جلسة 92

مفطرات الصوم

رابعاً: أنّه في فكرة الترتّب يفترض أن عدم أحد الضدين ليس جزءاً من الضد الآخر، بل هو أمر خارج عنه، كما هو الحال في الصلاة والإزالة، فإنّ عدم الإزالة ليس جزءاً من الصلاة، وهذا بخلافه في المقام فإنّ عدم التقيؤ جزء من الصوم، إذ هو عبارة عن مجموعة تروك، فحقيقة الصوم ترك الأكل وترك الشرب وترك القيء و...، فترك القيء جزء من حقيقة الصوم، ومعه كيف تطبق فكرة الترتب؟

ويمكن الجواب على ذلك بأنّ الفارق المذكور بين المقامين لو تمّ وسلمنا به فهو ليس بمؤثّر، إذ لم يرد دليل على اختصاص فكرة الترتّب بما إذا كان التكليفان هما من قبيل الإزالة والصلاة، وإنما فكرة الترتّب هي فكرة عقلية حيث إنّ العقل يحكم بها في كل تكليفين نفسيين كان لدليلهما إطلاق، وهنا كذلك، فإنّ التكليف بالصوم والتكليف برد المغصوب كلاهما تكليف نفسي، فكما يجب الصوم يجب ردّ المغصوب، وفي مثله يحكم العقل بأنّ الأهم هو المقدّم، فلو كان الأهم ردّ المغصوب فيقدّم الأمر به ويكون الأمر بالصوم مشروطاً بعصيان ذاك.

وبالجملة: لا يوجد دليل يوجب تخصيص فكرة الترتّب بالصلاة والإزالة وما شاكلهما.

بقيت هناك أمور ثلاثة ينبغي الإشارة إليها لتتمّ بذلك هذه المسألة:

الأمر الأوّل: إنّ إخراج المغصوب قد ينحصر بالتقيؤ، وقد يفترض وجود طريق آخر للإخراج غير التقيؤ، وعلى هذا قد يفصّل في المسألة ويقال: إن كان هناك طريق آخر فالصوم يقع صحيحاً، إذ لا يكون المكلف آنذاك مأموراً بالتقيؤ حتى يتنافى ذلك مع الأمر بالصوم، إذ حسب الفرض هناك طريق آخر غير التقيؤ، بخلاف ما إذا انحصر الطريق بالتقيء فإنّ المكلف يكون آنذاك مأموراً بالتقيؤ، وبالتالي لا يمكن أن يكون مأموراً بالصوم فيقع الصوم باطلاً.

هكذا قد يفصّل، إلاّ أنّه قد اتضح ـ حسبما تقدم ـ أنّ الصوم صحيح حتى في حالة الانحصار تمسّكاً بفكرة الأمر الترتبي، ومن هنا أشار السيد الماتن إلى رد التفصيل المذكور بقوله: كما أنّه لا فرق بين ما إذا انحصر إخراج ما ابتلعه بالقيء وعدم الانحصار به.

الأمر الثاني: قد يفصّل في المسألة أيضاً بين ما إذا كان الصوم واجباً بنحو الوجوب المعين، وبين ما إذا كان واجباً لا بنحو التعيين، فإن كان واجباً لا بنحو التعيين وقع صحيحاً؛ لأنّ المكلف وإن كان مأموراً بالقيء ولكن ذلك لا ينافي أمره بالصوم، إذ المفروض أنّه يتمكّن من الصوم في يوم آخر، فيقال له هكذا: تقيّأ في هذا اليوم وصم ولو في يوم آخر من دون إلزام بصوم هذا اليوم، ومن الواضح أنّ تَوجّه أمرين بهذا الشكل لا إشكال فيه، ومعه يكون بإمكان المكلف صوم هذا اليوم قاصداً به امتثال الأمر الكلّي. أمّا إذا كان معيناً فيقع باطلاً؛ لأنّه لا يمكن أمره بصوم هذا اليوم بخصوصه بعد فرض أمره بالقيء، هكذا قد يفصل.

ولكنّ التفصيل المذكور باطل لإمكان الحكم بالصحة حتى في حالة الواجب المعين تمسكاً بفكرة الترتّب، وإلى هذا أشار السيد الماتن بقوله: من غير فرق في ذلك بين الواجب المعيّن وغيره.

