جلسة 127

كفارة الصوم

مسألة 1010: إذا أكره زوجته على الجماع في صوم شهر رمضان فالأحوط أن عليه كفّارتين وتعزيرين، خمسين سوطاً، فيتحمل عنها الكفّارة والتعزير، ولا فرق في الزوجة بين الدائمة والمنقطعة، ولا تلحق بها الأمة، كما لا تلحق بالزوج الزوجة إذا أكرهت زوجها على ذلك[1] .

تشتمل المسألة المذكورة على النقاط التالية:

النقطة الأُولى: إذا أكره الزوج زوجته في شهر رمضان على الجماع تحمّل كفارتين وتعزيرين، أحدهما عن نفسه والآخر عن زوجته، فيُضرب خمسة وعشرين سوطاً بلحاظ نفسه ويكرر عليه المقدار المذكور بلحاظ زوجته، كما أنه يحمّل الكفارة كذلك.

هذا هو الأحوط، وهو المشهور بين الأصحاب ولم ينسب فيه الخلاف إلاّ إلى العماني ـ قدّس سرّه ـ على ما ذكره صاحب (الجواهر)[2] قدّس سرّه.

ومستند هذا الحكم رواية المفضّل بن عمر، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ: في رجل أتى امرأته وهو صائم وهي صائمة، فقال: «إن كان استكرهها فعليه كفّارتان، وإن كانت طاوعته فعليه كفّارة وعليها كفّارة، وإن كان أكرهها فعليه ضرب خمسين سوطاً نصف الحدّ، وإن كانت طاوعته ضرب خمسة وعشرين سوطاً وضربت خمسة وعشرين سوطاً » [3].

ودلالتها على الحكم المذكور واضحة، إلاّ أن المشكلة تكمن في سندها، فقد رواها الشيخ الكليني[4]، عن علي بن محمّد بن بندار، عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر، عن عبد الله بن حمّاد، بن المفضّل عن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام، والكل ربما يمكن توثيقه عدا إبراهيم بن إسحاق الأحمر فإنه قد ضعف[5]، فمن هذه الناحية يكون الطريق ضعيف.

نعم، رواها الشيخ الصدوق ـ قدّس سرّه ـ في (الفقيه)[6]، وطريقه إلى المفضّل بن عمر كما جاء في المشيخة هكذا: (وما كان فيه عن المفضّل بن عمر فقد رويته عن محمد بن الحسن رحمه الله، عن الحسن بن متيل الدقاق، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن المفضّل بن عمر الجعفي الكوفي وهو مولى)[7].

ومن الملاحظ وقوع محمّد بن سنان في الطريق، وقد وقع الخلاف بين الأعلام في توثيقه، فبناءً على الحكم بوثاقته يمكن الحكم بصحة الرواية بطريق الشيخ الصدوق قدّس سرّه، أمّا إذا لم يُبنَ على وثاقته فلا يمكن الأخذ بالرواية لضعف سندها، اللهم إلاّ بناءً على تمامية كبرى جابرية ضعف السند بفتوى المشهور، كما يفهم من المحقق[8] ـ قدّس سرّه ـ حيث ذكر: أن سند الرواية وإن كان ضعيفاً إلاّ أن علماءنا أدعوا على ذلك إجماع الإمامية فيجب العمل بالرواية، وتعلم نسبة الفتوى إلى الأئمة ـ عليهم السلام ـ باشتهارها.

وعلى أي حال إن بنينا على تمامية كبرى الجابرية أو على وثاقة محمّد بن سنان فالأمر واضح وعلى الفقيه آنذاك الفتوى على طبقها.

وأمّا إذا شككنا في فكرة الجابرية ولو من ناحية الصغرى ـ بمعنى أنه لو سلّمنا بكبرى الجابرية فقد يناقش في صغراها فيقال: من أين يعلم أن الأصحاب قد استندوا إلى الرواية المذكورة؟ والحال أن كلماتهم الاستدلالية ليست بأيدينا ليثبت عندنا أنهم استندوا إليها، ومجرد أن العلامة والمحقق والشهيدين قد استندوا إليها في استدلالاتهم لا يثبت أن الطبقة المتقدمة من أعلامنا قد استندوا إليها.

والمهم كما نعلم، أن الجابر هو استناد المتقدمين، وهذه مناقشة سيّالة في أغلب موارد الشهرة لو لم يدعَ في كل مصاديق الشهرة المدعاة ـ وشكك في وثاقة بن سنان فلا يمكن للفقيه الفتوى آنذاك بالحكم المذكور، نعم، المناسب له المصير إلى الاحتياط في الفتوى وهو أمر حسن ينبغي للفقيه سلوكه في أمثال الموارد المذكورة، كما سلكه السيد الماتن قدّس سرّه.

النقطة الثانية: أن الحكم المذكور يختص بشهر رمضان المبارك، فإن الرواية المتقدمة وإن كانت مطلقة من هذه الناحية حيث قالت: في رجل أتى امرأته وهو صائم وهي صائمة...، ولم يقيّد ذلك بشهر رمضان إلاّ أنه بقرينة إثبات التعزير الذي هو لهتك حرمة الشهر المبارك يمكن أن يدعى انصرافها إلى ذلك، وإذا شكك في هذا الانصراف فيمكن سلوك طريق آخر، بأن يقال: إن الرواية لا تخلو من احتمالات ثلاثة:

الأول: احتمال إطلاقها الشامل لكل صوم.

