جلسة 43

المفطرات

قلت: إنّ الترتب لو تصورناه فهو بين النهي عن الارتماس والأمر به، فالمولى يقول هكذا: لا ترتمس في شهر رمضان فإن عصيت فارتمس، وهذا الترتب باطل وذلك لعدة وجوه:

الوجه الأول: أنّ شرط تطبيق فكرة الترتب وجود تكليفين كل واحد منهما مطلق في نفسه، ولكن يُقيّد أحدهما بعصيان الآخر بعد فرض أنّه مطلق في نفسه، كما في الأمر بالصلاة والأمر بالإزالة، فأنّ دليل الصلاة مطلق في حد ذاته وبقطع النظر عن الأمر بالإزالة، وهكذا الأمر بالإزالة مطلق في حد نفسه فإذا اجتمعا في وقت واحد فيقيّد الأمر بالصلاة بعصيان الأمر بالإزالة، فإذا عُصي الأمر بالإزالة حكم بتحقّق الأمر بالصلاة.

وإذا سُئلنا: كيف حكمتم بتحقّق الأمر بالصلاة وما هو المدرك في ذلك؟

وبكلمة أصرح أنّ التكليف بالصلاة هو بيد الله ـ سبحانه وتعالى ـ وليس تحت اختيارنا حتى نقول: إذا عُصي الأمر بالإزالة حكم بتحقّق الأمر بالصلاة، إنّه من أين يحكم بتحقّق الأمر بالصلاة؟

أجبنا: أنّ الأمر بالصلاة ثابت في الكتاب والسنة بشكل مطلق، فكم هي الأوامر التي تقول: أقم الصلاة، وليس الأمر المذكور مقيّداً بحالة عدم وجود النجاسة في المسجد حتى يقال: إنّه مع وجود النجاسة لا أمر شرعي بالصلاة فمن أين أتيت به؟ كلا أنّ الأمر بهما معاً ثابت بنحو مطلق ولكن لضيق القدرة لابدّ من تقييد إحداهما، وحيث إنّ الإزالة أهم فالتقييد نوجهه إلى الأمر بالصلاة ونقول: إنّ المكلّف مأمور بالإزالة بأمر مطلق، وأما أمره بالصلاة فهو مقيّد بعصيان الأمر بالإزالة. هذا في المثال المذكور.

وأما في مقامنا فلا يوجد أمر مطلق بالغُسل الارتماسي؛ لأنّ الأوامر المطلقة بالارتماس هي مقيّدة بغير شهر رمضان لفرض وجود النهي عن الارتماس في شهر رمضان، فالأمر بالارتماس هو في ذاته ضيق وليس واسعاً، أي أنّه بقرينة النهي عن الارتماس في شهر رمضان نفهم أنّ الأمر بالارتماس في شهر رمضان ليس مطلقاً بل هو مقيّد بغير شهر رمضان، وشرط تطبيق فكرة الترتب كون كل أمر مطلقاً وإلاّ ـ أي إذا لم يكن مطلقاً في حد ذاته ـ فكيف نقول: إنّ التكليف بالمهم ثابت في حالة عصيان الأمر بالأهم؟

إذاً من خلال هذا سوف نخرج بقضية كلية مهمة وهي أنّ مورد الترتب ينحصر بحالة وجود تكليفين مطلقين في حد نفسهما، ولا يشمل ما إذا كان أحد التكليفين مقيّداً من البداية كما هو الحال في المقام.

الوجه الثاني: أنّ شرط تطبيق فكرة الترتب أن لا يكون المورد مصداقاً للتناقض، فأنّه في مورد المتناقضين لا يمكن الترتب في نفسه، فلا يمكن أن يقال: اسكن فإن عصيت فتحرك، إذ بعصيان الأمر بالسكون يكون التحرك حاصلاً قهراً، ولا معنى للأمر به آنذاك؛ لإنّه أمر بتحصيل الحاصل، وفي مقامنا نقول: إنّ فعل الارتماس وتركه متناقضان ولا يمكن أن يقال: لا ترتمس فإن عصيت فارتمس، إذ بعصيان النهي عن الارتماس يحصل الارتماس قهراً، ولا معنى للأمر به آنذاك؛ لإنّه أمر بما هو حاصل.

نعم قد يدغدغ في المقام ويقال: إنّ الكبرى المذكورة صحيحة، وهي أنه يلزم في موارد الترتب أن يكون للضدين ولا يعقل تطبيقها في موارد عدم الثالث، ولكن يمكن أن يقال في المقام بتحقق الضد الثالث باعتبار أنّ المكلّف إذا عصى النهي عن الارتماس فهناك حصتان إحداهما هي الارتماس عن قربة، والاُخرى هي الارتماس لا عن قربة، بل يقصد اللعب أو شيء آخر، والمولى آنذاك يقول: إنّ عصيت النهي عن الارتماس فحقّق آنذاك الارتماس القربي ولا تصر إلى الارتماس غير القربي، وبناءً على هذا لا يكون الأمر بالارتماس أمراً بتحصيل ما هو حاصل. وهذه نكتة ظريفة ينبغي الالتفات إليها.

الوجه الثالث: أنّ شرط تطبيق فكرة الترتب عدم وجود النهي، إذ مع وجوده لا يمكن الأمر حتى بنحو الترتب؛ لأنّه يلزم آنذاك توجه الأمر والنهي إلى شيء واحد، وهو مستحيل، ففي مثال الأمر بالصلاة والإزالة يشترط لصحة تطبيق فكرة الترتب أن لا نبني على أنّ الأمر بالإزالة يقتضي النهي عن الضد الخاص وهو فعل الصلاة، إذ بناءً على الاقتضاء تكون الصلاة منهياً عنها، ومع النهي عنها كيف يأمر بها، فلا يمكن أن يقال: لا تصلِّ وصلِّ.

وهذا من جملة الشرائط العامة لتطبيق فكرة الترتب، وحاصله: أنّ شرط إمكان تطبيق فكرة الترتب عدم القول باقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن ضده الخاص، إذ مع النهي عن الضد لا يمكن الأمر به، وفي المقام نقول: مع فرض النهي عن الارتماس للصائم في شهر رمضان كيف يمكن توجه الأمر بالارتماس إليه؟ أنّه أمر غير ممكن للزوم صيرورة المنهي عنه مأموراً به.

والنتيجة من كل هذا أنّ فكرة الترتب لا يمكن تطبيقها في المقام لما أشرنا إليه في الوجه الأول والثالث، وأما ما أشرنا إليه في الوجه الثاني فقد ذكرنا أنّ الكبرى وإن كانت تامة، ولكن كون المقام صغرى لها قابل للتأمل والمنع.

هذا كله لو أردنا أن نصور الترتب بين الأمر بالارتماس والنهي عنه، وإذا اُريد تصويره بلحاظ الصوم ـ كأن يقال هكذا: صم مقيداً بعدم الارتماس فإن عصيت فصم مع الارتماس ـ فالجواب هو الجواب ولا أقل من ناحية الوجه الأول، إذ الأمر بالصوم هو من البداية مقيّد بعدم الارتماس ولا يوجد أمر مطلق ليقال بثبوته في حالة عصيان التكليف الآخر.