33/04/12


تحمیل
 الموضوع :- الزيادة في الطواف / واجبات الطواف / باب الطواف / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 ثم انه قد غفلنا عن الإشارة إلى أمثلة الطائفة الثانية - أي المجوزة مطلقاً - كما غفلنا عن الإشارة إلى رواية رابعة كمثال للطائفة الأولى - أي المانعة مطلقاً - وبالتالي يصير عدد روايات الطائفة الأولى أربع.
 أما الطائفة الثانية ( أي المجوزة مطلقاً ):- فقد ذكر لها السيد الخوئي(قده) [1] صحيحة زرارة ( طفت مع أبي جعفر عليه السلام ثلاثة عشر أسبوعاً قرنها جميعاً وهو آخذ بيدي ثم خرج فتنحى ناحية فصلى ستّاً وعشرين ركعة وصليت معه ) وتمسك بها لإثبات الجواز المطلق في الفريضة والنافلة.
 والإشكال عليها واضح:-
 أولاً:- إنها تحكي عن فعل خارجي صدر من الإمام والإطلاق لا معنى له في الأفعال والقضايا الخارجية كما هو واضح.
 وثانياً:- بقطع النظر عن هذا فهناك قرينة على النظر إلى النافلة وهو العدد الذي ذكره - أعني ثلاثة عشر طوافاً - وهذا لا معنى له إلا في النافلة.
 ولعلك تقول:- يمكن أن نفترض أنه أتى بالفريضة ثم قرن بها النافلة ، فبالتالي تحقق القران في الفريضة والنافلة ، أي أن أحد الأسابيع أو اثنان فريضة والبقية نافلة.
 قلت:- إن هذا احتمال ضعيفٌ في حد نفسه ، فان من كان في أثناء العمل الواجب فانه يأتي بالأجزاء الواجبة أما أنه يضيف الأمور المستحبة بهذا العدد في الأثناء فهو ليس شيئاً متعارفاً.
 وكان الأنسب التمسك برواية أخرى:- وهي رواية علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام في قرب الإسناد ( وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يطوف الطوافين والثلاثة ولا يفرق بينهما بالصلاة حتى ثم يصلي لها جميعاً ؟ قال:- لا بأس غير أنه يُسلّم في كل ركعتين ) إنها مطلقة من ناحية الفريضة والنافلة ولم يخصص السؤال بخصوص أحدهما ، فالإطلاق فيها وجيه في حد نفسه.
 ولكن يرد عليه ما أشرنا إليه سابقاً:- من أنه لعل الإمام عليه السلام فهم من ذِكر الأسابيع الثلاثة والأربعة ضمن السؤال إرادة خصوص النافلة فان العدد المذكور لا يكون عادةً إلا في النافلة - كما قلنا - فلا يمكن أن نفهم العموم من الجواب بعد ترك الاستفصال.
 وعليه فكلتا الروايتين المذكورتين يشكل التمسك بهما كمثال للطائفة الثانية.
 وأما الرواية الرابعة التي هي مثال للطائفة الأولى:- فهي رواية علي بن جعفر ( سأل أخاه عليه السلام عن الرجل يطوف السبوع والسبوعين فلا يصلي ركعتيه حتى يبدو له أن يطوف أسبوعاً ، هل يصلح ذلك ؟ قال:- لا يصح حتى يصلي ركعتين السبوع الأوَّل ثم ليطوف ما أحب ) [2] فانه قد يفهم منها عدم جواز القران من دون فرق بين الفريضة والنافلة ، وان كان ظاهرها ربما يعطي شيئاً آخر وهو أنه لو صلى ركعتي الطواف الأوَّل فلا يضره آنذاك القران فيما يأتي مهما كان العدد.
 وعلى أي حال يرد عليها:- - بعد التأمل في سندها من حيث أنه قد ورد فيه عبد الله بن الحسن - حفيد علي بن جعفر - وهو لم يوثق - انه بعد غض النظر عن ذلك يرد أن هذه الرواية معارضة بالرواية السابقة ، ففي السابقة قد جوّز الإمام القران بشكل مطلق بينما هذه تمنعه ، بل يحتمل أنهما رواية واحدة إذ من البعيد أن يسأل علي بن جعفر مرتين عن قضية واحدة.
 ولكن المهم هو أن نقول:- إن كانتا روايتين فالمورد يصير مورد معارضة فتسقطان معاً بالمعارضة ، وان كانتا رواية واحدة فتسقط عن الاعتبار لا لأجل المعارضة بل لعدم تعيُّن ما هو الصادر من الإمام عليه السلام ، وهذه قضية فنية يجدر الالتفات إليها.
