33/06/08


تحمیل
 الموضوع :- الواجب الثالث من واجبات عمرة التمتع ( صلاة الطواف )/ واجبات الطواف / باب الطواف / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 ثم ان ههنا فرعاً فقهياً يرتبط بالمقام لم يشر إليه السيد الماتن(قده):- وهو أن الخلفيّة لو تعذرت وصلّى المكلف في بعض أجزاء المسجد التي لا يصدق عليها عنوان ( خلف المقام ) وبعد أن أنهى صلاته لاحظ أن الخلفيّة يمكن تحققها فهل يلزمه حينئذ اعادة الصلاة أو لا ؟
 والجواب:- المناسب عدم وجوب الاعادة ، باعتبار أن المطلوب منه ليس هو الصلاة خلف المقام في أي وقت أمكن وإنما المطلوب هو الصلاة خلف المقام عند الفراغ من الطواف بحيث يراعي الموالاة بين الطواف وبين الصلاة ، وما دامت الموالاة معتبرة فذلك يعني أن المدار هو على الخلفيّة حين الفراغ من الطواف والمفروض أنه حينما فرغ لم تكن الخلفيّة ممكنة وقد أدّى وظيفته المطلوبة منه والامكان الحاصل بعد ذلك لا يؤثر شيئاً .
 نعم لو لم تكن الموالاة معتبرة فمن اللازم آنذاك اعادة الصلاة لإمكان تحقق الطبيعي - الذي هو المطلوب - ما دام يمكن الإتيان ببعض أفراده ولو في زمن بعيد ، ولكن حيث أن المطلوب هو الموالاة فالمدار إذاً يكون على ملاحظة امكان الخلفيّة حين الفراغ من الطواف .
 أجل لو فرض أن المكلف بعد أن فرغ من الصلاة اتضح له أن الخلفيّة ممكنة حينما أدى الصلاة - أي أنها كانت ممكنة من البداية ولكن خفي عليه ذلك - ولكن اتضح له امكان الخلفيّة بعد الفراغ من الصلاة فيمكن أن يقال في مثله بوجوب الاعادة لأنه بعدما كانت الخلفيّة ممكنة فما أتى به لا يكون مصداقاً للواجب فلابد من اعادة الصلاة فقط ان لم تفت الموالاة العرفية واما إذا فرض فوتها فالمناسب اعادة الطواف أيضاً إذ ما أتى به من الطواف والصلاة لا يكون مصداقاً للواجب.
 النقطة الخامسة:- ان ما ذكرناه من اعتبار خلفية المقام هو فيما إذا كان الطواف واجباً ، وأما لو كان مستحباً فيمكن فعل الصلاة في أي مكان من المسجد.
 وقد ادعى صاحب الجواهر(قده) [1] بأنه لم يجد فيه خلافاً صريحاً نصّاً وفتوىً.
 وقد يوجَّه بفكرة القصور في المقتضي فيقال هكذا:- ان ما دل على اعتبار الخلفيّة هو خاص بالطواف الواجب ، وعليه فالطواف المستحب يعود بلا دليل يدل على لزوم أداء صلاته خلف المقام فنتمسك آنذاك بأصل البراءة.
 أما كيف أن دليل اعتبار الخلفيّة خاص بالطواف الواجب ؟
 ذلك باعتبار أنّا ذكرنا فيما سبق أن دليل اعتبار الخلفيّة هو صحيحة الحلبي وهي قالت هكذا ( انما نسك الذي يقرن بين الصفا والمروة مثل نسك المفرد ليس بأفضل منه إلا بسياق الهدي وعليه طواف بالبيت وصلاة ركعتين خلف المقام وسعي واحد بين الصفا والمروة وطواف بالبيت بعد الحج .... ) فانها دلت على أن حج الافراد يشترك مع حج القران في جميع الأجزاء ما عدى سياق الهدي والّا ففي كليهما يعتبر الطواف والسعي ...... وغيرهما من الأجزاء ومن أحدها الصلاة خلف المقام ، فهي قد دلت على اعتبار الخلفيّة بوضوح وهي كما ترى خاصة بالطواف الواجب فان المكلف بعد أن أحرم للحج يصير اكمال حجّه واجباً - ولو بسبب الشروع فيه - فيلزم الصلاة خلف المقام ، أما إذا فرض أن المكلف أراد أن يأتي بطوافٍ لوحده فلا تدل هذه الصحيحة على أنه لا بد وأن يؤتى بالصلاة خلف المقام بل هي ساكتة عن ذلك فنتمسك بالبراءة على اعتبار الخلفيّة . هكذا قد يقال.
