33/03/25


تحمیل
 الموضوع :-

مسألة (307 ) / واجبات الطواف / باب الطواف / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 مسألة (307 ):- إذا خرج الطائف من المطاف إلى الخارج قبل تجاوز النصف من دون عذر فان فاتته الموالاة العرفية بطل طوافه ولزمه إعادته ، وان لم تفت الموالاة أو كان خروجه بعد تجاوز النصف فلأحوط إتمام الطواف ثم إعادته.

 تتعرض هذه المسألة إلى الخروج عن المطاف ولكن لا إلى الكعبة أو الشاذروان أو حِجر إسماعيل كما كان يفرض ذلك في المسائل الثلاث السابقة وإنما يخرج من المطاف إلى خارج البيت الحرام كأن يذهب إلى منطقة الصفا والمروة فإنها خارجة من المسجد وليست مطافاً أو يفترض أنه يخرج خارج المسجد بتمام معنى الكلمة ان هذه المسألة تتعرض إلى ذلك ، والكلام أيضاً هو فيما إذا فرض أن الخروج كان لا لعذرٍ إذ لو كان لعذر كما إذا طرأ الحدث أو الخبث فهذا قد تقدمت الإشارة إليه في بعض المسائل السابقة ، وكذلك فيما إذا فرض أن الخروج كان لعذرٍ غير الحدث والخبث كأن كان لقضاء حاجة مؤمن أو كان لأجل أنه أصابه صداع مثلاً فان هذا سيأتي الحديث عنه في المسائل الآتية إنشاء الله تعالى .
 إذن محل الكلام الآن هو ما إذا تحقق الخروج عن المسجد الحرام عبثاً وليس لأجل حاجة أو عذرٍ شرعي أو عرفي أو غير ذلك فهل يبطل الطواف بهذا الخروج أو لا ؟
 وكان من المناسب له(قده) أن يبحث مسألة أخرى قريبة من هذه المسألة وهي:- هل يجوز قطع الطواف عبثاً ؟ أي هل أنه مأثوم تكليفاً أو أنه مباح ولا إثم عليه ؟ ان هذه مسألة ربما يكون المناسب الإشارة إليها - أي بيان الحكم التكليفي - بينما الذي تعرض إليه(قده) ليس هو الجواز التكليفي وإنما ما يترتب على الخروج - أي هل يبطل الطواف أو لا - ونحن نسأل ونقول:- هل الخروج جائز أو لا - بغض النظر عن بطلانه وعدمه وقبل أن نصل إلى مرحلة البطلان ؟ لم ترد رواية تدل على الحرمة - أي حرمة قطع الطواف عبثاً - وأقصى ما يمكن التمسك به هو الحديث النبوي المتقدم الذي يقول ( الطواف بالبيت صلاة ) بدعوى أنه يُنَزِّل الطواف منزلة الصلاة ومقتضى إطلاق التنزيل أنه تنزيل بلحاظ جميع الآثار وليس لأثرٍ دون آخر ومن جملة آثار الصلاة حرمة قطعها عبثاً وبذلك يثبت حرمة قطع الطواف عبثاً.
 ولكن يرد عليه:- من أن الحديث ضعيفٌ سنداً ، بل ذكرنا أنه ضعيف دلالةً باعتبار انصرافه إلى مسألة الثواب وأن الطواف مهمٌّ كالصلاة وهو بحكم الصلاة من حيث الثواب فالإكثار منه كأنه إكثار من الصلاة.
 ولو تنزلنا وسلمنا إطلاق التنزيل فيمكن أن نناقش مسألة الصلاة وهذا موكول إلى كتاب الصلاة ونقول:- من قال ان الصلاة يحرم قطعها عبثاً ؟ ان ذلك شيء لم ثبت [1] ولا دليل عليه وغاية ما يمكن التمسك به هو دعوى الإجماع على الحرمة ، وهو كما ترى كسائر الاجماعات فانه إذا تحقق حقاً فكونه تعبدياً وليس محتمل المدرك هو أوَّل الكلام ، وعليه يصعب إثبات حرمة قطع الطواف عبثاً.
 قال في الجواهر ( وأما قطع الطواف عمداً لا لغرض فقد يقوى جوازه في غير طواف الفريضة بناءً على جواز قطع صلاة النافلة كذلك لأن الطواف بالبيت صلاة ولكن الأحوط تركه بخلاف طواف الفريضة بناءً على حرمة القطع في الصلاة الواجبة وعلى استفادة ذلك من التشبيه المزبور ) [2] ، هذا بالنسبة إلى قطع الطواف عبثاً وقد اتضح أنه لا دليل على ذلك ومعه نرجع إلى الأصل وهو يقتضي البراءة ككل فعلٍ نشك في حرمته.
