32/06/06


تحمیل

المحضور رقم 21 :- التظليل للرجال .

مسألة 269 :- لا يجوز للرجل المحرم التظليل حال مسيره بمظلة أو غيرها ولو كان بسقف المحمل أو السيارة أو الطائرة ونحوها. ولا فرق في حرمة التظليل بين الراكب والراجل على الأحوط . والأحوط بل الأظهر حرمة التظليل بما لا يكون فوق رأس المحرم بأن يكون ما يتظلل به على أحد جوانبه ، نعم يجوز للمحرم أن يتستر من الشمس بيديه . ولا باس بالاستظلال بظل المحمل حال المسير ، وكذلك لا باس بالإحرام في القسم المسقوف من مسجد الشجرة .

تشتمل المسالة على مجموعة نقاط:-

النقطة الأولى:- لا يجوز التظليل للمحرم ، وطبيعي المقصود خصوص الرجل وأما المرأة فيأتي الحديث عنها في المسالة البعدية إنشاء الله تعالى ، إذن المقصود الآن في هذه المسالة إثبات الحرمة في الجملة ، أي في حق الرجل بقطع النظر عن المرأة .

 والمعروف بين أصحابنا ذلك ، يعني الحرمة .

 وقد ينسب الخلاف إلى علمين أو ثلاثة من أعلامنا:-

 أحدهم ابن الجنيد الاسكافي فان له عبارة توحي بعدم لزوم ترك التظليل وإنما ذلك شيء راجح ومستحب - يعني ترك التظليل - فان العبارة المنقولة عنه هكذا ( يستحب للمحرم أن لا يظلل على نفسه لان السنة بذلك جرت ، فان لحقه عنت أو خاف من ذلك فقد روي عن أهل البيت عليهم السلام جوازه ) انتهى . وهذه العبارة قد يظهر منها استحباب الترك من دون لزوم اللهم إلا أن يفسر الاستحباب بما يلتئم مع الوجوب فلاحظ الجواهر[1] .

 وثانيهما الشيخ الصدوق في المقنع فانه ذكر ( لا بأس أن يضرب على المحرم الظلال ويتصدق بمد لكل يوم ) وهذه العبارة قد يفهم منها جواز التظليل غايته مع الفداء ، ولكن لأجل احتمال انه ناظر إلى المضطر فلذلك لا يمكن نسبة الخلاف إليه بنحو الجزم .

 والثالث صاحب الذخيرة ملا محمد باقر السبزواري ، فانه على ما نقل صاحب الحدائق[2] حيث نسب إليه التردد في المسألة ، ومن هنا عبرنا ( خالف اثنان أو ثلاثة ) فالتعبير بـ (أو) باعتبار أن السبزواري متردد.

 وعلى أي حال الحرمة في الجملة هي الحكم المعروف بين أعلامنا.

 وهناك عدة جهات للبحث في هذه المسألة ، وقبل أن نقرأ الروايات لا بأس أن نكون على اطلاع مجمل على هذه الجهات حتى نكون على هدى وبصيرة حين قراءة الروايات ونذكر أهم تلك الجهات :-

الجهة الأولى:- هل أن التظليل حرام أو أن تركه راجح من دون إلزام ؟

الجهة الثانية:- هل الحرمة تختص بالنهار ، أي بحالة طلوع الشمس أو تعم حالة الليل ، أو بالأحرى حالة عدم وجود الشمس ولو لسحاب ، فالليل إذن مأخوذ بنحو المرآتية لعدم وجود الشمس.

الجهة الرابعة:- هل الحرمة تختص بحالة الركوب أو تعم حالة المشي على الأرض من دون ركوب ؟

والجهة الرابعة :- هل الحرمة نختص بالظل المتحرك أو تعم الظل الثابت كظل السقوف ؟

الجهة الخامسة :- هل الحرمة تعم حالة نزول المحرم خباءه أو شقة السكن كما في زماننا ، فلو وصل إلى شقة السكن فهل يجوز له أن يظلل من الشمس بأن يمسك مظلة مثلاً ويظلل وهو موجود في داخل شقة السكن أو تختص بحالة عدم الوصول إلى محل السكن ؟

