33/08/04


تحمیل
 الموضـوع:- مسـألــة ( 343 ) / أحكــام السـعي / الواجـب الرابـع مـن واجبـات عمـرة التمـتع ( السعي ) / باب السعي / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 وكل الروايات الثلاث هي صحاح السند.
 وهناك قضية ترتبط بالرواية الأولى نشير إليها من الأن لأنا سوف ننتفع بها فيما بعد:- وهي أن هذه الرواية الأولى رواها الشيخ الكليني بسند ينتهي إلى العلاء بن رزين والشيخ الطوسي نقلها عن الكليني كذلك - أي تنتهي إلى العلاء بن رزين عن الامام عليه السلام - بينما الشيخ الصدوق رواها بسنده عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام . إذن عين الرواية قد رواها الشيخ الصدوق ولكن ليس الراوي المباشر عن الامام عليه السلام هو العلاء وإنما هو محمد بن مسلم ، وواضح أن هذا المقدار لا يؤثر لأنه سواء رواها العلاء عن الامام مباشرة أو رواها بواسطة محمد بن مسلم بعدما كان كلا الرجلين ثقة ، ولكن يؤثر فيما سأشير إليه فيما بعد انشاء الله تعالى فانتظر.
 وإذا عرفنا الروايات نأتي إلى كلمات الأصحاب والمعروف بينهم أن التأخير إلى غدٍ لا يجوز - يعني أنه متى صدق عنوان الغدِ فلا يجوز - حتى أن صاحب الجواهر تشدد في تعبيره حيث قال ( يجوز التأخير إلى زمان سابق على صدق اسم الغدِ بلا خلاف أجده فيه ) [1] .
 هذا ولكن صاحب الشرائع له تعبير يوحي بأن التأخير إلى الغدِ شيء جائز وإنما الذي لا يجوز هو التأخير عن الغدِ ، وهذا شيء ملفت للنظر باعتبار عدم وجود رواية تدل عليه والصحيحة الأولى - أي صحيحة العلاء بن رزين - واضحة في أنه لا يجوز إلى الغدِ لا عن الغدِ فمن أين جاء صاحب الشرائع بهذا ؟! ونصّ عبارته هكذا ( من طاف كان بالخيار في تأخير السعي إلى الغدِ ثم لا يجوز مع القدرة ) [2] ، وعبارته كما ترى ظاهرة فيما ذكرناه - يعني أن التأخير إلى الغد جائز وإنما الذي لا يجوز هو التأخير عن الغد - ومن هنا وقع الكلام في كيفية توجيه عبارته المذكورة ، وقال الشهيد في الدروس ( إن ما ذكره المحقق مروي ) . وهذا يزيد في الإشكال فان الرواية كما عرفنا هي صحيحة ابن رزين وليس فيها ما ذكره ، اللهم إلا أن يكون مقصوده هو أنه والمحقق قد عثرا على رواية أخرى تدل على ذلك ونحن لم نعثر عليها ، أو أن مقصوده هو التمسك بالصحيحة الثانية أو الثالثة اللتين تدلان على جواز التأخير من دون تقييد بالغد . وعلى أي حال ذكر الشهيد(قده) أن ما ذكره المحقق شيء مروي وهذا لغز آخر.
 وربما وجِّه ما أفاده المحقق بشيء آخر وذلك بأن يقال:- إن الغاية في تعبيره خارجة عن المغيّا نظير أن يقول شخص ( أنا أبقى في كربلاء إلى يوم لجمعة ) فانه من الوجيه أن يكون مقصوده هو ( أني قبل يوم الجمعة سوف أغادر كربلاء ) فالجمعة ليست داخلة في فترة الاقامة والبقاء فما بعد الغاية خارج عن المغيّا ، وهنا أيضاً نقول كذلك إذ لعل مقصوده حينما قال ( كان بالخيار في تأخير السعي إلى الغد ) أن يكون قوله ( إلى الغد ) خارجاً عن الحكم بالخيار والجواز. والخلاصة:- ان عبارة المحقق وقعت محلاً للكلام وهي من الالغاز.
