معارضة تدلّ على صحة بيع الخنزير فماذا نصنع في حلّ هذا التعارض ؟
أجاب صاحب الوسائل(قده):- بأنّ هذه الروايات الثلاث الأخيرة محمولة على الذمّي وليس على المسلم ومحلّ كلامنا هو المعاملة على الخنزير من قبل المسلم هل هي صحيحة أو باطلة أمّا من قبل الذمّي فهي صحيحة ولا إشكال فيها.
يمكن أن يوجّه ما أفاده(قده) وإن لم يذكر ذلك:- بأنه فيها قد عطف الخنزير على الخمر ونحن نعرف من الخارج أنّ بيع الخمر لا يحتمل أنّه صحيح في حقّ المسلم فبهذه القرينة نفهم بأنّ المنظور في كلّ الحوار وجواب الإمام - بأنّه خذ الدراهم - هو الذمي.
ويمكن أن يجاب أيضاً:- بأنّه من المحتمل أن يكون تجويز أخذ الثمن هو من باب الاستنقاذ، يعني أنَّ المفروض هو أنّ هذا قد دفع خنزيراً إلى الكافر وأخذ منه الثمن وحينما أخذ الثمن فهذا الثمن يكون باقياً على ملك الكافر ولكن بما أن أموال الكافر ليست محترمة فمن هذه الناحية جوّز الإمام أخذ ذلك المال لا من باب صحّة البيع بل من باب أنّ هذا المال وإن كان باقياً على ملكه لكنه يجوز أخذه من هذه الناحية.
أو نفترض أنّ الكافر كان يرضى فإنه كان يريد خنزيراً في مقابل دفع الدراهم وهو راضٍ بأن يتصرّف في هذه الدراهم حتى لو كانت باقيةً على ملكه فإنّ البقاء على ملكه هو بحسب شرعنا ولكنه لا يبالي ويقول قد حصلت على الخنزير فأنت تصرّف بهذا الثمن . إذن يوجد عند رضاً بهذا التصرّف، فالإمام جوّز الأخذ من باب أنّه كافرٌ ويجوز أخذ ذلك منه.
فإن قبلنا بهذه الأمور الثلاثة فبها، وإلا فلنا طريقٌ رابع.