17-08-1435


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/08/17

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:-  الواجب الثالث عشر من واجبات حج التمتع ( رمي الجمار ).
النقطة الثالثة:- إنّ الرمي في كلّ يومٍ يجب للجمرات الثلاث ولم ينقل خلافٌ في ذلك، ولكن ما هو الدليل عليه ؟
قد يستدلّ بمجموعة من الروايات، من قبيل ما دلّ على أنّ من نكس يعيد على الوسطى والكبرى كصحيحة معاوية بن عمّار في حديثٍ:- ( قلت:- الرجل ينكس في رمي الجمار فيبدأ بجمرة العقبة ثم الوسطى ثم العظمى، قال:- يعود فيرمي الوسطى ثم يرمي جمرة العقبة وإن كان من الغد )[1]، حيث قال عليه السلام:- ( يعود فيرمي الوسطى ثم يرمي جمرة العقبة ) وهذا يدلّ على أنّ الجمار الثلاث يلزم رميها لا بعضها، إنّه قد يستدلّ بهذه الصحيحة وغيرها
ولكن تقدّم منّا الإشارة إلى ضعف دلالتها على أصل الوجوب فإنها لا تدلّ على أصل وجوب الرمي وإنّما هي من قبيل من قدّم وأخّر بعض الأجزاء فإنه يقال له يعيد بما يحصل به الترتيب، وحتى لو فرض أنّ أصل الاتيان واجباً فلا يستفاد منها أصل الوجوب.
والأجدر التمسّك بالبيانين السابقين اللذين أشرنا إليهما في النقطة السابقة، يعني إما أن نتمسّك بسيرة المسلمين في عهد المعصوم عليه السلام بشقوقها الثلاثة التي أشرنا إليها، أو نقول إنَّ تلك السيرة إذا لم تدلّ على لزوم الترتيب لكنها على الأقل تدلّ على أصل وجوب رمي الجمار فنضمّها إلى مثل هذه الرواية فيثبت بذلك المطلوب - أي بضمّ تلك الروايات إلى السيرة - . هذا كلّه بالنسبة إلى لزوم رمي الجمرات الثلاث في اليومي
تبقى مسألة الترتيب، يعني هل الترتيب لازم بين الجمرات أو لا ؟
والجواب:- إنه يستفاد ذلك من بعض الروايات، من قبيل صحيحة معاوية المتقدّمة، ولكن حيث يأتي من السيد الماتن(قده) الاشارة إلى هذا الحكم مستقلاً في مسألة ( 431 ) فنترك الإشارة إلى إليه إلى ذلك الموضع.
النقطة الرابعة:- إذا بات الناسك أو إذا حلّ الغروب ليلة الثالث عشر على الناسك ووجب عليه المبيت فالأحوط له أن يرمي نهار اليوم الثالث عشر ولم يعرف خلافٌ في ذلك . نعم لا يلزم أن يكون النفر بعد الزوال كما كان في اليوم الثاني عشر بل يجوز قبل الزوال أيضاً وأمّا الرمي فهو واجب، هذا هو المعروف ولم يعرف فيه خلاف، ولكن كيف نستدلّ عليه ؟
قد يستدل على ذلك بصحيحتين لمعاوية بن عمّار:-
الأولى:- وهي التي نقلها الشيخ الكليني(قده) في الكافي بسندٍ صحيحٍ ينتهي الى معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( إذا أردت أن تنفر في يومين فليس لك أن تنفر حتى تزول الشمس، وإن تأخرت إلى آخر أيّام التشريق وهو يوم النفر الأخير فلا عليك أيّ ساعة نفرت ورميت قبل الزوال أو بعده ..... )[2]، وقد نقل الشيخ الصدوق(قده) الرواية في الفقيه بالمتن المذكور[3]، كما ونقلها الشيخ الطوسي(قده)[4] مع فارقٍ بينهما فإن الشيخ الطوسي نقلها عن الكليني يعني ليس له طريق إلى معاوية بن عمّار مستقلاً عن طريق الشيخ الكليني بينما نقلها الشيخ الصدوق بشكل مستقلٍّ إلى معاوية بن عمّار من دون توسّط الشيخ الكليني.
