جلسة 123

كفارة الصوم

النقطة الثانية: يستثنى من ذلك الجماع والاستمناء، فإن الكفّارة فيهما تتكرر والوجه في ذلك أنه في خصوص هذين ثبتت الكفّارة لعنوان الجماع والاستمناء، فالروايات دلت على أن من جامع أو استمنى وجبت عليه الكفّارة.

وربما يُدعى أن عنوان (جامع) أو (استمنى) كما يصدق على المرة الأُولى وتثبت به الكفّارة كذلك يصدق على المرة الثانية فتثبت فيها الكفّارة أيضاً.

نعم، وقع بين العلمين السيد الحكيم والسيد الخوئي ـ رضوان الله عليهما ـ نقاش في ذلك، حيث ذهب السيد الحكيم [1] ـ قدّس سرّه ـ إلى أن العنوان المذكور وإن كان يصدق على المرة الثانية وما بعدها، ولكن المنصرف من النصوص هو ارتكاب الجماع والاستمناء بما هو مفطر، والعرف يفهم ثبوت الكفّارة في هذين بما هما مفطران، ومن الواضح أن ذلك يختص بالمرة الأُولى، فمن جامع في المرة الأُولى يكون جماعه مفطراً، أمّا من جامع في المرة الثانية فلا يصدق أن جماعة مفطر؛ إذ المفطرية قد حصلت في المرة الأُولى، وعلى هذا الأساس لا يمكن التمسك بإطلاق دليل ثبوت الكفّارة عند ارتكاب الجماع والاستمناء في المرة الثانية وما بعدها.

ثم قال ـ قدّس سرّه ـ: أجل لأن تعذر علينا أن نتمسك بالدليل المذكور للنكتة التي أشرنا إليها فبالإمكان أن نتمسك بروايات أُخرى دلت على تكرر الكفّارة عند تكرر الجماع، من قبيل رواية الفتح بن يزيد الجرجاني: أنه كتب إلى أبي الحسن ـ عليه السلام ـ يسأله عن رجل واقع امرأة في شهر رمضان من حلال أو حرام في يوم عشر مرّات؟ قال: «عليه عشر كفّارات لكل مرّة كفّارة، فإن أكل أو شرب فكفّارة يوم واحد» [2].

وقريب منها الروايتان المذكورتان في نفس الباب [3]، ولكنها جميعاً ضعاف من ناحية السند.

أمّا الأُولى فهي ضعيفة من جهة الفتح بن يزيد حيث إنه مجهول ولم يرد في حقه توثيق، وأمّا الروايتان الأُخريان فهما مرسلتان.

ومن هنا اختار السيد الحكيم ـ قدّس سرّه ـ المصير إلى الاحتياط بتكرر الكفّارة عند تكرر الجماع ولم يصر إلى الفتوى، وخصّص الاحتياط بالجماع المتكرر دون الاستمناء المتكرر إذ ليس فيه رواية كرواية الفتح.

وقد ناقش السيد الخوئي [4] ـ قدّس سرّه ـ دعوى الانصراف التي ذكرها السيد الحكيم ـ قدّس سرّه ـ بأنه لا وجه لها، ومعه نتمسك بإطلاق دليل الكفّارة الدال على ثبوتها عند تحقق عنوان الجماع أو الاستمناء.

وعلى هذا الأساس يكون الخلاف بين العلمين مستنداً إلى دعوى الانصراف وأنها ثابتة أو لا.

هذا ويمكن أن يقال: إنه بغض النظر عن دعوى الانصراف لا يمكن أيضاً التمسك بالإطلاق، فإن أحسن الروايات حالاً موثقتا سماعة التي ورد في الأُولى الجماع حيث قال: سألته عن رجل أتى أهله في شهر رمضان متعمّداً؟ قال: «عليه عتق رقبة، أو إطعام ستّين مسكيناً، أو صوم شهرين متتابعين، وقضاء ذلك اليوم، ومن أين له مثل ذلك اليوم» [5] ، وفي الأُخرى الاستمناء حيث قال: سألته عن رجل لزق بأهله فأنزل؟ قال: «عليه إطعام ستّين مسكيناً، مدّ لكل مسكين» [6]، بناءً على أنهما ناظرتان لشهر رمضان.