 ويرد عليه ما أشرنا إليه غير مرّة:- وهو أن أصل البراءة لا يجري في باب المستحبات ، لأنه إذا أريد اجراءه في المقام فما الهدف من وراء اجراءه ؟ فهو اما لإثبات الأمان من العقاب لو أتي بالصلاة من دون أن تكون خلف المقام ، وجوابه واضح:- فانه في باب المستحبات لا يحتمل العقاب والّا كان واجباً وهو خلف المفروض ، أو يكون الهدف من إجراءه هو إثبات أن ما يؤتى به من الصلاة هو مصداق للمستحب وقد تحقق المستحب بكامله - أي تحقق الطواف المستحب مع صلاته بشكل مستحب - ، وهذا كما ترى أصل مثبت فان أصل البراءة يقول ( رفع عن أمتي ما لا يعلمون ) أما أن ما تأتي به متصف بأنه مستحب فهذا لا يدل عليه إلا بالملازمة غير الشرعية ، ولا يوجد هدف ثالث.
 ومن هذا القبيل:- ما لو شككنا في باب الاعتكاف أنه هل يعتبر أن يكون في المسجد الجامع أو لا يعتبر ؟ أو هل يلزم أن يكون ثلاثة أيام أو لا ؟ أو هل يلزم فيه عدم الخروج أو لا ؟ فإذا كان الاعتكاف واجباً فبالإمكان إجراء أصل البراءة حيث يقال:- نحن نشك هل اشتغلت ذمتنا بالاعتكاف المقيّد بعدم الخروج أو المقيد بالمسجد الجامع ...... وهكذا ؟ وبالتالي نقول:- هي قد اشتغلت في الجملة أي بالأعم من الواجد للقيد المذكور والفاقد له ، أما اشتغالها بخصوص الواجد للقيد فنشك في اشتغالها به فنجري البراءة ، ان هذا وجيه لو كان الاعتكاف واجباً ، وأما إذا مستحباً فلا يمكن ذلك لأن الهدف ان كان هو التأمين من العقوبة فالمفروض أنه لا عقوبة ، وان كان الهدف هو اثبات أنه مستحب وأنه مصداق للمستحب فهو أصل مثبت ، ولا هدف ثالث في البين.
 ومن هنا نخرج بقاعدة عامة:- وهي أنه في باب المستحبات لا معنى لإجراء أصل البراءة.
 إذن لا يمكن إثبات جواز الإتيان بصلاة الطواف المستحب في أي مكان من المسجد من باب التمسك بفكرة القصور في المقتضي وإنما الدليل على ذلك هو بعض الروايات من قبيل صحيحة اسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام ( كان أبي يقول:- من طاف بهذا البيت أسبوعاً وصلّى ركعتين في أي جوانب المسجد شاء كتب الله له ستة آلاف حسنة ومحى عنه ستة آلاف سيئة ورفع له ستة آلاف درجة وقضى له ستة آلاف حاجة فما عُجِّل منها فبرحمة الله وما أخّر منها فشوقاً إلى دعاءه ) [2] ، وتقريب الدلالة:- أنه اما أن نقول ان الحديث المذكور يفوح دلالةً على كونه ناظراً إلى الطواف المستحب فان هذه التعابير المذكورة كـ( ستة آلاف ) وغيرها لسانها لسان المستحب ، أو نقول هي مطلقة من هذه الناحية.
 وعلى الأول يثبت المطلوب:- إذ يصير ناظراً إلى خصوص الطواف المستحب وقد دلّ على جواز الصلاة في أي مكان من المسجد وصحيحة الحلبي السابقة الناظرة إلى الطواف الواجب تبقى خاصة بالواجب ولا معارضة في البين والدلالة تكون تامة.
 وعلى الثاني فهو قابل للتقييد:- أي أن صحيحة الحلبي تقيّد هذا الإطلاق فتعود هذه الصحيحة خاصة بالمستحب بعد اخراج الطواف الواجب منها ، وبذلك نصل إلى نفس النتيجة أيضاً.
