33-11-14


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

33/11/14

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- نهاية مسألة ( 347 ) ، الشك في السعي / أحكـام السعي / الـواجـب الرابــع مــن واجبــات عمــرة التمتــع ( السعي ) / باب السعي / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
  بقي شيء:- وهو أن الوارد في صحيحة سعيد بن يسار هو أن من نسي شوطاً واحداً من السعي وأحلّ فعليه بقرة ، والسؤال:- لو فرض أن المكلف نسي شوطين أو ثلاثة أو أكثر وأحلّ فهل تجب عليه البقرة أيضاً أو أننا نبقى نتعبّد بالنص فانه ورد فيمن نسي شوطاً واحداً أما من نسي أكثر من ذلك فنتمسك بالبراءة ، فأيهما الصحيح ؟
 والجواب:- إن من ادعى الجزم بعدم الخصوصية من هذه الناحية وأن مورد الرواية وإن كان هو من نسي شوطاً واحداً إلّا أن هذا مورد السؤال ولا خصوصية له فيتعدى إلى أكثر من ذلك ومن قال بهذا لم يكن بعيداً عن الصواب ، ومن هذه الناحية أطلق السيد الماتن(قده) وقال في المسألة ( من نقص أو أنقص بعض السعي ) ولم يحدّده بنسيان الشوط الواحد.
 
