33-11-22


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

33/11/22

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- الـواجـب الخامس مــن واجبـات عمـرة التمتع ( التقصير) / باب السعي / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 الرواية الثانية:- صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السـلام ( سمعته يقول :- طـواف المتمتع أن يطوف بالكعبة ويسعى بين الصفا والمروة ويقصّر من شعره فإذا فعل ذلك فقد أحلَّ ) [1] وهي واضحة في تحقق الحِلِّ بالتقصير حيث قال عليه السلام ( فإذا فعل ذلك فقد أحل ) ، ولكن استفادة الوجوب قد يكون أمراً مشكلاً فان التعبير هكذا ( طواف المتمتع أن .. وأن ...وأن يقصر من شعره ) ومعلوم أن مثل هذا التعبير تكون استفادة الوجوب منه ليست واضحة ، ونحن لا نريد بهذا أن ندعي بأن الجملة الفعلية لا تدل على الوجوب - كرأي الشيخ النراقي(قده) - كلا بل هي تدل عليه ولكنها تدل عليه فيما لو قيل هكذا ( المتمتع يقصر شعره ) أو ( يقصر شعره المتمتع ) أما من مثل هذا التعبير ( طواف المتمتع أن يقصر شعره ) فيشكل استفادة الوجوب منها.
 هذا مضافاً إلى إمكان أن ندعي شيئاً آخر ينبغي أن يبحث في مبحث الظواهر ولعله قد أشرنا إليه أكثر من مرة وهو أن الراوي إذا كان مضطرباً وليس ضابطاً في نقله فهل يكون ظاهر كلامه حجَّة - يعني فيما لو فرض وجود ظهور - ؟ ونحن في مقام الجواب قلنا إنه يشكل تحقق ظهور في الوجوب من تعبير ( طواف المتمتع أن يقصر شعره ) . ولو سلمنا أن الظهور هنا يقتضي الوجوب ولكن نقول:- إن كلام الراوي مضطرب وركيك جداً ، ومقصودي من المضطرب هنا ما يشمل الركاكة في التعبير بحيث يكون من الواضح أنه لا يعرف كيف ينقل كما نحن نضطرب في التعبير أحياناً حينما نريد أن نقول شيئاً فابن سنان هنا كذلك لأنه هكذا قال ( طواف المتمتع أن يطوف بالكعبة ويسعى بين الصفا والمروة ويقصر من شعره ) وهل أن هذا طواف المتمتع أو هو وظيفة المتمتع ؟ إن الركة في التعبير واضحة فمثل هذا الشخص الذي توجد ركة في تعابيره هل تكون ظواهر كلامه حجّة أو لا ؟ والجواب:- حيث أن مستند حجيّة الظهور هو السيرة وهي دليل لبّي فيتمسك بالقدر المتيقن وهو ما إذا كان الشخص يعرف ضوابط التعبير أما الذي لا يعرفها بشكل جيد فيشك في انعقاد السيرة على الأخذ بظواهر كلامه فلا تكون حجّة ، اللهم إلّا ما كان صريحاً وليس من باب الظهور من قبيل قوله هنا ( فإذا فعل ذلك فقد أحلَّ ) فإن هذا ليس ظهوراً بل هو وضوحٌ أعلى من الظهور وفي مثله يمكن أن يقال إنه يؤخذ به ويكون حجّة ، أما ما يستفاد من خلال الظهور كما هو محلّ شاهدنا فإننا نريد أن نستفيد الوجوب من تعبير ( ويقصّر من شعره ) وهو ظهور لا أكثر وأيضا هو ليس بتلك الدرجة من الوضوح ، إن الحكم بحجّيّة مثله أمر مشكل ، وهذه قضية يجدر التأمل فيها فإنها مؤثرة في مقام الاستنباط.