ويمكن الجواب عنهما:

أوّلاً: أن الحكم لم يذكره الإمام ابتداءً، فلم يقل ـ عليه السلام ـ ابتداءً: من أتى أهله في شهر رمضان كان عليه كذا وكذا ليتمسك بالإطلاق، وإنما سأل السائل عن إتيان الأهل فأجاب ـ عليه السلام ـ بثبوت الكفّارة، ومن القريب جداً أن يكون نظر السائل إلى المرة الأُولى، ولو كان ناظراً إلى المرات المتعددة لأشار إلى ذلك، هكذا: رجل أتى أهله مرة أو مرات... فإن الإنسان العرفي إذا كان ناظراً إلى حالة التكرر يشير إليها بالخصوص، فالمفهوم من السؤال المرة الواحدة، ومعه كيف يتمسك بإطلاق الجواب؟

إن قلت: لما لا نتمسك بإطلاق جواب الإمام، فإنه لم يقيد بثبوت الكفّارة في المرة الأُولى.

قلت: إن الجواب يتحدد ضيقاً وسعةً بضيق وسعة السؤال، فإذا كان السؤال ناظراً إلى المرة الأُولى فالجواب يكون مختصاً بذلك أيضاً فلا معنى للتمسك بإطلاقه. نعم، لو فرض أن الإمام ـ عليه السلام ـ قد ذكر الحكم ابتداءً من دون سبق سؤال فيمكن التمسك بإطلاقه باعتبار أنه لم يقيد بالمرة الأُولى، أمّا بعد أن فرض وجود سؤال مسبق وذلك السؤال ناظر إلى المرة الأُولى فكيف نستفيد الإطلاق من الجواب؟

ثانياً: لو تنزلنا وقلنا: إن السؤال لا يفهم منه عرفاً الاختصاص بالمرة الأُولى، بل هو مطلق أيضاً، فكما يشمل الأُولى يشمل الثانية وما بعدها، فمع ذلك لا يمكن استفادة تعدد الكفّارة، بل الموثقة على العكس حيث تدل على عدم تكرر الكفارة بتكرر الجماع؛ لأن الإمام ـ عليه السلام ـ في مقام الجواب لم يقل: عليه كفّارة ثانية وثالثة... بل قال: «عليه عتق رقبة، أو إطعام ستّين مسكيناً، أو صوم شهرين متتابعين، وقضاء ذلك اليوم...»، وهذا معناه أنه متى ما تحقق الجماع سواءً كان مرةً واحدةً أو أكثر فيثبت أن عليه عتق رقبة أو إطعام ستّين مسكيناً، أو صوم شهرين متتابعين، وقضاء ذلك اليوم...، فمن أين نثبت التكرر؟ فالإمام ـ عليه السلام ـ ما دام لم يذكر التكرر ولم يقل: عليه عتق رقبة ثانية وثالثة... بل قال: «عليه عتق رقبة...»، فيفهم من ذلك أن الجماع حتى لو تكرر فأقصى ما يثبت عتق رقبة وهو صادق بالعتق مرة واحدة، وأمّا لزوم التكرر فيحتاج إلى دليل، والموثقتان المذكورتان هما أدلّ على عدم التكرر.

وبهذا يكون المناسب وفاقاً لمجموعة من المحشين على (العروة) عدم التكرار حتى في الجماع والاستمناء وإن كان الاحتياط أمراً في محله.

النقطة الثالثة: من عجز عن الخصال الثلاث فالأحوط التصدق بما يطيق ويضم إليه الاستغفار، وقد اختلف الفقهاء في حكم العاجز عن الخصال الثلاث، وأنه هل يجب عليه صوم ثمانية عشر يوماً أو يتصدق بما يقدر عليه أو يكفيه الاستغفار؟ ومنشأُ الاختلاف هو اختلاف الروايات، وهي على طوائف:

الأُولى: ما دلّ على صوم ثمانية عشر يوماً، كما في صحيحة أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ عن رجل ظاهر من امرأته، فلم يجد ما يعتق، ولا ما يتصدّق، ولا يقوى على الصيام، قال: «يصوم ثمانية عشر يوماً، لكلّ عشرة مساكين ثلاثة أيام» [7] ، فإن موردها وإن كان هو الظهار ولكن قد يقال بعدم الخصوصية لذلك فيتعدى إلى بقية الموارد.

______________________________

[1] مستمسك العروة الوثقى ج8 كتاب الصوم ص354.

[2] الوسائل 10: 55، أبواب ما يمسك عنه الصائم، ب11، ح1.

[3] الوسائل 10: 55 ـ 56 أبواب ما يمسك عنه، ب11، ح2 ـ 3.

[4] مستند العروة الوثقى ج1 كتاب الصوم ص315.

[5] الوسائل 10: 49، أبواب ما يمسك عنه، ب8، ح13.

[6] الوسائل 10: 49، أبواب ما يمسك عنه الصائم، ب8، ح12.

[7] الوسائل 22: 372، أبواب الكفارات، ب8، ح1.