33/06/27


تحمیل
 الموضوع:- مسألة ( 329 ) / الواجب الثالث من واجبات عمرة التمتع ( صلاة الطواف )/ واجبات الطواف / باب الطواف / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 وبعد بيان الروايات نريد أن نعرف كيفية علاج هذا الاختلاف بينها والخروج بموقف شرعي ؟
 وقبل أن نبين ذلك يجدر أن نستذكر من جديد تلك الطوائف كعناوين ، فالطائفة الأولى هي ما دل على أن من ارتحل عن مكة ثم تذكر يأتي بالصلاة حيثما تذكر وكانت تحت هذه الطائفة أربع روايات ، والطائفة الثانية هي ما دل على أن من ارتحل عن مكة هو مخير بين أن يرجع فيأتي بالركعتين أو يستنيب وكانت تدل على ذلك رواية واحدة ، وجميع روايات هاتين الطائفتين صحيح ، والطائفة الثالثة ما دل على أن من كان في منى وتذكر فوات الركعتين أتى بهما في منى وكانت تدل على ذلك أربع روايات ولكن في رواية خامسة قالت ( إذا كان في منى يرجع ) ، والطائفة الرابعة ما دل على أن من وصل إلى الأبطح [1] يرجع إلى المقام ويأتي بالركعتين وكانت تدل على ذلك روايتان ، والطائفة الخامسة ما دل على أن من تذكر يصلى عنه وكانت تدل على ذلك رواية واحدة.
 وبعد أن عرفنا عناوين الطوائف نقول:- للأصحاب في المسألة أقوال ثلاثة أو أربعة [2] :-
 الأول:- ما نسب إلى جمع من الأصحاب ، وهو التفصيل بين من شق عليه العود إلى المقام فيصلي مكانه الذي تذكر فيه وبين من لم يشق عليه ذلك فيرجع ، وممن اختار ذلك المحقق في الشرائع وزاد في الجواهر ( اني لم أجد خلافاً في لزوم العود إذا لم يشق عليه ذلك ) [3] ، وكأنه يريد أن يقول ( ان محلّ الخلاف فيما إذا شق عليه الرجوع أما إذا لم يشق عليه فواضح أنه يرجع ).
 الثاني:- ما نسب إلى الشهيد(قده) وهو جعل المدار على التعذر دون المشقة ، فهو استعان بمصطلح التعذر دون مصطلح المشقة حيث قال ( ان لم يتعذر عليه العود وجب وان تعذر ذلك عاد إلى الحرم وصلى في الحرم وان تعذر ذلك أيضاً صلى مكانه ) ، هذا ما ينسب إلى الشهيد في الدروس.
 وليكن واضحاً لنا من الآن أن ما ذكره الشهيد(قده) ليس له مستند لأنه لم يذكر في الروايات فمن أين له القول بالرجوع إلى الحرم ؟
 ولكن لعل مقصوده من التعذر هو المشقة وبذلك لا يكون مخالفاً لرأي أصحاب الرأي الأول مخالفة تامة بل تكون نصف مخالفة فيتفق معهم في أنه إذا لم يشق الرجوع فيلزم الرجوع ، ويختلف معهم في حالة المشقة.
 الثالث:- ما نسب إلى الشيخ في المبسوط من أنه إذا شق عليه العود وجبت عليه الاستنابة - أي لا يصلي في مكانه كما في القول الأول -.
 القول الرابع:- وربما ينسب إلى الشيخ الصدوق(قده) قول رابع وهو الميل [4] إلى الصلاة حيثما تذكر [5] .
 ونلفت النظر إلى أن المعارضة الأساسية لا تبعد أن تكون بين الطائفة الأولى والثانية - أي بين الطائفة الأولى التي تقول يأتي بالصلاة في المكان الذي يتذكر فيه وبين الطائفة الثانية التي تقول يستنيب أو يرجع - أما الطائفة الثالثة والرابعة فليس لهما موقف مهم ويمكن غض النظر عنهما باعتبار أن الثالثة ناظرة إلى حصة معينة وهي التذكر في منى والرابعة ناظرة إلى من تذكر وهو في الأبطح وهي تفترض أن التذكر حصل في مكة فان الأبطح - كما قلنا - هو قرب أو داخل مكة . إذن المعارضة الأساسية هي بين الطائفة الأولى والثانية فلذلك لابد وأن يكون تسليط الأضواء على هاتين الطائفتين.
 وقبل أن نذكر ما هو المناسب في العلاج نقول:- ان رأي الشهيد(قده) قد ذكرنا سابقاً أنه لا دليل عليه من الروايات ، وقد اعترف بذلك عدد من الأصحاب كصاحب المدارك [6] وصاحب الحدائق [7] فمن أين له ذلك فانّا لا نعرف له وجهاً ؟!