ونقلها صاحب الوسائل[5] عن الشيخ الكليني من دون كلمة ( ورميتَ )، وهنا بيت القصيد لأنَّ كلمة ( ورميت ) يستفاد منها أنّ الرمي مفروغٌ عنه في اليوم الثالث عشر أيضاً ولكن ليس من المهمّ أن يكون في ساعةٍ معيّنة بل له الحقّ في أن يأتي به في أيّ وقتٍ شاء من اليوم الثالث عشر فالشاهد هو في كلمة ( ورميت )، بينما صاحب الوسائل ينقلها عن الكليني من دون كلمة ( ورميت ) وهذا يدلّ على أنّ نسخ الكافي مختلفة فهناك نسخة لا يوجد فيها كلمة ( ورميت ) وهي نسخة صاحب الوسائل وهناك نسخةٌ أخرى توجد فيها كلمة ( ورميت ) وهي نسخة الشيخ الطوسي لأنه نقلها عن الكليني مع إثبات هذه الكلمة، وصاحب الوسائل كان بدقّةٍ فائقةٍ حيث إنّه بعد أن ذكر هذه الرواية من دون كلمة ( ورميت ) أشار إلى هذه النكات حيث قال:- ( ورواه الصدوق بإسناده عن معاوية بن عمّار مثله إلّا أنه قال " نفرت ورميت "، وكذا في رواية الشيخ )، يعني يريد أن يقول إنه في نسختي عن الكافي لا توجد كلمة ( ورميت ) وهي النسخة التي أثبتها في الوسائل وهناك نسخة للكافي فيها كلمة ( ورميت ) وهي نسخة الشيخ الطوسي، وأمّا قضية الصدوق فهي ليست قضيّة نسخة بل النقل والكتاب الذي عنده من معاوية بن عمّار من دون توسط الكافي ليس فيه كلمة ( ورميت ).
وعلى هذا الأساس نقول:- حيث إنّ موضع الشاهد هو في كلمة ( ورميت ) الدالة على المفروغيّة من الرمي في اليوم الثالث عشر لمن بات في منى  وقد اختلفت فيه نسخ الكافي فلا يمكن آنذاك إثبات وجوب الرمي لأن نسخ الكافي مختلفة، إلّا أن نتمسّك بأصالة عدم الزيادة عند دوران أمر هذه الكلمة بين أن تكون زائدة عبثاً وبين أن لا تكون زائدة، فإذا دار أمرها بين الزيادة والنقصان فالأصل عدم الزيادة بمعنى أنّها مذكورة في محلّها المناسب فهي قد صدرت من أهلها ووقعت في محلّها، فإذن كلمة ( ورميت ) موجودةٌ استناداً إلى هذا الأصل العقلائي بناءً على تماميتّه وخصوصاً أنّه مدعومٌ بنقل الشيخ الصدوق . هكذا قد يقال في تتميم وتقريب الاستدلال بهذه الرواية.
ولكن الذي نقوله:- إنّه لو سلّمنا الأصل المذكور - إمّا مطلقاً أو في خصوص المقام باعتبار كونه مدعوماً بنقل الشيخ الصدوق - فنقول:- إنّه لو سلمنا ثبوت كلمة ( ورميت ) فلا يمكن أن نستفيد الوجوب باعتبار أنّ ثبوت هذه الكلمة وإن دل على المفروغيّة عن ثبوت الرمي وأنه شيءٌ مسلّمٌ إلّا أنّ المسَّلم هل هو الوجوب أو هو الرجحان الأعمّ من الوجوب والاستحباب ؟!! وهذه نكتة ظريفة . فإذن استفادة الوجوب منها شيءٌ صعب.
هذا وقد يرجّح عدم وجود كلمة ( ورميت ) ببيان أنّ المناسب هو عدم التعبير بالشكل المذكور، يعني ليس من المناسب أن يعبر ويقال ( لا عليك أيّ ساعة نفرت ورميت قبل الزوال أو بعده ) فإن المقصود هو بيان أنّ النفر يجوز أن يكون قبل أو بعد الزوال أمّا الرمي فلا يقصد بيان أنّه قبل الزوال أو بعده والحال أنّ هذه العبارة سوف تدلّ على أنّه أنت مخير في الرمي أيضاً بين أن يكون قبل الزوال أو بعده، خصوصاً وأنّه إذا نفر قبل الزوال فكيف يرمي بعد الزوال ؟!! فإذن المناسب عدم وجود هذه الكلمة.
