23-06-1435


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/06/23

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع:-  المبيت بمنى.
الفرع الثالث:- لو خرج الشخص من منى قبل الزوال بنيّة أن يعود فإن هذا شيء جائز لأنه لا يصدق عليه النفر.
والسؤال:- هل يلزم أن يعود قبل الزوال أو يجوز أن يتوانى إلى ما بعد الزوال ؟
والجواب:- قد يقال نعم يلزمه أن يرجع قبل الزوال إذ لو بقي إلى ما بعد الزوال صدق عليه آنذاك عنوان النفر قبل الزوال.
والجواب عليه واضح:-  فإنا فرضنا أن من خرج بقصد العودة لا يصدق عليه عنوان النفر ولم يؤخذ أن يكون العود في عدم صدق النفر قبل الزوال، فأنت مادمت قاصداً أن ترجع إلى منى - ولكن واضحٌ أنه ليس في وقت بعيد كشهرٍ بل في وقتٍ قريب - في هذا اليوم فعنوان النفر ليس بصادقٍ سواء عُدتَ قبل الزوال أو بعده، فمن حقّك إذن أن تعود بعد الزوال مادام عنوان النفر قبل الزوال ليس بصادقٍ في حقّك لفرض أنّك نويت العود.
أجل لو فرض أنّه خرج من منى لا بقصد العودة كما لو كان جاهلاً وكان يتصوّر جواز الخروج قبل الزوال فخرج بقصد أن لا يرجع جاهلاً أو نفترض أنه كان عامداً ففي مثل هذه الحالة مادام قد خرج جهلاً أو عمداً لا بقصد العود فحينئذٍ يصدق عليه عنوان النفر فإذا لم يَعُد قبل الزوال فسوف يصدق عليه النفر قبل الزوال فيلزمه أن يعود قبل الزوال حتى لا يتحقق في حقّه النفر قبل الزوال.
وإن شئت قلت:- هو بخروجه الأوّل وإن صدق في حقّه النفر قبل الزوال سواءً عاد أم لم يَعُد ولكن هذا الخروج يكون مبغوضاً للمولى فيلزمه أن يعود حتى لا يحقّق بذلك مبغوضاً بدرجةٍ أكبر وأوسع، فبالعود يبقى عنوان النفر قبل الزوال صادقاً في حقّه إذ قد تحقّق بخروجه السابق ولكن بالتالي سوف يحقّق مبغوضاً بمساحةٍ وبمقدارٍ أكبر فلأجل أن لا يتحقّق المبغوض بمقدارٍ أكبر يلزمه عقلاً أن يرجع إلى منى قبل الزوال.
إذن لابد من التفرقة بين ما إذا خرج من منى بقصد العود إليها وبين ما إذا ما إذا خرج من دون قصد العود، فإن خرج بقصد العود إليها في هذا اليوم كفاه أن يرجع ولو بعد الزوال، وأمّا إذا خرج لا بقصد العود إليها فحينئذٍ يلزمه عقلاً العود قبل الزوال إذ قد حقّق المبغوض - أعني النفر قبل الزوال - فلو لم يَعُد قبل الزوال فسوف يحقّق مقداراً أكبر من المبغوض للمولى فيلزمه العود قبل الزوال . هذا شيء.
نعم نلفت النظر إلى قضية أخرى:- وهي أنه إذا التفت الجاهل أو العاصي أو ندم بعد الزوال فهل يلزمه أن يعود بعد الزوال أو لا ؟
إنّه فيما سبق كنّا نفترض أنه التفت أو ندم قبل الزوال فكنّا نقول عليه أن يرجع حتى لا يحقّق مبغوضاً بمساحةٍ أكبر، أمّا لو فرض أنّه التفت أو ندم بعد الزوال فهل يلزمه أن يرجع بعد الزوال ؟
الجواب:- كلّا، والوجه في ذلك:- هو أن المحرّم هو النفر قبل الزوال وأمّا أن يكون النفر بعد الزوال فهذا ليس مطلوباً آخر زائداً على ذلك المحرّم، فالمولى لا يطلب منك شيئين أن لا تنفر قبل الزوال وأن تنفر بعد الزوال وإلا يلزم أنه إذا خالف ونفر قبل الزوال أن يعاقب بعقوبتين عقوبة على النفر قبل الزوال وعقوبة على ترك النفر بعد الزوال وهذا لا يحتمله أحد.