 وأما بالنسبة إلى الرأي الأول:- وهو ما يدعى أنه الرأي المشهور - أعني التفصيل مع المشقة وعدمها فمعها يصلي في مكانه ومع عدمها يرجع إلى مكة - فلا مستند واضح له في الروايات فانها لم تفصّل بين المشقة وعدمها.
 اللهم إلا أن يوجه ذلك بما ينسب إلى الشيخ الطوسي فانه على ما ذكر صاحب الوسائل في ذيل الحديث الثامن قال:- ( أقول:- حمله الشيخ وغيره على من يشق عليه الرجوع ) أي حمل الطائفة الأولى على من يشق عليه الرجوع والتي قالت يأتي بالصلاة في مكانه ، ولكن ما هو المستند في حملها على ذلك ؟ لم يذكر في هذا المجال شيء.
 ولكن لعل المستند هو الرواية الأولى من روايات الطائفة الأولى وهي صحيحة أبي بصير فانها قالت ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل نسي أن يصلي ركعتي طواف الفرضة ..... قال:- ان كان ارتحل فاني لا أشق عليه ولا آمره أن يرجع ولكن يصلي حيث يذكر ) فانه ربما يكون الوجه في حمل الطائفة الأولى التي أمرت بالأداء في مكان التذكر هو هذه الصحيحة فانها قالت ( فاني لا أشق عليه ) وهذا معناه التفصيل بين المشقة وعدمها ، فانه لابد وأن يكون مستند الرأي الأول هو هذا وإلا فلا يوجد ما يفصّل بين المشقة وعدمها.
 ولكن يمن أن يقال:- ان هذا هو حكمة التشريع ، فالإمام عليه السلام يريد أن يقول ( بما أنه توجد مشقة في العود - والمشقة موجودة عادة فان الإنسان بعدما ارتحل ففي عوده شيء من المشقة - فعلى هذا الأساس لا آمره بالعود ).
 إذن المشقة المذكورة لا يراد من خلالها التفصيل بل يراد أن يبين من خلالها أنه عادة توجد مشقة ولو بدرجة مخفّفة في حق غالب الناس وعادةً فيكون الحكم مرتفعاً عن الجميع لا أنه عليه السلام يريد أن يفصّل بين من شق عليه وبين من لم يشق عليه ذلك ، وعليه فاستفادة التفصيل الذي ذكره أصحاب الرأي الأول شيء مشكل .
 وعلى هذا الأساس نقول:- المناسب هو الجمع بشكل آخر وذلك بالحمل على التخيير فانه أحد اساليب الجمع العرفي ، فان الطائفة الأولى قالت من ارتحل يصلي مكانه والثانية قالت ( من ارتحل يستنيب أو يرجع ) فنجمع بينهما بالتخيير ، بمعنى أنه عليه السلام يريد أن يخيّر المكلف بين أمور ثلاثة - أي بين أن يؤدي الصلاة مكانه وبين أن يرجع وبين أن يستنيب - وما دام الحكم هو التخيير فلا بأس بأن يذكر بعض الشقوق في بعض الروايات وبعض الشقوق الأخرى في البعض الآخر من الروايات ، وعلى أي حال الجمع بالتخيير هو أحد أساليب الجمع العرفي كما يذكره غير واحد من الفقهاء ، فان قبلنا بهذا فلا اشكال ، وأما إذا توقفنا في ذلك وقلنا أنه ليس جمعاً عرفياً فيصير التعارض آنذاك مستقراً وبذلك يحصل التساقط ويلزم الرجوع إلى الأصل والنتيجة كما هي ولا تتغير فانا نشك هل اشتغلت ذمتنا بخصوص الرجوع أو بخصوص الاستنابة أو بخصوص الأداء في المحل وهذا شك في الضيق الزائد فيرفع بالبراءة وتكون النتيجة هي التخيير بعد الجزم بأن الواجب ليس هو الجمع بينها وإنما الواجب هو أحدها جزماً ، وعليه يكون المناسب هو التخيير كما نسب إلى الشيخ الصدوق ، ولكن تحفظاً مما ذكره شيخ الجواهر نصير إلى الاحتياط ونقول ( في حالة عدم المشقة الأحوط العود إلى مكة ) ومنشأ الاحتياط هو دعوى صاحب الجواهر بعدم وجدان الخلاف . هكذا ينبغي أن تكون النتيجة.
 وقد عرفنا من خلال هذا أن هذه النتيجة لا تتأثر بالطائفة الثالثة والرابعة والخامسة ولذلك سلطنا الأضواء على الطائفة الأولى والثانية.


[1] وقلنا أن الأبطح الآن في مكة.
[2] وسيتضح سبب الترديد.
[3] الجواهر 19 - 303
[4] وهذا سبب الترديد في عدد الاقوال باعتبار انه هنا ميل إلى ذلك وليس حكماً .
[5] ويمكن مراجعة هذه الاقوال وملاحظتها في المدارك 8 135 ، والحدائق 16 141 ، والجواهر 19 303.
[6] المدارك 8 135.
[7] الحدائق 16 146.