 الشك في السعي
 لا اعتبار بالشك في عدد أشواط السعي بعد التقصير وذهب جمع من الفقهاء إلى عدم الاعتناء بالشك بعد انصرافه من السعي وإن كان الشك قبل التقصير ولكن الأظهر لزوم الاعتناء به حينئذ.
 ..........................................................................................................
 هذا المتن يبين حكم الشرع في عدد أشواط السعي وأنه إذا قصّر فلا يعتدّ بشكه على كلام يأتي إنشاء الله تعالى في أن الدخول في التقصير أمرٌ لازمٌ أو لا ؟ هذا ما يتكفله المتن المذكور ، وسوف يذكر مسألة بعد هذا المتن وهي مسألة ( 348 ) وهي فيمن شك وهو على المروة بأن هذا هو الشوط السابع أو هو التاسع فهنا لا يعتني بشكه ويمضي ، ثم في المسألة ( 349 ) يقول من شك في عدد الأشواط بطل سعيه كمن شك في أشواط الطواف.
 ونحن نقول:- لو كان يعكس فيقدم ما أخّر ويؤخّر ما قدم لكان أجدر فيعطي أولاً قاعدة عامة بيد المكلف وهي ( ان الشك في عدد أشواط السعي مبطلاً له ) - وهذا ما ذكره مؤخراً - ثم بعد ذلك يقول ( ويستثنى من هذا الحكم موردان ويعبّر بلسان ( يستثنى ) فانه يكون أحسن الأول ما إذا دخل في التقصير فانه لا يعتدّ بشكه لقاعدة التجاوز - مثلاً- والثاني لو كان على المروة وشك بين السبعة والتسعة ، وهذا أجدر فنيّاً.
 إذن من المناسب في البداية أن نبحث عن القاعدة العامة وأن الشك في عدد أشواط السعي هل هو مبطل ولماذا ؟ ثم بعد ذلك نتحدث عن موردي الاستثناء:-
 أما بالنسبة إلى القاعدة العامة:- فالظاهر أنه لا خلاف فيها ولا كلام وإنما الكلام في التخريج الفنّي لها.
 ويمكن التمسك لذلك بصحيحة سعيد بن يسار المتقدمة فانه ورد فيها ( إن حفظ الستة ونسي واحداً يأتي بذلك الواحد وأما إذا لم يحفظ الستة فعليه أن يأتي بالسعي من جديد ) وعليه فالمفهوم من هذه الرواية أن من جزم بالنقيصة ولم يحفظ الستة كأن شك بين الثلاثة والخمسة أو بين الأربعة والستة مثلاً أو ما شاكل ذلك فان عليه الاعادة هكذا يفهم من هذه الصحيحة ، وعليه فتكفينا هذه الصحيحة لإثبات المطلوب وأنه متى ما لم يحرز الستة وحصل الشك فالسعي باطل ويلزم الاعادة.
 هذا وقد حاول السيد الخوئي(قده) أن يتمسك بوجه آخر غير صحيحة سعيد بن يسار وأعني بذلك روايات الطواف فهناك بعض الروايات قد دلت على أن من طاف ولم يدر أطاف خمسة أو ستة أو ما شاكل ذلك فعليه الاعادة ، ثم نضم إلى ذلك مقدمة وهي أن كلمة الطواف كما تطلق على الطواف حول الكعبة تستعمل أيضاً في الطواف بين الصفا المروة بنصّ القرآن الكريم ( فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما ) فكلمة الطواف قابلة للشمول فنتمسك بالإطلاق ، والرواية هي كصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام ( في رجل لم يدر ستة طاف أم سبعة ، قال:- يستقبل ) [1] .
 وفيه:- ان المورد ليس من موارد لتمسك بالإطلاق وإنما هو من موارد ترك الاستفصال فان الامام عليه السلام لم يقل ابتداء ( من لم يدر ستة طاف أو سبعة يستقبل ) كلا فهو لم يقل ذلك فانه لو قال ذلك ابتداءً لتمسكنا بالإطلاق فيقال إنه قال ( من طاف) وطاف يصدق على الطواف بالكعبة وعلى السعي !! ولكن المفروض في المقام أن السائل سأل عمن طاف ولم يدر ستة طاف أو سبعة والإمام عليه السلام ذكر الحكم فقط - أي أنه قال:- يستقبل - فإن الرواية هكذا ( في رجل لم يدر ستة طاف أم سبة قال:- يستقبل ) إذن فغاية ما يمكن أن تقول إن الامام عليه السلام لم يستفصل في مقام الجواب بأن الطواف المذكور كان حول الكعبة أو بين الصفا والمروة وعدم استفصاله يدل على العموم . إذن المورد من مواد ترك الاستفصال وليس من موارد التمسك بالإطلاق . وإذا قبلنا بهذا فحينئذ نضمّ شيئاً آخر وهو أنه لعل الإمام عليه السلام فهم من سؤال السائل خصوص الطواف بالكعبة فلذلك لم يستفصل ، بل يمكن أن نصعّد اللهجة فنقول:- حتى لو فرض أن ذلك قد ورد في لسان الإمام عليه السلام مع هذا لا يمكن التمسك بالإطلاق وذلك ببيان أن كلمة الطواف نسلّم أنها تستعمل بمعنى السعي ولكن مع الإضافة والتقييد ، يعني فيقال هكذا ( طاف بين الصفا والمروة ) فيقيد بقيد ( بين الصفا والمروة ) لا أنه تستعمل كلمة طاف أو طواف المطلقة من دون قيد بمعنى السعي فانه لا يوجد مثبت لذلك ، ولذلك نحن نفهم من كلمة الطواف المطلقة - بل حتى استعمال الفقهاء - بأنه حول الكعبة ، إن هذا الاحتمال وجيه ولا أريد أن أجزم به بل يكفيني أنه احتمال وجيه ، وعليه فتصير كلمة ( طواف ) - التي هي مطلقة - مجملة والقدر المتيقن منها هو الطواف حول الكعبة فالتمسك بإطلاقها يصير أمراً مشكلاً . إذن الاشكال لا يرد بناءً على فكرة ترك الاستفصال فقط ، نعم على الفكرة المذكورة يكون الإشكال أوضح.