إذن المطلوب هو شيءٌ واحدٌ وهو أنه يحرم أن تنفر قبل الزول، فإذا ندم الشخص أو التفت بعد الزوال فلا موجب آنذاك إلى أن يعود ؛ إذ المفروض أن النفر بعد الزوال ليس واجباً بنفسه وإنما المطلوب هو أن لا يتحقّق النفر قبل الزوال لا أكثر من ذلك، وهذه قضيّة ظريفة يجدر الالتفات إليها.
وقد يخطر إلى الذهن هذه الشبهة:- وهي أنه لو فرض أن الشخص خرج قبل الزوال من منى بقصد العود فلما خرج - والمفروض أن خروجه كان جائزاً لأنه بقصد العود بعد ذلك - جاءته شبة وقالت له أنت الآن قد خرجت وخروجك جائزٌ فتعال من الآن صمّم على عدم الرجوع ولا يصدق عليك آنذاك النفر قبل الزوال إذ بخروجك السابق لم يصدق عنوان النفر والآن لا يوجد خروجٌ ثانٍ، ففي الخروج الأوّل لا يصدق النفر قبل الزوال والمفروض أنه لا يوجد خروج آخر حتى يصدق عليه بهذا الخروج الآخر عنوان النفر قبل الزوال فلماذا ترجع فإنه لا حاجة إلى أن ترجع - ولكن هذا بشرط أنه حينما خرج فهو قد خرج بقصد العود فواقعاً كان هكذا يقصد لا أنه كان يريد أن يدلّس على نفسه - .
والجواب:- إن نفس الخروج السابق سوف يصدق عليه من الآن أنه نفرٌ قبل الزوال فيما إذا صمّم على عدم العود، فإن ذلك الخروج إنما لا يصدق عليه عنوان النفر قبل الزوال لو كان قد قصد العود مستمرّاً، أمّا متى ما انقطع قصد العود وصار البناء على عدم العود فحينئذٍ سوف يصدق على ذلك الخروج السابق من حيث التصميم على عدم العود عنوان الخروج والنفر قبل الزوال فلا يكون آنذاك جائزاً، وهذه قضيّة ظريفة يجدر الالتفات إليها.
الفرع الرابع:- إذا فرض أن الشخص كان معذوراً من المبيت في منى لسببٍ وآخر كما إذا كان راقداً في المستشفى، والرمي في اليوم الحادي عشر أو الثاني عشر أيضاً لم يجوّزه له الأطباء فأناب شخصاً إذ هو من حيث المبيت معذورٌ ومن حيث الرمي معذورٌ أيضاً من المباشرة وكانت وظيفته النيابة.
والسؤال هو:- هل يلزمه أن يعود إلى منى قبل الزوال فيما إذا كان لا يضرّه نفس العود ؟ فهل يجب عليه أن يعود إلى منى كي لا يتحقّق في حقّه عنوان النفر قبل الزوال ؟
والجواب:- كّلا، فإن النصّ دلّ على أنّ من كانت وظيفته المبيت والرمي بحيث كان في منى يلزمه أن لا ينفر قبل الزوال، أمّا من كانت وظيفته أن لا يكون في منى لسببٍ وآخر - لعذرٍ - فهل يلزمه أن لا ينفر قبل الزوال ؟ إنّها ساكتة من هذه الناحية ولا دلالة لها على ذلك، ولا أقل هي مجملة من هذه الناحية، ومعه نتمسّك بالبراءة فلا دليل على وجوب العود ليتحقّق منه عنوان النفر بعد الزوال مثلاً . فإذن مثل هذا الشخص لا يلزمه أن يعود.
الفرع الخامس:- لو فرض أن الشخص ترك هذا الواجب عن عمدٍ - يعني بتعبير آخر نفر قبل الزوال عن تمرّدٍ وعصيانٍ - فماذا يترتّب في حقّه فهل يؤثر ذلك على حجّه شيئاً وهل تجب عليه الكفارة أو لا ؟
والجواب:- كلّا ليس عليه إلّا الإثم التكليفي، أمّا الحج فلا يتأثر بذلك لأن هذا كما قلنا هو واجبٌ مستقلٌّ هكذا يستفاد من الروايات لا أنّه جزءٌ من الحج، والكفارة لا دليل على وجوبها فيجري أصل البراءة بلحاظها.