 وقال صاحب المدارك معلقاً على عبارة المحقق ( بل الأظهر عدم جواز تأخيره إلى الغد كما اختاره الشيخ في التهذيب والمصنف في النافع وغيرهم من الأصحاب لصحيحة العلاء .... ) [3] ، وقال في الحدائق ( المشهور بين الأصحاب أنه لا يجوز تأخير السعي عن الطواف إلى الغدِ ، وقال المحقق:- يجوز تأخيره إلى الغدِ ولا يجوز عن الغدِ . والأظهر القول المشهور ويدل عليه ..... وأما ما ذهب إليه المحقق فلم نقف له على مستند إلا أن شيخنا الشهيد في الدروس قال بعد نقل ذلك عن المحقق:- وهو مروي . ولعل الرواية وصلت إليه ولم تصل الينا ) [4] .
 وقال في الجواهر ( يجوز التأخير إلى زمانٍ سابقٍ على صدق اسم الغدِ بلا خلاف أجده فيه للأصل وصحيح ....... إلّا من ظاهر المتن [5] وربما نزّل على خروج الغاية [6] ) [7] . هذا من حيث الروايات وكلمات الأصحاب.
 وبعد هذا نقول:- إن صاحب الجواهر ذكر كلمة الأصل حيث قال ( يجوز التأخير إلى زمان سابق على صدق اسم الغد للأصل ) فماذا يقصد منه ، وماذا يقتضي ؟
 والجواب:- إذا لاحظنا الأصل العملي فالمناسب ما هو ؟ فهل يجب الاسراع في السعي أو يجوز التأخير ساعة أو أكثر ؟ المناسب هو البراءة إذ الذي اشتغلت به ذمتنا جزماً هو أصل الطواف والسعي وأما الموالاة بينهما فهو تكليف وقيد زائد نشك في اشتغال الذمة به فيكون مجرى لحديث ( رفع عن أمتي ما لا يعلمون ) ، هذا هو المناسب بمقتضى الأصل العملي.
 ولكن قد يقال:- هناك شيء آخر يقتضي الموالاة قبل أن نصل إلى الأصل العملي ، يعني لو كنا نحن والأصل العملي فالأمر كما ذكرتم ولكن قبل أن نصل إليه هناك شيء يقتضي اعتبار الموالاة وهو أن التكليف قد تعلق بعنوان الحج واسم الحج فيلزم أن لا تتحقق فواصل بين أجزاءه كي يصدق العنوان المذكور كما هو الحال في باب الصلاة فانه لا يجوز أن تقع فواصل كبيرة بين الركوع والسجود أو بين السجود والقراءة ...... وهكذا فلو فرض أن شخصاً ركع ثم رفع رأسه وقال ( سمع الله لمن حمده ) وبقي يسبح الله ويقدسه واستمر وقتاً طويلاً كربع ساعة مثلاً فهل يجوز ذلك ؟ إنه مشكل لأن اسم الصلاة سوف يفوت ، فالفاصل الكبير بين أجزاء الصلاة لا يجوز إذ يفوت بذلك اسمها ، فانه كما نقول بهذا في باب الصلاة فلنقل به في باب الحجّ - أي يلزم أن لا تقع فواصل كبيرة بين الأجزاء حتى لا يفوت اسم الحج - وهذا معناه أن النوبة لا تصل إلى الأصل العملي حتى نجري البراءة بل لأجل إحراز صدق عنوان الحج فلابد من تقليل الفواصل بين الأجزاء.
 ولكن قد يجاب عن ذلك ويقال:- إن كلمة الحج عبارة عن القصد وليست اسماً لهذا المجموع المركب ، فالآية الكريمة حينما قالت (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ) فهي تقصد من الحج قصد البيت لأداء المناسك ، فكلمة ( الحج ) إذن عبارة عن القصد وليست عبارة عن هذا المجموع حتى تقول يلزم تحقق وحدة اعتبارية بين هذه الاجزاء.
 ومع التنزل وتسليم أن كلمة الحَج أو الحِج وان كانت في أصل اللغة عبارة عن القصد ولكن بعد ذلك تحولت إلى وضع جديد وصارت اسماً للموضوع المركب ومعه عاد الاشكال من جديد فان النصوص الأخرى التي أوجبت عنوان الحج تكون منصرفة إلى هذا العنوان الجديد وظاهرة فيه ، فلو كنا وما عليه اللغة فالأمر كما تقول ولكن حصلت عملية تحوّل والحكم قد انصب على هذا العنوان بعد أن تحوّل إلى هذا المعنى الجديد فاذا أُشكل هكذا ؟
 أجيب:- صحيح أنه قد حصل تحول فان هذا ليس أمراً بعيداً ولكن هذا العنوان- أي عنوان الحِج أو الحَج - أخذ كمشيرٍ إلى تلك الأجزاء لا أن له الموضوعية ، فحينما تحكم النصوص مثلاً على أن الحج واجب على من له زاد وراحلة وسائر الشرائط يكون المقصود منه الإشارة إلى تلك الأجزاء من الإحرام والطواف والسعي ... وباقي الأجزاء - يعني واقع الأجزاء - فبالتالي لا يلزم تحصيل عنوان الحج حتى يقال يلزم فيه تلك الوحدة الاعتبارية.