 ثم إنه يمكن أن ننقص على السيد الخوئي(قده) ونقول:- إن لازم هذا البيان أن بعض شروط الطواف حول الكعبة سوف تثبت للسعي ، فمثلاً يلزم أن نلتزم بأن السعي من المستحبات النفسية والفقهاء وقعوا في حيرة من هذه الناحية وقالوا لا دليل على الاستحباب النفسي ، وبناءً على هذا البيان يقال إن بعض الروايات التي وردت فيها كلمة طواف وأنه يستحب أن يطوف بمقدار ( 360 ) أسبوعاً فان لم يقدر فـ( 360 ) شوطاً سوف تكون صالحة لإثبات الاستحباب النفسي للسعي والحال أن نفس السيد الخوئي(قده) لا يقول بذلك من قبيل صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام ( يستحب أن تطوف ثلاثمائة وستين أسبوعاً على عدد أيام السنة فإن لم تستطع فثلاثمائة وستين شوطاً فإن لم تستطع فما قدرت عليه من الطواف ) [2] ، وهكذا يلزم أن نقول إن من شرائط السعي الختان والحال أن من الأشياء المسلمة أنه شرط في الطواف حول الكعبة فقط باعتبار ورود رواياتٍ وقد وردت فيها كلمة الطواف مطلقة من قبيل صحيحة حريز عن أبي عبد الله عليه السلام ( لا بأس أن تطوف المرأة غير المخفوضة فأما الرجل فلا يطوف إلّا وهو مختتن ) [3] .
 وهكذا يلزم أن من تنجس ثوبه في أثناء السعي فعليه أن يخرج ويطهره كما يقال ذلك في الطواف حول الكعبة فانه توجد رواية تدل على ذلك وقد وردت فيها كلمة الطواف بشكل مطلق من قبيل صحيحة يونس بن يعقوب ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- رأيت في ثوبي شيئاً من دم وأنا أطوف ، قال:- فعرِّف الموضع ثم أخرج فاغسله ثم عُد فابنِ على طوافك ) [4] . ولعله يمكن تطبيق هذا الاشكال على بعض الشرائط الأخرى.
 إذن الدليل المهم في إثبات هذه القاعدة العامة وأن الشك في عدد أشواط السعي مبطل له هو صحيحة سعيد بن يسار دون ما أفاده السيد الخوئي(قده).
 وبعد أن عرفنا هذه القاعدة العامة نأتي إلى الاستثناء الأول الذي تعرّض إليه وتكفله المتن الذي بأيدينا فيقال:- إن الشك في عدد أشواط السعي وإن كان مبطلاً له إلا أنه يستثنى من ذلك ما إذا فرض أن المكلف قد فرغ من السعي وقصّر ثم شك في عدد الأشواط.
 وفي البداية لابد وأن نعرف أن القاعدة ماذا تقتضي - يعني فيمن شك بعد الفراغ من العمل أو في اثناءه - ؟
 والجواب:- توجد في هذا المجال روايتان:-
 الرواية الأولى:- ما دلّ على أنه من شك في الإتيان بالجزء السابق وقد دخل في الجزء اللاحق - أي شك في أصل وجود الجزء السابق وأنه تأتي به أو لا - كمن شك بعدما سجد أنه ركع أو لم يركع فهنا لا يعتني بالشك لصحيحة زرارة التي ذكر في آخرها قاعدة عامة ونصّها ( يا زرارة إذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشيء ) [5] وموردها وإن كان هو باب الصلاة إلا أن غير واحد من الفقهاء فهم منها العموم وأنها لا تختص بباب الصلاة فان الإمام عليه السلام قدّم قاعدة عامة ، نعم بناءً على مبنى صاحب الكفاية الذي يقول إن القدر المتيقن في مقام التخاطب يمنع من التمسك بالإطلاق - لأن القدر المتيقن في مقام التخاطب هو باب الصلاة إذ الحوار كلّه عن باب الصلاة وأجزائها - ، اللهم إلا أن يقول:- يمكن أن يقال إن العرف يلغي الخصوصية من هذه الناحية فان هذه قاعدة عقلائية قبل أن تكون شرعية فحتى لو صرّح بموردها وقيل ( إذا شككت في شيء من أجزاء الصلاة .... ) فمع ذلك يمكن أن نعمم إلى الغير ونجعل الصلاة كموردٍ لا كمخصص.
 فبناء على تمامية هذه القاعدة حينئذ يمكن ان يستفاد منها في المقام.
 الرواية الثانية:- ما دلّ على أنه لا يعتنى بالشك بعد الفراغ من العمل كموثقة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام ( كل ما شككت فيه مما قد مضى فأمضه كما هو ) [6] أي بشكله الصحيح الشرعي وقل إنشاء الله قد أتيت به كما هو المراد شرعاً . ونحن لابد وأن نتعامل مع هذين النصّين.


[1] الوسائل 13 361 33 من أبواب الطواف ح9.
[2] الوسائل 13 308 7 من أبواب الطواف ح1.
[3] الوسائل 13 377 39 من أبواب الطواف ح1.
[4] الوسائل 13 399 52 من أبواب الطواف ح1.
[5] الوسائل 8 237 23 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح1.
[6] المصدر السابق ح3.