جلسة 45

المفطرات

الوجه الثاني: التمسك برواية المروزي التي رواها الشيخ الطوسي ـ قدس سرّه ـ بإسناده عن محمد بن الحسن الصفّار، عن محمد بن عيسى، عن سليمان بن جعفر المروزي قال: سمعته يقول: «إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان أو استنشق متعمّداً أو شم رائحة غليظة أو كنس بيتاً فدخل في أنفه وحلقه غبار فعليه صوم شهرين متتابعين، فإنّ ذلك له مفطّر مثل الأكل والشرب والنكاح»[1] .

والظاهر أنّه لا إشكال في السند إلاّ من ناحية المروزي، فأنّ الصفّار معروف بوثاقته، وسند الشيخ إليه صحيح على ما في (المشيخة) و(الفهرست)، ومحمد بن عيسى هو ابن عبيد اليقطيني، ويمكن الحكم بوثاقته أيضاً، فالمشكلة تنحصر بالمروزي فأنّه لا يمكن إثبات وثاقته إلاّ من خلال وروده في أسانيد كتاب (كامل الزيارات)، فمن بنى على تمامية كبرى وثاقة كل من ورد في أسانيد الكتاب المذكور حكم بوثاقته، وإلاّ فالأمر مشكل من ناحيته، ثم أنه قد اُورد على الرواية ـ على تقدير تمامية سندها ـ بعدة إيرادات نذكر من بينها ما يلي:

الإيراد الأول: أنّ الرواية مضمرة حيث إنّ المروزي لم يقل: سمعت الإمام ـ عليه السلام ـ يقول ....، وإنما قال: سمعته، فذَكَرَ الضمير من غير تعيين مرجعه، وليس هو من أجلاء الأصحاب كزرارة حتى يقال: إنّه لا يروي إلاّ عن الإمام ـ عليه السلام ـ ومعه فتكون الرواية ساقطة عن الاعتبار للنكتة المذكورة.

وممن بنى على ذلك صاحب (المدارك)[2]، وصاحب (الحدائق)[3] رضوان الله عليهما.

وقد اُجيب عن الإشكال المذكور بجوابين:

الجواب الأول: أنّ الإضمار لا يضر بحجية الرواية؛ لأنّ سببه تقطيع الأخبار، فالراوي كان يسأل الإمام ـ عليه السلام ـ أسئلة متعددة إما في مجلس واحد أو في مجالس مختلفة، وحينما يراد بعد ذلك نقل ما سأله يذكر الإمام ـ عليه السلام ـ أولاً في البداية ثم يأخذ بعد ذلك بإرجاع الضمير إليه ويقال: وسألته، أو قلت له.... ونحو ذلك، بل نفس الراوي المذكور قد يأخذ بنقل بعض الفقرات فيقول آنذاك: سألته، من دون ذكر المسؤول باعتبار أنّه أراد نقل فقرة واحدة. وربما هذا التقطيع يحصل من أصحاب الحديث المتأخرين، سواءً من الشيخ مثلاً أو غيره فأنّهم حينما يبوبون الفقه إلى أبواب مختلفة فربما أحياناً يضطرون إلى تقطيع الخبر الواحد لتنقل كل فقرة في الباب المناسب لها، وعلى أي حال الإضمار قد نشأ بسبب التقطيع، إما من نفس الراوي أو ممن تأخر عنه، ومعه فلا يضر الإضمار بحجية الرواية. وممن بنى على ذلك صاحب (الجواهر) قدس سره[4].