 ومما يؤيد جواز ذلك في الطواف المستحب:- رواية زرارة عن أحدهما عليه السلام ( لا ينبغي أن تصلي ركعتي طواف الفريضة إلا عند مقام إبراهيم وأما التطوع فحيث شئت من المسجد ) [3] ، وهناك روايات أخرى تؤيد ذلك ، وإنما جعلنا هذه الرواية مؤيدةً باعتبار ورود المعلى بن محمد في سندها ، مضافاً الى الإرسال حيث ورد في السند ( عن بعض أصحابنا ) ، وعليه فلا اشكال في جواز الإتيان بصلاة الطواف المستحب في أي مكان من المسجد.
 بل قد تصعد اللهجة ويقال بصحة الإتيان بها ولو خارج المسجد وذلك لرواية أو صحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام ( سألته عن الرجل يطوف بعد الفجر فيصلي الركعتين خارجاً من المسجد ، قال:- يصلي بمكّة لا يخرج منها إلا أن ينسى فيصلي إذا رجع بالمسجد أيّ ساعة أحبّ ركعتي ذلك الطواف ) [4] إذن هي دالة بوضوح على جواز الإتيان بصلاة الطواف المستحب خارج المسجد ، نعم موردها هو من طاف بعد الفجر ولكنه قد ورد في كلام السائل وليس في كلام الامام فلو كان وارداً في كلام الامام لكنّا نحتمل الخصوصية له ونقيّد بما إذا كان بعد الفجر أما بعد أن كان في كلام السائل فلا نحتمل الخصوصية من هذه الناحية.
 نعم قد يشكل على الرواية بما أشار إليه صاحب الجواهر حيث قال ما نصه:- ( ولم أر مفتياً به فالعمل به مشكل ) [5] .
 ويمكن أن يعلق ويقال:- ان الأصحاب لم يتعرضوا إلى ذلك - يعني أن الطواف المستحب هل يجوز الإتيان بصلاته خارج المسجد أو لا - فانهم ساكتون عن ذلك والسكوت لا يدل على أنهم هاجرون لهذه الرواية - أي أن سكوتهم هو لازم أعم - وعليه فلا يمكن أن نستنتج الهجران ، وبالتالي يكون العمل بمضمونها شيء وجيه لو تمّ السند ، فان صاحب الوسائل قد رواها بطريقين أحدهما عن قرب الاسناد وفي هذا الطريق عبد الله بن الحسن - حفيد علي بن جعفر - وهو مجهول الحال ، ورواها بطريقٍ ثانٍ حيث قال ( ورواه علي بن جعفر في كتابه ).
 وقد ذكرنا أكثر من مرّة أن السيد الخوئي وهكذا السيد الشهيد ذكرا بأنه يمكن تصحيح الطريق إلى كتاب علي بن جعفر باعتبار أن صاحب الوسائل له طريق معتبر إلى جميع الكتب التي رواها الشيخ الطوسي في فهرسته ومشيخته وهذه الطرق موجودة في نهاية الوسائل ( في الفوائد ) وهي طرق صحيحة ، هذه مقدمة.
 ونذكر مقدمة أخرى فنقول :- وإذا رجعنا إلى الشيخ الطوسي وجدنا أن أحد الكتب التي يرويها هو كتاب علي بن جعفر وطريقه إليه صحيح في الفهرست والمشيخة وبذلك يتم لنا طريق معتبر إلى كتاب علي بن جعفر من خلال التركيب بين هاتين المرحلتين وبذلك حكما بأن طريق صاحب الوسائل إلى علي بن جعفر صحيح لا اشكال فيه.
 ولكن ذكرنا في بعض المحاضرات تعليقاً على ذلك وبالتالي يكون الطريق لدينا مشكل ولذلك ردّدنا بأنها رواية أو صحيحة اشارة إلى اختلاف المباني في ذلك.


[1] الجواهر 19- 320
[2] وقد ذكر صاحب الوسائل هذه الرواية في موردين أحدهما في الوسائل 13 426 73 من أبواب الطوا ح2 ، ولكن ذكر الحديث إلى فقرة ( كتب الله له ستة آلاف حسنة ) ولكن في نفس الوسائل 13 - 303 ب من أبواب الطواف ح6 نقل الحديث بالكامل ، وأنا نقلت الحديث من هذا المورد الثاني.
[3] المصدر السابق ح 1.
[4] المصدر السابق ح4.
[5] الجواهر 19 320.