33-12-27


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

33/12/27

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسألة ( 356 ) / الـواجـب الخامس مــن واجبـات عمـرة التمتع ( التقصير) / باب السعي / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 وأما ما ناقش به دلالة:-
 فبالنسبة إلى المناقشة الأولى:- فيرد أن الرواية قالت:- ( وإن تعمّد بعد الثلاثين التي يوفّر فيها الشعر ) والمناقشة التي ذكرها إنما تتم لو فسرنا هذه العبارة بكون المقصود هو ( إن تعمَّد بعد مضي الثلاثين ) فإنه إذا كان هذا المقصود فالأمر كما أفاده والحق معه فإن هذه الثلاثين إذا مضت فهذا معناه أنه قد دخل شهر ذي الحجة ، ولكن هناك احتمال آخر وهو أن يكون المقصود هو ( بعد دخول الثلاثين التي يوفر فيها الشعر ) لا بعد مضيها فإذا فسرنا العبارة هكذا فحينئذ ينتج ما أفاده الشيخان وبالتالي يصير المقصود هو أن من حلق عند دخول شهر ذي القعدة فعليه دم ويتم ما أفاده العلمان ، والقرينة التي تساعد على هذا الاحتمال هي أن الفقرة السابقة ذكرت حكم من حلق في شهر شوّال وقالت بأنه ليس عليه شيء سواء كان عامداً أم جاهلاً ويبقى على الامام عليه السلام حينئذٍ أن يبين حكم من حلق في شهر ذي القعدة ولا يصح عرفاً أن يتجاوز في البيان لما بعد شهر ذي القعدة - أي لحكم من حلق في شهر ذي الحجة - ويسكت عمن حلق فيه إنه شيء ليس عرفياً ، فبهذه القرينة يتعين أن يكون المقصود من البعديَّة في هذه الفقرة ليس هي بعديَّة مضي شهر ذي القعدة بل بعد دخول شهر ذي القعدة ، وعليه فلا اشكال من هذه الناحية.
 وأما بالنسبة إلى المناقشة الدلالية الثانية فيمكن أن يقال:- إن قيد ( مكة ) قد ذكره السائل في سؤاله لا أن الامام أخذه في كلامه ، فإن كان الامام قد أخذه في كلامه فيمكن أن يقال:- إن للقيد المذكور مدخليّة وإلا فلماذا أخذه الامام ، أما إذا فرض أن السائل قد ذكره من باب أن العادة هي أن المتمتع بعد عمرة التمتع يكون في مكة إذ المفروض أنه لا يحق له الخروج فيمكن من هذه الناحية يمكن إلغاء الخصوصية.
 على أنه لو تنزلنا فيكفينا أن الرواية قد بينت حكم من حلق في مكة فإن هذه الحالة هي الحالة الابتلائية. وعليه فالمناقشتان المذكورتان ليست لهما أهمية.
 والمناسب أن يناقش بما ذكرناه غير مرة:- وهو أن ثبوت الكفارة لا يلازم الحرمة ، ففي باب التظليل مثلاً من كان مضطراً إليه فقد استفيد من الروايات أنه يجوز له ولكن عليه الكفارة ، وهكذا من أفطر في شهر رمضان فإنه لو أخر القضاء إلى الشهر الثاني فعليه أن يدفع الفدية ولكن التأخير ليس حراماً ، وهكذا موارد أخرى من هذا القبيل . إذن لا ملازمة بين المطلبين ، وعليه فالفتوى بالحرمة استناداً إلى ثبوت الكفارة محلّ إشكال.
 إن قلت:- لماذا لا نقول إن الكفارة ملازمة للحرمة غايته خرج ما خرج بالدليل وذلك لا ينافي ثبوت الملازمة كما هو الحال بالنسبة إلى ظهور صيغة الأمر في الوجوب فإن الاستعمال أحياناً في الندب لا ينافي ثبوت الظهور في الوجوب بل يكون الوجوب ثابتاً غايته نرفع اليد عنه فيما خرج بالدليل وليكن الأمر في مقامنا كذلك.
 قلت:- هذا وجيه في الظهورات اللفظية فإن اللفظ إذا كان له ظهور في معنىً معين أمكن أن يدعى أن ذلك الظهور يلزم التمسك به إلا إذا دلّ دليل على الخلاف ويختص رفع اليد بذلك المورد الذي دلَّ فيه الدليل على الخلاف ، أما إذا لم يكن المورد من باب الظهور وإنما كان من باب الملازمة العقلائية أو العقلية أو العرفية فاختلال هذه الملازمة ولو في مورد واحد يدلّ على أنه لا ملازمة من الأساس . إذن ما ذكر يتم في باب الظهور دون مثل باب الملازمات فإن التخلّف ولو في مورد واحد يكشف عن عدم الملازمة.
 الدليل الثالث:- الروايات الدالة على لزوم توفير الشعر في شهر ذي القعدة ، فالمكلف عليه أن يوفر شعره في شهر ذي القعدة - نعم لا يلزم ذلك في شهر شوال - فلو فرض ثبوت روايات تدل على وجوب توفير الشعر فيثبت المطلوب حينئذ - أي لا يجوز الحلق - من باب أنه يتنافى مع وجوب التوفير ، ولكن لنلاحظ الروايات وهل فيها دلالة على الوجوب أم لا ؟