الثاني: احتمال إرادة خصوص الصوم المعين كالمنذور في يوم معين.

الثالث: احتمال إرادة خصوص صوم شهر رمضان.

والأول باطل جزماً، إذ لا يحتمل أن من أكره زوجته في الصوم الواجب بنحو موسع تثبت الكفارة والتعزير في حقه؛ لأن ذلك خلف فرض التوسعة كقضاء شهر رمضان قبل الظهر أو ما شاكل ذلك، وعليه فالإطلاق بعرضه العريض لا يمكن أن يكون مراداً فيدور الأمر آنذاك بين الاحتمالين الآخرين، فإما أن يكون المراد هو الإطلاق بدرجة ضيّقة، أي في دائرة شهر رمضان والصوم المنذور والقضاء بعد الظهر وما شاكل ذلك، أو يكون المراد هو خصوص شهر رمضان، وحيث إنه لا مرجّح لأحد الاحتمالين على الآخر فتصير الرواية مجملة ويؤخذ آنذاك بالقدر المتيقن وهو خصوص شهر رمضان وتجري البراءة عن الزائد.

لا يقال: لِمَ لا نرجّح الاحتمال الثاني في مقابل الثالث؛ باعتبار أن الثاني يشتمل على الإطلاق غايته بدرجة ضيقة، وهذا يوجب رجحانه في مقابل الاحتمال الثالث الذي هو بعيد عن الإطلاق رأساً.

فإنه قال: إن الإطلاق الذي يكون موجباً للترجيح هو الإطلاق بعرضه العريض، إذ ذلك هو مقتضى الظهور، فظاهر كل مطلق عند عدم ذكر القيد هو الإطلاق بعرضه العريض، فإذا لم يكن مراداً فلا يعود آنذاك ما يوجب ترجيح إرادة الإطلاق بدرجته الضيقة في مقابل الفرد المعين، إذ كلاهما مخالف للإطلاق والظهور، فلماذا ترجيح أحدهما في مقابل الآخر، اللهم إلاّ أن يكون ذلك لوجه استحساني وهو أن الإطلاق بالدرجة الضيقة أقرب للإطلاق بدرجته الوسيعة بخلاف إرادة الفرد المعين فإن هذه الاقربية مفقودة فيه؟

ولكن هذا الكلام واضح الوهن؛ فإن الأقربية المذكورة لا توجب أقربيته إلى الظهور، بل هي مجرد أقربية اعتبارية واستحسانية، والمدار على الأقربية بلحاظ الظهور، وعليه فالحكم يختص بشهر رمضان.

النقطة الثالثة: لا فرق في الزوجة بين الدائمة والمنقطعة، وهذا واضح، إذ الرواية المتقدمة مطلقة من هذه الناحية حيث قالت: في رجل أتى امرأته...، فلو كان هناك فرق لاستفصل الإمام ـ عليه السلام ـ في مقام الجواب.

النقطة الرابعة: لا تلحق الأمة بالزوجة في الحكم المذكور، فإن الوارد في الرواية عنوان امرأته الذي هو مرادف للزوجة، ومن الواضح أن الأمة المملوكة ليست زوجة وإنما هي ملك يمين، كما قال الله سبحانه وتعالى (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلاّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) [9]، فجعل ملك اليمين مقابلاً للزوجة، اللهم إلا أن يجزم بعدم الخصوصية من هذه الناحية، إلاّ أن عهدة الدعوة المذكورة على مدّعيها.

وقد يطرح تساؤل آخر، وهو: هل يلحق في الحكم إكراه الأجنبية؟، بمعنى أنه لو أكره شخص امرأة أجنبية على الزنا في شهر رمضان فهل يتحمل تعزيرين وكفّارتين؟

والجواب: أن ذلك أشد وزراً عند الله سبحانه وتعالى، ولكن مورد الرواية هو إكراه الزوجة، والتعدي إلى الأجنبية يحتاج إلى الجزم بإلغاء الخصوصية وهو مشكل؛ لاحتمال أن الله سبحانه وتعالى هو الذي ينتقم منه من دون ثبوت جزاء له في الدنيا، نظير ما جاء في باب الصيد حالة الإحرام، فإنه لو تكرر من المحرم الصيد لا تتكرر في حقه الكفّارة، وإنما ينتقم الله منه كما أشارت الآية الكريمة في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ) [10].

النقطة الخامسة: لا يلحق إكراه الزوجة لزوجها على الجماع بإكراهه لها؛ لأن مورد النص إكراه الزوج لزوجته لا إكراه الزوجة لزوجها، والجزم بعدم الخصوصية مشكل فيقتصر على مورد النص، والزائد ينفى بالبراءة.

__________________________

[1] منهاج الصالحين ج1 كتاب الصوم فصل الكفارات ص270.

[2] جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام ج16 كتاب الصوم ص308.

[3] الوسائل 10: 56، أبواب ما يمسك عنه، ب12، ح1.

[4] الكافي 4: 105/ 9.

[5] رجال النجاشي 9/ 21، حيث قال: (إبراهيم بن إسحاق أبو إسحاق الأحمريّ النهاونديّ، كان ضعيفاً في حديثه متهوماً).

[6] الفقيه 2: 90/ 314.

[7] الفقيه 4: 374.

[8] المعتبر ج2 ص681.

[9] المؤمنون: 5 ـ 6.

[10] المائدة: 95.