 الرواية الثالثة:- رواية عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام ( ثم اات منزلك فقصّر من شعرك وحلّ لك كل شيء ) [2] وقوله عليه السلام ( فقصر من شعرك ) لو كان قد ورد وحده من دون التذييل يقوله ( وحلَّ لك كل شيء ) لكنّا نقول بأنه ظاهر بالوجوب أما بعد ورود هذا الذيل فيصير هذا الكلام مجملاً ومحتمِلاً لاحتمالين ، فيحتمل أن يراد منه أن التقصير واجب تكليفاً وفي نفس الوقت يُحِلُّ به المحرم من الإحرام وهذا هو الذي يريده المشهور ، ويحتمل أن المقصود هو بيان طريقٍ لحصول الإحلال فالإمام عليه السلام يريد أن يعلّم طريقة لتحقق الإحلال أما أن هذا الإحلال والتقصير واجب فهو شيء لا يدل عليه الكلام فإذا أردت أن تبقى على الإحرام فابق ونحن نريد أن نستفيد الوجوب بحيث يكون عاصياً لو لم يفعل ذلك ، إن العبارة تحتمل كلا الوجهين فهي من هذه الناحية مجملة خصوصاً إذا لاحظنا قوله ( ثم اات منزلك ) إذ من الواضح أن المجيء إلى المنزل ليس بلازمٍ وإنه يتمكن من التقصير قبل أن يأتي إلى المنزل بل وحتى لو أتى إليه فليس من اللازم أن يقصّر فيه بل يجوز له البقاء يوماً أو يومين أو أكثر ثم يذهب على المروة أو في مكان آخر فيقصّر وهذا قد يساعد على أن التقصير بالشكل الذكور ليس بلازمٍ ، وعليه فالرواية فيها تأمل ، لا نقول بأنها واضحة في عدم الوجوب كلا بل استفادة الوجوب منها محلّ تأمل.
 الرواية الرابعة:- صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث ( وليس في المتعة إلا التقصير ) [3] وعدم دلالتها على الوجوب شيء واضح فانه عليه السلام ذكر أن المتعة ليس فيها إلا التقصير - أي لا يوجد فيها حلق - أما أنّ التقصير لازم فشيء مسكوت عنه . هذه هي مهم روايات المسألة
 وبذلك اتضح التأمل فيما أفاده السيد الحكيم(قده) فإنه علّق على كلام استاذه الشيخ النائيني(قده) عندما قال ( وهو نسك بنفسه لا مجرد أنه محلّل ) [4] وعلق السيد الحكيم(قده) بقوله ( واجب فيها إجماعا ونصوصاً ) يعني أن التقصير واجب في عمرة التمتع بالإجماع ، وهذا مقبولٌ منه ولا تأمل فيه . ولكن قال بعد ذلك ( ونصوصاً ) ، وقد اتضح أن استفادة هذا من النصوص وإن أمكن في بعضها ولكن ليس بنحو الإجماع بحيث تكون النصوص كلّها متفقه على إفادة الوجوب ، فدعوى إفادة النصوص على الوجوب شيء واضح التأمل.
 وهل تظهر لهذا البحث ثمرة ؟
 والجواب:- ربما تظهر بعض الثمرات:-
 من قبيل:- إنه لو قلنا إن التقصير جزء من عمرة التمتع فيجب فيه قصد القربة باعتبار أن الحج يجب فيه قصد القربة بكامل أجزاءه فإذا كان التقصير من جملة أجزاءه فيصير قصد القربة واجباً فيه ، وهذا بخلاف ما إذا قلنا بأنه مجرد محلّل فانه لا يلزم فيه قصد القربة من هذه الناحية ، نعم لا بد من سلوك طريق أخر لإثباتها أما من هذه الناحية فلا يمكن.
 ولعل من جملة الثمرات أيضاً:- هو أن المكلف يمكن أن يترك التقصير ولا يلزم من ذلك أن يكون عاصياً غايته يبقى محرماً فإذا ضايقه الحجّ وجب عليه الإحلال كي يتحقق بذلك إحرام الحج وإذا عوقب فسوف يعاقب على ترك إحرام الحج وليس على ترك التقصير.
 وعلى أي حال بعدما فرض قيام الإجماع فحينئذ لو كنّا نقبل بمثل الاجماعات المذكورة فالوجوب يكون ثابتاً من خلاله ، أما إذا تأملنا في الاجماعات المنقولة خصوصاً تلك الاجماعات التي يحتمل بقوّة أن يكون مستندها الروايات - وقد عرفنا التأمل في دلالة الروايات - فيعود المجال للحكم بعدم الوجوب مفتوحاً غايته نصير إلى الوجوب من باب الاحتياط الوجوبي.
 النقطة الثانية:- ذكر(قده) أن المقصود من التقصير ليس خصوص أخذ شيء من الشعر بل إما من الشعر أو أخذ شيء من الأظفار فيكفي أحد هذين في تحقق التقصير.