 ثم انه بعد أن ثبت جواز القطع يقع الكلام في أنه هل تكفي النيَّة لتحقق ذلك ؟ فلو فرض أن المكلف نوى قطع الطواف فهل أنه بمجرد النية يحصل الانقطاع القهري وبالتالي لا يجوز له أن يأتي بالأشواط اللاحقة بعنوان إتمام ما سبق باعتبار أنه قد انقطع ، وهذا السؤال نفسه يأتي في باب الصلاة فإذا فرض أن المكلف نوى قطع الصلاة فهل بمجرد النية مع فرض أنه لم يأت بالأجزاء الأخرى حال نية القطع وإنما نوى القطع لحظةً ولم يأت بالمنافي أيضاً فهل يتحقق القطع بحيث لا يمكن أن يأتي بالأجزاء اللاحقة بل لابد من إعادة الصلاة من جديد ؟ والجواب واحد فيهما ، ففي باب الصلاة يقال انه لا دليل على تحقق الانقطاع بمجرد نيَّة القطع وبالتالي إذا شككنا فنجري أصل البراءة ، فيشك أن نية القطع هل هي مانعة من صحة العمل وقد أخذ في متعلق التكليف عدم نية القطع فيجري أصل البراءة عن ذلك ككل شيء يُشك في مانعيته وبالتالي إذا رجع بسرعة عن نية القطع فله أن يواكب بقية الأجزاء بلا مانع . نعم إذا أتى ببعض الأجزاء مع نية القطع فقد وقعت باطلة من دون نيةٍ وهذا كلام آخر ومحل كلامنا هو فيما لو نوى القطع ورجع بسرعة من دون أن يأتي بالأجزاء التالية مع نية القطع فانه لا دليل على مانعية ذلك فيجري أصل البراءة.
 ونفس الكلام يأتي في مقامنا فيقال:- لا دليل على أن الطواف ينقطع بمجرد نيَّة القطع ، وبالتالي لو تراجع بسرعة وهو لم يَسِر بَعدُ فله أن يواكب الباقي من دون مانعٍ والنكتة هي نفس النكتة -أي التمسك بالبراءة -.
 ويترتب على هذا مطلب آخر وهو:- لو نوى المكلف القطع فقد قلنا أنه لا يتحقق الانقطاع ولكن قد تقول ان لازم هذا أنه لو أراد أن يأتي بطوافٍ جديدٍ فسيكون باطلاً لأنه قد تحققت منه الزيادة ونحن نعرف أن الزيادة في الطواف مبطلة للرواية الدالة على ذلك وهي صحيحة عبد الله بن محمد عن أبي الحسن عليه السلام ( الطواف المفروض إذا زدت عليه مثل الصلاة المفروضة إذا زدت عليها فعليك الإعادة وكذلك السعي ) [3] والوجه في لزوم بطلان الطواف هو أن ما سبق ما دام لا يبطل بمجرد نية القطع ولا يزول فالإتيان بطوافٍ كاملٍ سوف يصير مصداقاً للزيادة إذ قد فرض أنه قد أتى بشوطين مثلاً وهما لم يبطلا فإذا أتى بطوافٍ كاملٍ بنية القطع فقد أتى بتسعة أشواط فيكون ذلك مصداقاً للزيادة وبالتالي يبطل طوافه ، اللهم إلا إذا بنينا على اختلال الطواف بفوات الموالاة فبإمكانه - بعد نية القطع وحتى لا يقع في هذا المحذور - أن يجلس حتى تفوت الموالاة فإذا فاتت فحينذاك يشرع في الطواف الجديد أو أن يدخل الكعبة فانه من مبطلات الطواف على ما تقدم ، هكذا قد يقال.
 والمفروض أنَّا لا نبني على أن المولاة معتبرة فالحلُّ بتفويت الموالاة لا يُجدي على ما اخترناه وإنما يجدي على رأي الأعلام ودخول الكعبة أيضاً كذلك فحينئذ ما هو الحل ؟
 والجواب:- صحيح أن ما سبق لا يبطل بمجرد نيَّة القطع ولكن الإتيان بطوافٍ جديدٍ رغم عدم بطلان ما سبق يمكن أن يقال لا يصدق عليه عنوان الزيادة عرفاً فان تحديد صدق عنوان الزيادة يُرجَع فيه إلى العرف فان الشرع لم يحدد متى تصدق الزيادة وكيف تتحقق بل هي قضية متروكة إلى العرف ولا يبعد أن ندعي أن الزيادة تصدق عرفاً فيما إذا أتى المكلف بالشيء بعنوان ضمّه إلى ما أتى به بحيث يصيران شيئاً واحداً والمفروض أن المكلف لم يقصد الضم وإنما قصد الإتيان بطوافٍ جديدٍ فقصد الزيادة عرفاً ليس بثابتٍ ولو قيل لهذا الشخص أنت زدت في طوافك فيقول كلا أنا لم أئت بهذا الطواف بعنوان ( تكملة ) حتى يصدق عنوان الزيادة ولم أقصد الزيادة ، وحينئذ لا مشكلة هنا ما دام عنوان الزيادة يتوقف صدقه عرفاً على قصد الزيادة والضمّ ، وهذه قضية مهمة تحل لنا بعض المشكلات.
 وأأكد أن الزيادة لا تصدق عرفاً وقد أخذ في مفهوم الزيادة عرفاً عنوان قصد الزيادة وضمّ هذا إلى هذا ، وإذا سلمنا بهذا ففي مقامنا لا يلزم صدق عنوان الزيادة وبالتالي لا مشكلة في البين وتنحل مشكلة كثير من الناس خصوص من يذهبون في السنة الأولى فإنهم لا يعلمون أن مجرد نية القطع لا تحقق القطع فحينئذ على رأي الأعلام لو أتى بطوافٍ جديدٍ يكون هذا الطواف محلّاً للإشكال باعتبار أنه يصدق عليه عنوان الزيادة بينما على الذي ذكرناه فلا تكاد أن تكون هناك مشكلة لأن فرض الزيادة غير موجود.


[1] وقد تعرضنا إليه في كتاب دروس تمهيدية في الفقه الاستدلالي.
[2] الجواهر 19 340.
[3] الوسائل 13 366 34 من أبواب الطواف ح11.