 إذن لأجل التخلص من الاشكال المذكور لنا جوابان هكذا قد يقال -.
 وما أفيد إلى الآن شيء له وجاهة ولكن يبقى كيف ندفع اشكال الفرق بين عنوان الصلاة وعنوان الحج ؟ فكيف تقول إن عنوان الحج أخذ بنحو المشيرية وليس بنحو الموضوعية وبذلك لا تلزم الموالاة بين الأجزاء ولكن في باب الصلاة تقول إن العنوان المذكور أخذ بنحو الموضوعية فانه يلزم أن يكن كلا الموردين من شاكلة واحدة فإما أن يكون كلا العنوانين بنحو المشيرية فيلزم عدم اعتبار الموالاة في أجزاء الصلاة - والحال أن الفقهاء لا يلتزمون بذلك - أو نقول إن كلا العنوانين أخذ بنحو الموضوعية وبذلك يلزم اعتبار الموالاة بين أجزاء الحج أيضاً ، إذن كيف نتخلص من هذا الاشكال ؟
 والجواب:- ولا مخلص من هذا الإشكال إلا أن يدّعى أنه في باب الحج توجد بعض المؤشرات التي هي في صالح المشيرية ولذلك لم نصِر إلى الموضوعية واعتبار الموالاة ، بينما مثل هذه المؤشرات ليست موجودة في باب الصلاة وتلك المؤشرات هي:-
 من قبيل:- إن بعض الفواصل مغتفرة في باب الحج بالاتفاق من قبيل أن من أتى بالإحرام فهل يلزم أن يأتي بالطواف بعد ساعة أو ساعتين أو يوم أو يومين ؟ كلا بل يجوز أن يؤخر الطواف ليوم أو يومين أو ثلاثة أو أكثر وهي شيء جائز بالاتفاق ، وهكذا من أتى بالسعي فيجوز له أن يؤخر التقصير بالاتفاق إلى يومٍ أو يومين وهذا مؤشر على أن عنوان الحج مأخوذ بنحو المشيرية.
 ومن قبيل:- إن من نسي أو جهل بالطواف أو بالسعي فلم يأتِ به فقد دلت الروايات على أنه يأتي به متى ما تذكر - إما بنفسه أو بالنيابة - وهذا معناه أن الموالاة ليست لازمه والوحدة التركيبية ليست معتبرة في باب الحج بخلافه في باب الصلاة فان من نسي بعض الأجزاء فإما أن يبطل عمله رأساً كما في الأركان أو أنه يُقضى كالتشهد والسجدة الواحدة بعد الصلاة ولكن فيما إذا لم يتحقق فاصل كبير.
 إذن هذه بعض المؤشرات التي ترشدنا إلى أن الموالاة والوحدة التركيبية ليست معتبرة في باب الحج.
 والخلاصة:- لابد من دفع الاشكال بالشكل الذي أشرت إليه من المؤشرات أو غيرها وإلّا فإشكال التفرقة بين باب الصلاة وباب الحج باقٍ على حاله فإما أن نعتر الموالاة في الاثنين معاً أو أن لا نعتبرها فيما معاً.
 وبعد أن اتضح ما يقتضيه الأصل نرجع إلى الروايات وكما نعرف أنه بعد وجود الروايات لا وجه لملاحظة الأصل ولكن هذا بحث علمي أحببنا الإشارة إليه.


[1] الجواهر 19 390.
[2] الشرائع المسألة الخامسة من باب الطواف.
[3] المدارك 2 185.
[4] الحدائق 16 294.
[5] أي من عبارة المحقق في الشرائع .
[6] وقد بينت لك كيفية أن الغاية خارجة عن المغيّا.
[7] الجواهر 19 390.