الجواب الثاني: أنّ ذكر الأصحاب للرواية المذكورة ونحوها من المضمرات شهادة منهم بأنّها واردة من المعصوم، ومعه فنتمسك بهذه الشهادة. وممن بنى على ذلك الشيخ الهمداني[5] والسيد الحكيم[6] رضوان الله عليهما، واختاره السيد الخوئي[7] ـ رضوان الله عليه ـ أيضاً ولكن بعد إدخال تعديل عليه وتوضيحه بصيغة فنية، حاصلها: أنّ الشيخ الطوسي ـ قدس سرّه ـ قد ابتدأ في سند الحديث بالصفّار، حيث ورد في بداية سند الشيخ هكذا: محمد بن الحسن الصفّار، عن محمد بن عيسى، عن سليمان بن جعفر المروزي، وباتضاح هذا نضم مقدمة اُخرى وهي أنّ كل من ابتدأ الشيخُ السندَ باسمه وذكره في بداية السند فالحديث قد أخذه من نفس كتابه، فحينما ابتدأ الشيخ بالصفّار فذلك يعني أن الحديث قد أخذه من كتاب الصفّار؛ لأنّه قد صرح في بداية المشيخة ـ المذكورة في نهاية (التهذيب) ـ بذلك[8]، وبهذا سوف نخرج بهذه النتيجة وهي: أنّ الحديث المذكور مسجّل في كتاب الصفّار، ثم نضم إلى ذلك مقدمة اُخرى، وهي أنّه لا يحتمل في حق الصفّار صاحب المقام الرفيع أن يورد في كتابه حديثاً عن غير المعصوم عليه السلام، كيف والكتاب مؤلف لضبط روايات الأئمة عليهم السلام، وبذلك يثبت أنّ الحديث منقول عن الإمام ـ عليه السلام ـ بشهادة الصفّار. هذا ما أفيد في المقام.

وكلا الجوابين قابل للمناقشة.

أما الجواب الأول ـ الإضمار قد نشأ من تقطيع الروايات ـ فباعتبار أنّه تارةً نبحث عن نكتة شيوع ظاهرة الإضمار وأنها كيف شاعت وانتشرت في الأخبار؟ والنكتة هي التقطيع كما أفاده صاحب (الجواهر)، واُخرى نريد أن نسأل سؤالاً آخر لا يرتبط بنكتة شيوع ظاهرة الإضمار، بأن يقال: هل يمكن الجزم بأنّ المسؤول في البداية هو الإمام عليه السلام؟ وهنا لا تنفع ظاهرة التقطيع، إذ بالإمكان أن يكون المسؤول في البداية ليس هو الإمام عليه السلام، بل هو شخص آخر، وهذا يعني أنّ ظاهرة التقطيع لا تكفي وحدها لإثبات أنّ المسؤول هو الإمام عليه السلام، بل لابد وأن تُضاف إلى ذلك مقدمة اُخرى وهي أنّ المسؤول في البداية قبل أن يحصل التقطيع هو الإمام عليه السلام، وهذه هي النقطة المهمة، فمجرد التقطيع لا يكفي لإثبات حجية المضمرات إلاّ إذا أثبتنا أنّ المسؤول في البداية هو الإمام عليه السلام، وأنّى لنا إثبات ذلك.

وإذا قلت: إنّ كون الإمام ـ عليه السلام ـ هو المسؤول ابتداءً قضية مفروغ عنها.

قلت: إذا كان الأمر كذلك فلا نحتاج إلى إبراز ظاهرة التقطيع، بل نقول من البداية إنّ المضمرات حجة لأنّ كون الإمام هو المسؤول قضية مفروغ عنها.

إذن، كان المناسب لصاحب (الجواهر) إثبات أنّ المسؤول في البداية هو الإمام عليه السلام، ومجرد دعوى التقطيع من دون إثبات ذلك غير نافعة. هذا كله في الجواب الأول.

____________________

[1] الوسائل 10: 69 ـ 70 ، أبواب ما يمسك عنه الصائم، ب 22، ح1. التهذيب 4: 188 / 620 / 28 إلاّ أنّ السند قد ذُكر هكذا: محمد بن الحسن الصفّار، عن محمد بن عيسى قال: حدثني سليمان بن حفص المروزي قال: سمعته......

[2] مدارك الأحكام 6: 52.

[3] الحدائق الناضرة 13: 72.

[4] جواهر الكلام 16: 233.

[5] مصباح الفقيه 14: 397.

[6] مستمسك العروة الوثقى 8: 259.

[7] مستند العروة الوثقى1 : 146.

[8] التهذيب10: 281، حيث قال ما نصه: (واقتصرنا من إيراد الخبر على الابتداء بذكر المصنّف الذي أخذنا الخبر من كتابه أو صاحب الأصل الذي أخذنا الحديث من أصله).