وعلى تقدير وجودها فليزم أن تكون قبل كلمة ( ونفرت )، يعني يلزم أن يقال:- ( ولا عليك أيّ ساعة رميت أو نفرت قبل الزوال أو بعده ) لا بالشكل المذكور، فالنقل المذكور إذن مرفوضٌ، هكذا قد يقال كما توحي به عبارة السيد الخوئي(قده) في المعتمد.
ولكن يمكن أن يقال:- هذا مبنيٌّ على أنّ الواو تدلّ على الترتيب في ( نفرت ورميت ) فإذا كانت تدلّ على الرتيب فالإشكال واردٌ إذ يصير المعنى هكذا:- ( أيّ ساعة نفرت - يعني قبل الزوال أو بعده - ثم رميت - ينعي بعد النفر - ) فإذا كانت الواو تدلّ على الترتيب فهذا ليس له معنى، أمّا إذا قلنا إنَّ الواو تدلّ على أصل الجمع لا أنها تدلّ على الترتيب فعلى هذا الأساس يريد الإمام عليه السلام أن يقول هو جائزٌ قبل الزوال أو بعده والرمي أيضاً يجوز لك أن تأتي به قبل الزوال أو بعده ولا يقصد بيان أنَّ الرمي يكون بعد النفر حتى تقول إنَّ العبارة مشوّشة، فالمهم إذن ما أشرنا إليه في المناقشة.
الثانية:- صحيحة معاوية بن عمّار الأخرى التي بيّنت كيفية حج النبي صلى اله عليه وآله فإنه جاء فيها:- ( .... ورجع الى منى فأقام فيها حتى كان اليوم الثالث من آخر أيام التشريق ثم رمى الجمار ونفر حتى أنتهى إلى الأبطح فأقام بالأبطح .. )[6] حيث جاء فيها ( ثم رمى الجمار ) وهذا يدلّ على أنّ رمي الجمار في اليوم الثالث عشر واجب.
وتمامية الاستدلال بها موقوفٌ على ضمّ مبنىً للسيد الخوئي(قده) حيث يرى في بعض كلماته أنّ الروايات البيانيّة لها ظهورٌ في أنّ كلّ ما يذكر فيها هو للوجوب إلا ما خرج بالدليل، ولا نعرف وجهاً هذا الظهور فهو يدّعي ظهوراً عرفيّاً من هذا القبيل، فلو ثبت هذا الظهور فتثبت حينئذٍ دلالة هذه الرواية على الوجوب وأنّ الامام الصادق عليه السلام حينما بيّن هذا فهو يبيّن الأشياء الواجبة فيثبت بذلك الوجوب، فبناءً على هذا المبنى تتمّ دلالة هذه الرواية.
ولكن يرد عليه:- إنّ أصل هذا الظهور الذي ادّعاه لم يثبت عندنا، ولو سلّمناه فهو يتمّ فيما لو فرض أنّ الرواية لم تقترن بمجموعة ليست بالقليلة من المستحبّات، أمّا إذا اشتملت على ذلك فهذا الظهور لو سلمناه يزول في حالة ذكر مستحباتٍ كثيرةٍ وهنا الأمر كذاك فإنه ذكر فيها ( رجع الى منى فأقام فيها ) والحال أنّ الرجوع إلى منى والإقامة فيها إلى اليوم الثالث عشر ليس بلازمٍ، وأيضاً ذكر فيها أنه ( نفر حتى أتى الأبطح ) وهذا ليس بلازمٍ أيضاً، وهكذا الاقامة في الأبطح ليست بلازمة . إذن مع الاقتران بهذه المستحبّات يزول هذا الظهور حتّى لو سلّمناه في حدّ نفسه . وعلى هذا الأساس تكون دلالة الرواية على الوجوب ضعيفة وبالتالي لا نملك مدركاً علميّاً على وجوب الرمي في اليوم الثالث عشر، نعم المصير إلى ذلك من باب الاحتياط الوجوبي شيءٌ جيّدٌ من باب أنّ المعروف بين الأصحاب هو ذلك.
إذن المناسب هو الاحتياط الوجوبي كما صنع السيد الماتن(قده).