32/10/18


تحمیل

مسألة 281 :- الشجرة التي يكون أصلها في الحرم وفرعها خارجه أو بالعكس حكمها حكم الشجرة التي يكون جميعها في الحرم .

 مضمون المسالة واضح وهو أن جانب الحرم مغلب ، فسواء كان الأصل في الحرم والفرع خارجه أو كان الأمر بالعكس فانه على كلا التقديرين لا يجوز قطع شيء من الأصل ولا من الفرع كرامة وتغليباً لحرمة الحرم ، وقد دلت على ذلك بوضوح صحيحة معاوية المتقدمة ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن شجرة أصلها في الحرم وفرعها في الحل ، فقال:- حرم فرعها لمكان أصلها ، قلت:- فان أصلها في الحل وفرعها في الحرم ، قال:- حرم أصلها لمكان فرعها ) ، وبمضمونها روايات أخرى والحكم واضح.

مسألة 282:- كفارة قلع الشجرة قيمة تلك الشجرة ولا كفارة في قلع الأعشاب.

تشتمل المسألة على نقطتين :-

الأولى:- انه لا شيء في قطع الأعشاب وإنما الكفارة تختص بقلع الأشجار ، والمستند في ذلك هو القصور في المقتضي ، بمعنى أنه لا دليل على ثبوت الكفارة في ذلك أي قطع الأعشاب - ومعه نتمسك بأصل البراءة ولا حاجة الى مزيد كلام.

النقطة الثانية:- في قطع الشجرة تثبت الكفارة وهي قيمة المقطوع.

 ولو رجعنا الى الروايات وجدنا ثلاث روايات أو أربع بعضها يقول ان الكفارة هي ثمن الشجرة ، وبعضها الآخر يقول يثبت عليه الفداء من دون تشخيص مقداره ، وثالث يقول ان عليه بقرة يوزعها على الفقراء ، واثنتان من هذه الروايات خاصة بشجرة الأراك وواحدة عامة لمطلق الشجر.

 ولكن إذا رجعنا الى فتوى الفقهاء وجدنا ان الفتوى هي على شيء آخر غير ما دلت عليه الروايات ، وهذه ظاهرة ثابتة في بعض الموارد ، فانه في الغالب تكون فتاوى الفقهاء متطابقة مع الروايات اما بشكل كلي أو جزئي ولكن أحياناً لا تكون هناك مطابقة ومن مصاديق ذلك مقامنا وهذه ظاهرة أردت أن الفت النظر إليها.

أما الروايات فهي:-

الاولى:- ما رواه الشيخ الصدوق(قده) بإسناده عن سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام ( سألته عن الرجل يقطع من الأراك الذي بمكة ، قال:- عليه ثمنه يتصدق به ولا ينزع من شجره شيئاً إلا النخل وشجر الفواكه)[1] ، وهي خاصة بشجرة الأراك ، والوارد فيها ( يقطع ) وليس ( يقلع ) .

 بينما لو رجعنا الى التهذيب[2] والمدارك[3] والحدائق[4] ورد التعبير بالقلع بدل القطع يعني ورد هكذا ( سألته عن الرجل يقلع ......) ، وذا سالت عن ثمرة لذلك قلت انها تظهر فيما بعد كما سوف نوضح.

الرواية الثانية:- ما رواه الصدوق(قده) أيضاً بإسناده عن منصور بن حازم ( سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الأراك يكون في الحرم فاقطعه ، قال:- عليك فداؤه )[5] ، وهذه خاصة بشجر الأراك ، والوارد فيها ان الكفارة هي الفداء من دون تشخيص.

الرواية الثالثة:- ما رواه الشيخ الطوسي(قده) بإسناده عن موسى بن القاسم قال روى أصحابنا عن احدهما عليهم السلام انه قال:- ( إذا كان في دار الرجل شجرة من شجر الحرم لم تنزع فان أراد نزعها كفر بذبح بقرة يتصدق بلحمها على المساكين )[6] وهي مطلقة وليست مختصة بشجرة الأراك ، كما انها دلت على ان الكفارة هي بقرة ، والتعبير الوارد فيها ( فان أراد نزعها كفر بذبح بقرة ) ، ولكن في التهذيب[7] والحدائق[8] والجواهر[9] ورد هكذا ( فان أراد نزعها نزعها وكفر بذبح بقرة ...) يعني كلمة ( نزعها ) ذكرت مرتين ومع وجود الواو في كلمة كفر ، أي ( وكفر ) وتأتي إنشاء الله تعالى ثمرة الاختلاف في النسخة.

 هذه هي الروايات التي ذكرها صاحب الوسائل ، وإذا رجعنا الى الشيخ الطوسي وجدناه يقول ( في الشجرة الكبيرة بقرة وفي الصغيرة شاة وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة هو مضمون بالقيمة . دليلنا إجماع الفرقة وطريقة الاحتياط وروي عن ابن عباس انه قال:- في الدوحة بقرة وفي الجزلة شاة . والدوحة الشجرة الكبيرة والجزلة الصغيرة )[10] . إذن المروي عن ابن عباس هو التفصيل. هذا من حيث الروايات.

وأما من حيث فتوى الأصحاب:-

 فقد نقل في المدارك[11] ( ان الشيخ الطوسي(قده) وجمعاً من الأصحاب ذهبوا الى التفصيل وقالوا في الشجرة الكبيرة بقرة وفي الصغيرة شاة وفي الأبعاض القيمة ، وذكر أن الشيخ الطوسي(قده) استدل على هذا التفصيل بإجماع الفرقة وطريقة الاحتياط ) . انتهى مضمون كلامه (قده) .

