جلسة 145

كفارات الصوم

أجل إذا فرض أن المكلف لم يتمكن من تحصيل ستين شخصاً فيجوز له آنذاك التكرار على العدد الميسور، وأدعى صاحب (الجواهر) [1] ـ قدّس سرّه ـ عدم وجدان الخلاف في ذلك.

ويدل على ما ذكر موثقة السكوني عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال: قال أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ: «إن لم يجد في الكفّارة إلاّ الرجل والرجلين فيكرّر عليهم حتّى يستكمل العشرة، يعطيهم اليوم ثمّ يعطيهم غداً» [2]، وموردها وإن كان كفّارة اليمين التي هي عبارة عن إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، ولكن من هذه الناحية يمكن دعوى عدم الخصوصية فإذا كان في إطعام العشرة يلزم التكرار عند عدم التمكن من المقدار المذكور فكذلك الحال في إطعام الستين.

ودلت الموثقة على أن التكرار يكون بلحاظ الأيام فيعطى الفقير هذا اليوم ثم يعطى ثانية في اليوم الثاني، ولكن يمكن أن يقال: إن هذا مأخوذ بنحو الطريقية إلى الوجبة الأُخرى، فالمقصود يعطيهم وجبة أُخرى في وقت آخر ولا خصوصية لكون ذلك الوقت الآخر هو اليوم الثاني، فلو فرض أنه أُعطي ظهراً وشبع ولما صار الليل جاع وأراد وجبة أُخرى فيكفي الدفع إليه بالرغم من عدم تعدد اليوم، فاحتمال اعتبار تعدد اليوم ملغي عرفاً.

مسألة 1018: إذا كان للفقير عيال فقراء جاز إعطاؤه بعددهم إذا كان ولّياً عليهم، أو وكيلاً عنهم في القبض، فإذا قبض شيئاً من ذلك كان ملكاً لهم، ولا يجوز التصرف فيه إلاّ بإذنهم إذا كانوا كباراً، وإن كانوا صغاراً صرفه في مصالحهم كسائر أموالهم[3] .

مضمون المسألة المذكورة واضح، فإنه قد يفترض أحياناً وجود أُسرة فقيرة، وفي مثله هل يجوز الدفع إلى رب تلك الأُسرة أو يلزم الدفع إلى كل واحد واحد بشخصه؟

لابدّ من التفصيل في المسألة، فإنه تارة يفترض أن الدفع يكون بنحو الإشباع، وأُخرى يكون بنحو التمليك.

فإن كان بنحو الإشباع ـ كما لو دفع الشخص إلى رب الأُسرة مقداراً من المال وقال: اشترِ به رزاً ولحماً واصنع به طعاماً لكم ظهراً، وبالفعل صنع رب الأُسرة ذلك وأكل الجميع حتى شبعوا ـ كفى ذلك؛ باعتبار أن هذا مصداق للتوكيل، فالمكفّر وَكَّلَ رب الأُسرة في الشراء عنه والطبخ، فيكون المكفّر قد أشبع جميع أفراد الأُسرة، غايته من خلال التوكيل فيكون ذلك كافياً وليس فيه أي شائبة إشكال، هذا إذا كان بنحو الإشباع.

وأمّا إذا كان بنحو البذل والتمليك ـ كما لو فرض أن المكفر اشترى مقداراً من الحنطة ودفعه إلى رب الأُسرة بقصد أن يكون له ولكل واحد من أفراد أُسرته، فلو كانوا عشرة فيكون قد دفع إليه مقدار ما يستحقه العشرة ـ ففيه ثلاث صور:

الأوّل: أن يكون أفراد الأُسرة صغاراً، وفي هذه الحالة يتمكن رب الأُسرة من قبض الحصة الراجعة إليه بالأصالة، والحصة الراجعة إلى الصغار بالولاية.

الثانية: أن يكون أفراد الأُسرة كباراً، وفي هذه الحالة لا يحق لرب الأُسرة القبض إلاّ عن نفسه، وأمّا البقية فلابدّ أن يأخذ الوكالة منهم، فلو كان أولاده كلهم كباراً فيأخذ الوكالة منهم ومن زوجته، أمّا أنه يقبض عنهم من دون كسب الوكالة أو الإذن مسبقاً فمشكل بل لا يكفي.

الثالثة: أن يكون بعض أفراد الأُسرة صغاراً وبعضهم كباراً، وقد اتضح الحال فيه، فالصغار يقبض عنهم بالولاية والكبار لا يتمكن أن يقبض عنهم إلاّ مع فرض تحقق الإذن المسبق، إذ لا دليل على أن قبض الوالد بمثابة قبض الولد بعد فرض أن الولد كبير.

ومن خلال هذا يتضح التأمل في ما يظهر من السيد اليزدي [4] ـ قدّس سرّه ـ حيث قال: (نعم إذا كان للفقير عيال متعددون ولو كانوا أطفالاً صغاراً يجوز إعطاؤه بعدد الجميع لكل واحد مداً)، فإنه ـ قدّس سرّه ـ لم يفصّل، وكان من المناسب أن يقيّد ذلك بحالة الإشباع، بمعنى أنه يدفع المكفِّر إلى الشخص وأفراد عائلته ليأكلوا جميعاً بذلك الطعام، إمّا بأن يشتري طعاماً جاهزاً أو يطبخ ذلك، فإنه في مثله لا يلزم أن يكون الشخص المذكور ولياً ولا وكيلاً عن العيال، أمّا إذا كان ذلك بنحو التمليك كما لو دفع إليه مقدار عشرة كيلوات من الطحين فيلزم أن يكون ولياً على العيال أو وكيلاً عنهم، ولا يكفي مجرد الدفع إليه بعد فرض عدم وجود دليل يدل على أن قبض رب الأُسرة قبض لعياله.

ومن خلال هذا يتضح أن رب الأُسرة لو قبض الطعام عن عياله فلا يجوز له أن يصرفه إلاّ في طعامهم أو يفترض أنه يبيعه عنهم بالولاية ويصرف الثمن في مصالحهم وإلاّ فلا يجوز أن يتصرف به في غير ذلك.

_________________________

[1] جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام 33: 261.

[2] الوسائل 22: 386، أبواب الكفارات، ب16، ح1.

[3] منهاج الصالحين 1: 271، 272.

[4] حواشي العروة الوثقى 3: 603/ مسألة 24.