الأمر الثالث: قد ورد في عبارة المتن التعبير بقوله: إذا ابتلع في الليل ما يجب قيؤه في النهار بطل صومه إذا أراد القيء نهاراً، لكنّه بناءً على ما ذكرناه قد يقال: إنّ المناسب إجراء إضافة على هذه العبارة بحيث تصبح هكذا: إذا ابتلع في الليل ما يجب قيؤه في النهار بطل صومه إذا فاءه بالفعل أو أراد القيء نهاراً وإن لم يقئ بالفعل، ولكنّه ـ قدّس سرّه ـ لم يجرِ هذه الإضافة باعتبار أنّ القيء بالفعل يلازم عادةً سبق إرادة القيء، ولذا اكتفى ـ قدّس سرّه ـ بإرادة القيء.

مسألة 1003: ليس من المفطرات مصّ الخاتم، ومضغ الطعام للصبي، وذوق المرق، ونحوها ممّا لا يتعدّى إلى الحلق أو تعدّى من غير قصد أو نسياناً للصوم، أمّا ما يتعدى ـ عمداً ـ فمبطل وإن قلّ، ومنه ما يستعمل في بعض البلاد المسمّى عندهم بالنسوار ـ على ما قيل ـ وكذا لا بأس بمضغ العلك وإن وجد له طعماً في ريقه ما لم يكن لتفتت أجزائه، ولا بمصّ لسان الزوج والزوجة، والأحوط الاقتصار على صورة ما إذا لم تكن عليه رطوبة [1].

تشتمل المسألة المذكورة على النقاط التالية:

النقطة الأولى: لا يضرّ مصّ الخاتم بصحة الصوم؛ وذلك لوجهين:

الأوّل: التمسك بفكرة القصور في المقتضي، بمعنى أنّه لم يذكر في النصوص مفطرية مصّ الخاتم، وحيث لا دليل على مفطريته فهناك قصور من هذه الناحية، فيرجع إلى الأصل وهو الإطلاق اللفظي إن كان ـ والذي يعبر عنه بالدليل الاجتهادي ـ والأصل العملي المعبر عنه بالدليل الفقاهتي، فيرجع إليه عند عدم الدليل الاجتهادي، ولكن في مقامنا يوجد إطلاق لفظي ينفي مفطرية مصّ الخاتم، وهو صحيحة محمّد بن مسلم المتقدمة [2] فإنّ مقتضى إطلاقها أنّ غير الثلاث لا يضرّ بالصوم حتى مصّ الخاتم. ولكن لو فرض عدم الإطلاق اللفظي المذكور نرجع إلى أصل البراءة حيث نشك في مانعية مصّ الخاتم للصوم أو نشك في شرطية عدمه فنتمسك بالبراءة لنفي المانعية المشكوكة أو الشرطية المشكوكة.

ولك أن تقول هكذا: إنّ الصوم عبارة عن وجوبات متعددة متعلّقة بتروك مختلفة، فيجب ترك الأكل، ويجب ترك الشرب، ويجب ترك الجماع...، ونحن نشك هل هناك وجوب آخر متعلق بترك مصّ الخاتم أو لا، فنجري البراءة عن ذلك الوجوب المشكوك.

الثاني: على تقدير تمامية المقتضي وافتراض أن لا إطلاق لفظي ولا أصل عملي، فيمكن التمسك بالنصّ الخاصّ، وهو صحيحة عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ: في الرجل يعطش في شهر رمضان، قال: «لا بأس بأن يمصّ الخاتم» [3].

ولعل المنشأ لتخصيص الفقهاء مصّ الخاتم بالذكر هو هذه الصحيحة وما شاكلها، وإلا فلماذا الإشارة إليه بالخصوص دون غيره؟

_________________________

[1] منهاج الصالحين 1: 268، كتاب الصوم، المفطرات.

[2] وسائل الشيعة 10: 31، أبواب ما يمسك عنه الصائم، ب1، ح1.

[3] وسائل الشيعة 10: 109، أبواب ما يمسك عنه الصائم، ب40، ح1.