الجهة السادسة :- هل الحرمة تعم حالة الوصول إلى مكة أو تختص بما قبل الوصول إلى مكة لأنه سوف يأتينا من السيد الخوئي (قده) حيث يظهر منه أن مكة كلها منزل للمحرم فإذا وصل فليس عليه حرمة - ؟

الجهة السابعة:- هل الحرمة تختص بإحداث الظل بعد الإحرام أو تعم حالة إبقاء الظل ، كمن أحرم في القسم المسقوف من مسجد الشجرة أو احرم في الطائرة فانه بعد إحرامه لا يكون قد أحدث الظل وإنما هو ثابت من السابق ،أي قبل الإحرام هو قد ظلل والآن بقي التظليل ، فهل الحرمة تعم هذا أيضاً أو تختص بإحداث التظليل؟

الجهة الثامنة:- هل الحرمة تختص بالظل الذي يكون فوق الرأس أو تعم ما إذا كان التظليل من بعض الجوانب دون الرأس ؟

 أن هذه بعض الجهات المهمة التي ينبغي الالتفات إليها ، وهناك أيضاً جهات أخرى ، ويأتي بحث كل ذلك إنشاء الله تعالى.

 والآن نقرأ روايات المسالة لنرى هل تستفاد الحرمة وما هي حدودها . وطبيعي نحن الآن في هذه النقطة في صدد إثبات الحرمة فقط والتفاصيل والحدود تأتي في النقاط البعدية إنشاء الله تعالى.

الرواية الأولى:- صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام ( سألته عن المحرم يركب القبة[3] ؟ فقال: لا، قلت فالمرأة المحرمة؟ قال: نعم )[4] ، وقريب من ذلك صحيحة هشام بن سالم ، لكنها واردة في الكنيسة دون القبة ، والكنيسة هي كالقبة إلا انه يلقى على عصي الهودج قماش بدل الأخشاب ويعبر عن ذلك بالكنيسة ، إذن فهما من فصيلة واحدة والاختلاف جانبي.

الرواية الثانية:- صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام ( سألته عن المحرم يركب القبة: قال ما يعجبني إلا أن يكون مريضاً ، قلت: فالنساء؟ قال: نعم )[5]

الرواية الثالثة:- صحيحة عبد الله بن المغيرة ( قلت لأبي الحسن الأول عليه السلام أظلل وانأ محرم ؟ قال : لا ، قلت أفأظلل وأكفر ؟ قال : لا ، قلت: فان مرضت ؟ قال: ظلل وكفر، ثم قال: أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه واله قال: ما من حاج يضحى ملبياً حتى تغيب الشمس حتى غابت ذنوبه معه )[6] ، وقريب منها موثقة إسحاق بن عمار[7] ورواية محمد بن منصور[8] .

الرواية الرابعة :- صحيحة عبد الله بن المغيرة الأخرى ( سالت أبا الحسن عليه السلام عن الظلال للمحرم ، فقال: أضح لمن أحرمت له ، قلت : إني محرور وان الحر يشتد علي ، فقال : أما علمت أن الشمس تغرب بذنوب المحرمين )[9] ، ولعلها نفس الأولى ، والبحث عن ذلك ليس بمهم ما دام الآن لا ثمرة فيه.

 وبالنسبة إلى كلمة ( أضح ) توجد قراءتان على ما نقل في الوافي[10] ، فانه نقل عن صحاح الجوهري أن المحدثين يقرءونها بفتح الإلف وكسر الحاء ( أضحِ ) بيد أن الأصمعي قال أن المناسب قراءتها بكسر الهمزة وفتح الحاء ( اضحَ ) والاضحاء عبارة عن البروز للشمس فأضحِ أواضحَ لمن أحرمت له يعني كن بارزاً للشمس .

وهناك قضية جانبية أخرى وهي ليست مهمة:- وهي أن اللام في قوله عليه السلام ( لمن أحرمت ) هل هي لام التعدية أو لام التعليل ؟ أن المناسب بادئ ذي بدء كونها لام التعدية ، أي رابطة ، لأن اضحى لا تتعدى بنفسها فنجعل لها حرف حتى تتعدى بسببه.