 وفي العبارة السابقة للخلاف لاحظنا التفصيل المذكور من الشيخ الطوسي(قده) ولكنه ذكر أن في الشجرة الكبيرة بقرة وفي الصغيرة شاة وسكت عن الأبعاض فلا بد من وجود ذلك في كتبه الأخرى.

 وصاحب الشرائع في شرائعه تردد في الكفارة فهو قد نقل ما ذهب إليه الشيخ الطوسي(قده) وقال ( عندي في ذلك تردد ).

 والمنقول عن ابن الجنيد حسب ما جاء في الحدائق[12] أن من قلع شجرة من شجر الحرم فعليه القيمة - أي قيمة الشجرة - من دون أن ينسب إليه التفصيل.

 ونقل في الحدائق أيضا[13] عن ابن إدريس بأن الأخبار واردة عن الأئمة عليهم السلام بالمنع من القلع والقطع ولا تعرض فيها للكفارة في الصغيرة ولا في الكبيرة ، وهذا من الغرائب فانا قد نقلتا روايتين واحدة دلت على أن الكفارة هي القيمة والأخرى دلت على أنها بقرة فكيف يقول لا تعرض لها في الأخبار ؟ اللهم إلا أن يكون مقصوده هو أنه لا تعرض في الأخبار للكفارة بنحو التفصيل بين الشجرة الكبيرة وبين الشجرة الصغيرة كما هو المنسوب للشيخ الطوسي(قده) فلابد وان يقصد هكذا.

 واحتاط الشيخ النائيني(قده) في مناسكه وقال ( في قلع الشجرة في الحرم بقرة وفي الصغيرة شاة على الاحوط فيهما وفي أبعاضها قيمتها ) ، هذا من حيث الروايات وفتوى الأصحاب.

 ونأتي الآن الى روايات المسألة ونلاحظ ما هو المناسب.

 ونتحدث أولاً عن الرواية الأخيرة التي رواها الشيخ الطوسي(قده) عن موسى بن القاسم حيث قال:- روى أصحابنا عن أحدهما عليه السلام أنه قال ( إذا كان في دار الرجل من شجر الحرم لم تنزع فان أراد نزعها كفر بذبح بقرة يتصدق بلحمها على المساكين ) ، والكلام يقع تارة في دلالتها وأخرى في سندها.

أما دلالتها فأشكل عليها بإشكالات ثلاثة:-

الإشكال الأول:- ما ذكره السيد الخوئي(قده)[14] وحاصله:- انها دلت على أن الكفارة تثبت قبل قطع الشجرة لا أنها تثبت بعدها كما هو الحال في باب الظهار ، فان من ظاهر زوجته فعليه عليه أن يكفر قبل أن يرجع إليها لا أنه إذا رجع إليها كفر بعد ذلك ، كلا بل التكفير سابق على الرجوع وفي مقامنا دلت الرواية المذكورة على ذلك حيث قالت ( فان أراد نزعها كفر بذبح بقرة ) يعني كفر قبل أن ينزعها.

 ثم قال:- نعم بناءاً على النسخة الأخرى - أي نسخة التهذيب والحدائق والجواهر - التي جاء فيها ( فان أراد نزعها نزعها وكفر ) لا يرد الإشكال المذكور وإنما يرد على نسخة صاحب الوسائل . إذن الرواية تدل على ثبوت الكفارة قبلاً وهذا ليس هو المطلوب فان الأصحاب قالوا ان الكفارة بعد القلع فلابد من الاستناد الى رواية تدل على ذلك. هذا ما أفاده .

 وهو كما ترى ليس إشكالاً مهماً لأنه بالتالي توجد نسخة أخرى كما أشار الى ذلك هو (قده) وما دام توجد نسخة أخرى لا يرد عليها الإشكال فنأخذ بها ومعه لا مشكلة.

ان قلت:- ما هو المرجح ؟

قلت:- ان نفس ذهاب الأصحاب الى أن الكفارة هي بعد القلع ووضوح ذلك بينهم يصلح مرجحاً لهذه النسخة.

 ولكن بقطع النظر عن هذا نقول:- انه يمكن أن يقال ان الإشكال ليس بوارد حتى على نسخة صاحب الوسائل فان الرواية قالت ( فان أراد نزعها كفر ) وهي ساكتة عن وقت التكفير فانها لم تقل كفر قبل النزع ، نعم ربما يوجد إيحاء أو يكاد يكون ظهوراً في أن التكفير يقع قبل النزع ولكن هي ليست صريحة في ذلك بل وليست ظاهرة بظهورٍ واضح فمن الوجيه حملها على ما ذهب إليه الأصحاب يعني أن معنى ( فان أراد نزعها كفر ) أي لزمه التكفير بعد النزع ، وبالتالي لا مشكلة من حيث هذا الإشكال.

[1] الوسائل 13- 174 18 بقية كفارات الإحرام -2.

[2] التهذيب 5 379.

[3] المدارك 8 447.

[4] الحدائق 15 ر- 532.

[5] المصدر السابق ح1.

[6] المصدر السابق ح3

[7] التهذيب 5 381 .

[8] الحدائق 18 532.

[9] الجواهر 20 426.

[10] كتاب الخلاف 2 408 مسألة 281.

[11] المدارك 8 474.

[12] الحدائق 15 531.

[13] المصدر السابق.

[14] المعتمد 4 271.