 ومن خلال هذا كله اتضح أنه لا يمكن الحكم بحرمة القران لضعف دلالة روايات التحريم ، كما ظهر ضعف ما أفاده السيد الخوئي(قده) لا من جهة الكبرى التي ذكرها بل من جهة الصغرى بالشكل الذي أوضحناه.
 وهذا الذي أشرنا إليه - أعني عدم ثبوت حرمة القران - وان كان هو المناسب للصناعة ولكن تحفظاً من مخالفة المشهور يجدر المصير إلى الاحتياط كما أشرنا.
 وقد نقل صاحب المدارك ( إن المحقق في النافع نسب حرمته وإبطاله الطواف في الفريضة إلى الشهرة ) [3] ، إذن يمكن أن ينسب إلى المشهور الحرمة في الفريضة ولأجل ذلك احتطنا ، ولكن نفس صاحب المدارك يظهر منه الميل إلى الكراهة في الفريضة دون النافلة وان كان صاحب الحدائق [4] فهم التردد في المسألة ولكن الذي فهمناه من عبارته هو الكراهة في الفريضة دون النافلة.
 وعلى أي حال لو بنينا على حرمة القران وإبطاله للطواف يقع السؤال:- هل الذي يبطل هو كلا الطوافين أو خصوص الثاني أو خصوص الأول ؟ بعد الالتفات إلى ملاحظة أن الروايات التي يمكن التمسك بها لحرمة القران منعت من القران مع السكوت عن كونه مؤثراً على الطواف الثاني أو على الطواف الأوًل ، فمثلا كان يقول الإمام في بعضها ( لا إلا أسبوع وركعتان ) وهذا اللسان لسان مجملٌ من هذه الناحية.
 قد يقال:- إن الباطل هو خصوص الثاني فان القران يتحقق به فيكون هو الباطل ولا موجب لبطلان الأول.
 ويرده:- إن هذا وجيه لو فرض أن النهي كان نهياً تكليفياً - أي بنحو الحرمة المولوية التكليفية - فحينئذ يقال إن القران المحرَّم حيث أنه يتحقق بالثاني فيكون هو المحرم ، ولكن استفادة الحرمة التكلفية - كما قلنا سابقاً - شيء مشكل فانه لا يظهر من الروايات ذلك ، وعلى هذا الأساس فالحرمة وضعيَّة - أي إرشاد إلى البطلان - إما ببيان أن النهي في باب المركبات ظاهر في الإرشاد إلى الفساد كما ادعى ذلك بعضٌ ، وهذه قاعدة من القواعد أيضاً ومستندها العرف وقد ادعاها الشيخ النائيني(قده) وجماعة وحاصلها ( إن النهي متى ما كان في باب المركبات فهو ظاهر في الإرشاد إلى المانعية والفساد ) فحينما يقال ( لا ترتمس في صوم شهر رمضان ) فيفهم من ذلك الإرشاد إلى أنه مبطلٌ ويفسد معه الصوم ، وهكذا حينما يقال ( لا تبع للصبي ) فهو إرشاد إلى شرطية البلوغ وأن صحة البيع مشروطة بالبلوغ ..... وهكذا ، ومستند هذه القاعدة هو الظهور العرفي ، أي لو رجعنا إلى العرف فانه يرى مثل الظهور المذكور ، فإذا قبلنا بهذا فيكون مستند استظهار الفساد في باب القران هو هذا الظهور العرفي المدَّعى فان الحج والطواف أمر مركب فالنهي عن القران ظاهر في الإرشاد إلى المانعية أو الفساد.
 أو نقول:- حيث أن هناك إجماعاً مسلّماً على عدم الحرمة - لو ثبت هذا الإجماع - فيكون قرينة على حمل النهي على الإرشاد بعد بطلان احتمال الحرمة التكليفية من جهة الإجماع.
 وعلى أي حال إن احتمال كون الباطل هو خصوص الطواف الثاني هو بناءً على كون حرمة تكليفية ، ولكن يمكن أن يقال أنها إرشادية لأحد هذين البيانين.
 والمناسب آنذاك هو بطلان كلا الطوافين إما لأن نسبة القران إلى كليهما على حدٍّ واحد فالمناسب بطلانهما معاً ، أو أن نفترض أن الباطل هو خصوص أحدهما وحيث لم يتعين فيحصل علم إجمالي ببطلان أحدهما والنتيجة تعود نفسها ، أي يلزم إعادة الطواف من جديد بعد تشكل العلم الإجمالي.


[1] المعتمد.
[2] المصدر السابق ح8.
[3] المدارك 8 139.
[4] الحدائق 16 192.