ولكن هناك إشكال:- وهو أن من يُحرَم له هو الله عز وجل ، والاضحاء لله بمعنى البروز لله شيء لا معنى له ، فان الله عز وجل ليس في مكان حتى يبرز إليه ويضحى إليه ، ومن هنا ربما يقال أن المناسب أن تكون هذه اللام لام التعليل ، يعني ابرز للشمس ولكن ليكن بروزك للشمس لأجل الله عز وجل فالهدف يكون هو الله ، فاللام بمعنى ( لأجل ) أو (لهدف الله عز وجل ) ، فإذن يحتمل أن تكون اللام لام التعليل لما ذكرناه .

اللهم إلا أن يجيب مجيب ويقول:- صحيح أن الله عز وجل ليس له مكان وهو السماء مثلاً خلافاً لجماعة كالأشاعرة وغيرهم ، ولكن بما أن السماء هي الجهة الشريفة التي منها نزول الرحمة ولذلك حين الدعاء نرفع أيدينا إلى السماء ،أن ذلك لا لأجل أن الله عز وجل هو في السماء ، بل المقصود الإشارة إلى الجهة الشريفة ، فإذا قبلنا هذا في الدعاء فلنقبله أيضاً في والاضحاء ، يعني اضحَ لله ، والاضحاء له يكون بالبروز تحت السماء لأنها الجهة الشريفة التي يمكن أن نشير بها الله عز وجل . وعلى أي حال الأمر لا يستدعي هذا التطويل وهذا بحث كمالي.

الرواية الخامسة :- صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام ( لا باس بالظلال للنساء وقد رخص فيه للرجال )[11]

الرواية السادسة:- موثقة عثمان بن عيسى الكلابي ( قلت لأبي الحسن الأول عليه السلام أن علي بن شهاب يشكو رأسه والبرد شديد ويريد أن يحرم ، فقال: أن كان كما زعم فليظلل ، وأما أنت فاضح لمن أحرمت له) [12]

الرواية السابعة:- صحيحة البزنطي ( عن الرضا عليه السلام قال: قال أبو حنيفة: أيش فرق ما بين ظلال المحرم والخباء ؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام: أن السنة لا تقاس )[13]

الرواية الثامنة:- صحيحة إسماعيل بن عبد الخالق ( سالت أبا عبد الله عليه السلام هل يستتر المحرم من الشمس ؟ قال: لا إلا أن يكون شيخاً كبيراً ، أو قال ذا علة )[14] ، وعلى منوالها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج[15]

الرواية التاسعة :- صحيحة بن بزيع عن الرضا عليه السلام ( سأله رجل عن الظلال للمحرم من أذى مطر أو شمس وانأ اسمع ، فأمره أن يفدي شاة ويذبحها بمنى )[16] ، وبمضمونها روايات أخرى في نفس الباب فلاحظ.

الرواية العاشرة :- صحيحة علي بن جعفر ( سالت أخي عليه السلام أظلل وانأ محرم ؟ فقال: نعم ، وعليك الكفارة ، قال: فرأيت علياً إذا قدم مكة ينحر بدنة لكفارة الظل )[17] .

 هذا هو مهم روايات المسالة وتوجد روايات أخرى ولكن أأكد أن المهم ما أشرنا إليه.

[1] الجواهر 13 - 394

[2] الحدائق 15 -470 ، 478

[3] القبة: هودج يصنع من العصي ويوضع على العصي أخشاب شبه القبة

[4] الوسائل 12 -515 64 تروك الإحرام ح1

[5] المصدر السابق ح2 و ح5

[6] المصدر السابق ح3

[7] المصدر السابق ح7

[8] المصدر السابق ح8

[9] المصدر السابق ح11

[10] الوافي 12- 603

[11] المصدر السابق ح10

[12] المصدر السابق ح13

[13] الوسائل 12- 523 -66 تروك الإحرام ح5

[14] المصدر السابق ح9

[15] المصدر السابق ح6

[16] الوسائل 13- 155 -6 بقية كفارات الإحرام ح6

[17] الوسائل 13 154 6 بقية كفارات الإحرام ح2