 الرواية الأولى:- صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام ( لا تأخذ من شعرك وأنت تريد الحج في ذي القعدة ولا في الشهر الذي تريد فيه الخروج إلى العمرة ) [1] فان قوله ( في ذي القعدة ) متعلق بقوله ( لا تأخذ في ذي القعدة من شعرك ) وليس متعلقـاً بـقوله ( وأنت تريـد الحج ) فإنه إذا تعلق بهذا فسوف يصير المعنى هكذا ( إذا أردت الحج في ذي القعدة فلا يجوز لك أن تحلق ) أما متى لا يجوز الحلق ؟ فهو مسكوت عنه وبمقتضى الإطلاق أنه لا يجوز دائماً لا في خصوص ذي القعدة ، وعلى أي حال إن الجار والمجرور متعلق بـ( لا تأخذ ) وليس متعلقاً بـ( تريد ) فتصير النتيجة هي أن من أراد الحج لا يجوز له أن يأخذ من شعره في شهر ذي القعدة وهذا معناه لزوم التوفير وبالتالي حرمة الحلق في شهر ذي القعدة وبذلك يتم المطلوب.
 وفيه:-
 أولاً:- إن الرواية قد ذكرت في الفقرة الثانية ( ولا في الشهر الذي تريد فيه الخروج إلى العمرة ) يعني أنك ما دمت تريد الخروج إلى العمرة في أي شهر من الأشهر فلا يجوز لك من بداية الشهر أن تحلق حتى قبل الشروع في العمرة ولو لم تكن عمرة التمتع ، فلو أردنا أن نذهب إلى العمرة في شهر شعبان فلا يجوز من بداية شهر شعبان حلق الراس والأخذ منه وهذا شيء لا يلتزم به أحد ولا يحتمله أحد ، وعليه فيلزم حمل ذلك على الاستحباب ، وبقرينة السياق يحمل النهي في الفقرة الأولى على الاستحباب أيضاً أو لا أقل يصير النهي مجملاً من هذه الناحية لاحتفافه بما يصلح للقرينية على الاستحباب . أجل هذا لا يتم بناءً على مسلك حكم العقل فإنه عليه تختل قرينة وحدة السياق فلا يمكن التمسك بها إذ النهي مستعمل في الطلب الكلّي - يعني ليس الطلب الالزامي بل أصل الطلب - والاستعمال في أصل الطلب ليس منخرماً بل هو ثابت في كلتا الفقرتين غايته أن العقل بالنسبة إلى الفقرة الثانية يقول هو استحبابي لأنه ثبت من الخارج عدم اللزوم وبالنسبة إلى الفقرة الأولى يحكم باللزوم فلا يلزم التفكيك في السياق الواحد بعد الالتفات إلى أن الحرمة والكراهة أو الاستحباب والوجوب هما خارجان عن مدلول اللفظ أي ليسا جزءاً من المعنى المستعمل فيه وإنما المعنى المستعمل فيه هو الطلب فقط ، وهذا جواب مبنائي.
 وثانياً:- إن الفقرة الأولى دلّت على أنه ما دمت تريد الحج فلا يجوز لك أن تحلق في ذي القعدة من دون فرق بين أن يكون الحج حجّ تمتع أو إفراد ومن دون أن تكون قد أتيت بعمرة التمتع أو لم تأت بها بعدُ بل المكلف متى ما قصد أن يحج فبمجرد دخول شهر ذي القعدة يلزمه أن يوفر شعره وهذا مطلب لا يمكن أن يلتزم به أحد . إذن الرواية تدل على مضمون مهجور بين الأصحاب.
 إن قلت:- لماذا لا نقيّد هذا الإطلاق فنقول مادام الأصحاب لا يقولون بهذا الإطلاق بعرضه العريض فلنقيده بما إذا كان المكلف يريد حج التمتع وأيضا بشرط أن يكون قد أتى بعمرة التمتع فحينئذ لا يجوز له أن يأخذ من شعره في شهر ذي القعدة لا أن نحمل الرواية على الاستحباب ؟
 قلت:- هذا اشكال سيّال إذ لهذا المورد نظائر كثيرة ولكن الذي نقوله هو أن مدرك حجيّة الإطلاق هو السيرة العقلائية يكون انعقادها في هذا المورد الذي يلزم فيه مخالفة أحد ظهورين - إما الظهور في الإطلاق أو الظهور في الالزام على التقييد مع التحفظ على الظهور في الوجوب أول الكلام بل الأمر مجمل من هذه الناحية ، وعليه فما كان من هذا القبيل يشكل فيه تقييد الإطلاق مع التحفظ على ظهور الأمر في الإلزام ، وعليه فالتقييد المذكور أمر في غير محله فتعود الرواية مجملة فلا يمكن التمسك بظهورها في الإلزام بل يحتمل أن يكون المقصود منها الاستحباب ويكفينا الاحتمال.
 الرواية الثانية:- موثقة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام ( خذ من شعرك إذا أزمعت على الحج شوّال كلّه إلى غرّة ذي القعدة ) [2] والمناقشة فيها تكاد تكون واضحة فإن غاية ما دلّت عليه هي إباحة الأخذ من الشعر من دون حزازة ومبغوضية مادام لم يدخل شهر ذي القعدة وبالمفهوم تدل على أنه إذا دخل شهر ذي القعدة فتوجد حزازة ، أما ما هي الحزازة والمبغوضية فهل هي بالغة درجة الحرمة أو الكراهة ؟ إنه شيء مسكوت عنه ، فالرواية لم تقل ( خذ من شعرك من دون حرمة إلى شوال كله ) وإنما قالت ( خذ ) يعني أنه مباح ومن دون مبغوضية ولكن درجة المبغوضية مسكوت عنها.


[1] الوسائل 12 315 2 من أبواب الاحرام ح1.
[2] المصدر السابق ح2.