 ووجّه كفاية أحد هذين في تحقق التقصير - في مقابل احتمال أن أخذ شيء من الأظفار لا يكفي وإنما اللازم هو إما الجمع بين هذا وذاك أو على الأقل الاقتصار على أخذ شيء من الشعر - بأنه لو رجعنا إلى صحيحة معاوية المتقدمة لوجدنا أنها تأمر بالجمع حيث جاء فيها ( إذا فرغت من سعيك وأنت متمتع فقصّر من شعرك من جوانبه ولحيتك وخذ من شاربك وقلّم من أظفارك ) فإن الواو في ( وقلّم ) ظاهرة في كونها واو الجمع فلو كنّا وهذه الرواية لكنا نقول بلزوم الجمع بأخذ شيء من الشعر والأظفار ولكن توجد روايات أخرى نرفع لأجلها اليد عن هذا الظهور من قبيل صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة فانه جاء فيها ( ويقصّر من شعره فإذا فعل ذلك فقد أحلَّ ) فإنها تدل على كفاية تقصير الشعر في تحقق الإحلال وهذا معناه أن الجمع بين تقصير الشعر وتقصير الأظافر ليس بلازم بل يكفي أحدهما . وهناك رواية ثانية تدل على ذلك وهي صحيحة الحلبي ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- جعلت فداك إني لما قضيت نسكي للعمرة أتيت أهلي ولم أقصّر ، قال:- عليك بدنة ، قلت:- إني لمّا أردت ذلك منها ولم تكن قصّرت امتنعت فلمّا غلبتها قرضت بعض شعرها بأسنانها ، فقال:- رحمها الله كانت أفقه منك ، عليك بدنة وليس عليها شيء ) [5] فإنها دلّت على أن أخذ شيء من الشعر يكفي ولا يلزم الجمع . وهناك رواية ثالثة وهي صحيحة جميل بن دراج وحفص بن البختـري وغيرهمــا عـن أبــي عبـد الله عليـه السـلام ( محرم يقصّر من بعضٍ ولا يقصّر من بعضٍ ، قال:- يجزيه ) [6] بناءً على كون المقصود من فقرة ( يقصّر من بعض ولا يقصّر من بعض ) هو أن يقصِّر من شعره دون أظافره مثلاً أو بالعكس حتى يستفاد منها كفاية أحدهما.
 وفيه:-
 أولاً:- نسلم أن هذه الروايات الثلاث تدل على عدم لزوم الجمع ولكن الذي نريد أن نقوله هو أنه يحتمل أن الواجب هو أخذ شيء من الشعر إما وحده أو بضمّ تقليم الأظفار إليه في مقابل تقليم الأظفار وحده - الذي لا يكفي - فغاية ما يستفاد من هذه الروايات هو أن الجمع بين الاثنين لا يلزم أما أن تقليم الأظافر وحده يكفي فلا تدل عليه فإن روايــة عبـد الله بن سنـان قــد ورد فيهــا ( ويقصّر من شعره فإذا فعل ذلك فقد أحلَّ ) والذي ينفعنا هو أن يقول ( ويقصّر من شعره أو من أظافره ) أو يقتصر على الأظافر بأن يقول ( ويقصّر من أظافره فإذا فعل ذلك فقد أحلَّ ) أما بعد فرض إشارة الرواية إلى قصّ الشعر وأنه يكفي فغاية ما يثبت هو أن الجمع ليس بلازم أما أن قصّ الأظفار وحده كافٍ فلا يثبت.
 وأما رواية الحلبي فأمرها كذلك فان زوجة الحلبي قد أخذت من شعرها بأسنانها فغاية ما تدل عليه هو أن الأخذ من الشعر يكفي فهي كرواية عبد الله بن سنان.
 وأما رواية جميل وهي ( يقصّر من بعض ولا يقصّر من بعض ) فلأنه يحتمل أن المقصود من البعض هو ( من بعض الشعر ) يعني بأن يأخذ من شعر رأسه دون شعر لحيته لا أن المقصود هو أن يأخذ من أظافره ولا يأخذ من الشعر ، فهي مجملة من هذه الناحية.


[1] المصدر السابق ح2.
[2] المصدر السابق ح3.
[3] الوسائل 13 510 4 من أبواب التقصير ح2.
[4] المناسك 301.
[5] الوسائل 13 508 3 من أبواب التقصير ح2.
[6] المصدر السابق ح1.