26-04-1435


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/04/26

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:- مسألة ( 415 ) / الحلق والتقصير / حج التمتع / مناسك الحجّ للسيد الخوئي(قد).
وفي هذا المجال توجد ثلاث قضايا لابد من بحثها:-
القضية الأولى:- هل أن حليّة الطيب تتحقق بطواف الحجّ بشرط انضمام السعي إليه بحيث عندما يتحقق السعي بعد طواف الحجّ فآنذاك تثبت حليّة الطيب أو أنها تحصل بمجرد الانتهاء من طواف الحجّ ولو لم يؤتَ بالسعي ؟
والجواب:- ظاهر المحقق(قده) في الشرائع كفاية الطواف ولو لم ينضّم إليه السعي حيث قال:- ( الثاني[1]:- إذا طاف طواف الزيارة حلّ له الطيب )، وعلى منوال ذلك ذكر العلامة(قده) في المنتهى حيث قال:- ( مواطن التحلل ثلاثة ... الثاني إذا طاف طواف الزيارة حلّ له الطيب )[2]، إنهما لم يذكرا السعي بل اقتصرا على ذكر طواف الزيارة.
ولعل مستند ذلك:- رواية منصور بن حازم  المتقدّمة حيث جاء فيها:- ( إذا كنت متمتّعاً فلا تقربنَّ شيئاً فيه صفرة حتى تطواف بالبيت ) ولم يقل ( والسعي ).
ولكن الاشكال على ذلك واضح:- فإن هذه الرواية وإن كانت مطلقة إلا أنه ورد التقييد في صحيحتي معاوية المتقدمتين حيث جاء فيهما:- ( ... فإذا زار البيت وطاف وسعى بين الصفا والمروة فقد أحلّ من كلّ شيءٍ أحرم منه إلا النساء )، وعلى منوال ذلك صحيحته الأخرى . إذن تطبيقاً لقانون الاطلاق والتقييد يلزم تقييد الاطلاق المذكور بما إذا حصل السعي.
ولو تنزّلنا وفرضنا أن رواية منصور آبية عن التقييد حيث إن الوارد فيها:- ( فلا تقربنَّ شيئاً فيه صفرة حتى تطوف بالبيت ) يعني أن مجرّد الطواف بالبيت يكفي وسلّمنا أن هذا اللسان يأبى عن التقييد حيث يدلّ على أن مجرد الطواف يكفي، ولكن غاية ما يحصل هو التعارض والاجمال وهذا لا ينفع العلمين فإنه إذا كان ذلك نافعاً في موارد أخرى لكنه لا ينفع في موردنا إذ يجري استصحاب بقاء حرمة الطيب فإنه سابقاً كانت حرمة الطيب ثابتة - أي قبل طواف الحجّ - وبعد ذلك نشك لو أتينا بطواف الحجّ من دون سعيٍ هل يحصل تحلّلٌ من الطيب أو لا فيجري حينئذٍ استصحاب الحرمة السابقة . إذن ما ذُكِر ينفع لو كان المورد تجري فيه البراءة دون استصحاب الحالة السابقة، ولكن في المقام يجري استصحاب الحالة السابقة.
نعم بناءً على مبنى السيد الخوئي(قده) الذي يرفض جريان الاستصحاب في الشبهات الحكميّة للمعارضة بين استصحاب بقاء المجعول - يعني الحرمة الفعلية للطيب - وأصالة عدم الجعل الزائد في الفترة المشكوكة فهذا الاستصحاب لا يمكن الرجوع إليه، فلذلك مثل السيد الخوئي(قده) لا يمكنه أن يتنزّل ويقول على فرض المعارضة والاجمال بل لابد وأن يحسم الموقف قبل أن نصل الى هذه المرحلة، يعني أن يقول إن المورد من الاطلاق والتقييد فلابد من التقييد جزماً.
وممّن أشار إلى جريان الاستصحاب صاحب الجواهر(قده) حيث قال:- ( للأصل وما سمعته )[3]، يعني أن هذا كلام في مقابل المحق الحلّي الذي يقول إنه يحصل التحلّل بالطواف وحده فهو ردّ عليه وقال إن الحرمة موجودة للأصل - يعني الاستصحاب بالشكل الذي اوضحناه - وأما قوله ( وما سمعته ) يعني من الروايات من الاطلاق والتقييد . ولكن كان ينبغي له فنيّا أن يصنع كما صنعنا فيقول أوّلاً بالتقييد وإن لم يمكن التقييد فيقول بالأصل.
القضية الثانية:- هل يحصل التحلّل بطواف الحجّ وإن لم تنضمّ إليه صلاة الطواف أو لابد من تحقق الصلاة ؟ فمثلاً لو بنينا على أن السعي ليس بلازمٍ كما هو رأي صاحب الشرائع(قده) في حصول الحليّة فلو طاف الحاجّ طواف الحج فحينئذٍ نقول هل أنه بمجرد إنهاء الطواف هل يتمكن أن يتطيّب أو لابد وأن يصلّي ثم يتطيّب ؟ وهكذا بناءً على الحاجة إلى السعي يمكن أن نتصوّر ذلك كما لو فرض أنه نسي الصلاة فأتى بطواف الحجّ وأتى بالسعي ناسياً صلاة الطواف فلمّا انتهى من السعي نسأل آنذاك بأن هذا قد أتى بالطواف وأتى بالسعي - بناء على اعتبار السعي - ولكن لم يأتِ بصلاة الطواف لنسيانه لا يؤثر ذلك على صحّة الطواف مادام ناسياً فهل الحليّة الآن تحصل بمجرد الفراغ من السعي أو لابد من صلاة الطواف ؟
والجواب:- ذهب العلمان الفاضل الهندي(قده) في كاشف اللثام وصاحب الرياض(قده) إلى عدم الحاجة إلى صلاة الطواف تمسّكاً بالاطلاق، قال كاشف اللثام:- ( لإطلاق النص والفتوى )[4]، ونفس الشيء جاء في الرياض حيث قال:- ( ولا يتوقّف على صلاة الطواف لإطلاق النص والفتوى )[5]، يعني أن التعليل تعليلاً واحد بين العلمين، والظاهر أن المقصود من ذلك هو صحيحة معاوية الأولى فإنه جاء فيها:- ( فإذا زار البيت وطاف وسعى ...فقد أحل من كل شيء ... )، ولم تقل ( فإذا زار البيت وطاف وصلى وسعى ) فالصلاة لم تذكر فلابد وأن يكون المقصود من الاطلاق هو إطلاق هذه الصحيحة.
ولكن الجواب على ذلك واضح:- فإن هذه الصحيحة وإن كانت مطلقة إلا أن الصحيحة الثانية جاءت فيها الاشارة إلى صلاة الركعتين فالمورد يصير من باب الاطلاق والتقييد، فإذا كانت الأولى مطلقة فالثانية مقيَّدة فتقيّد الأولى، وهذا مطلب واضح، وكان من المناسب فنيّاً أن يشيرا إلى ذلك ثم ردّه.
بل يمكن أن نصعّد اللهجة ونقول:- إنه حتى لو فرض أن الصحيحة الثانية لم تكن موجودة وكنّا نحن والصحيحة الأولى فكذلك يمكن أن نقول لا يمكن التمسك بالاطلاق باعتبار أن ركعتي الطواف هما تتمة أو جزء من الطواف فعدم إشارة النصّ إلى ذلك لعلّه من هذه الناحية – أي لوضوح المطلب أنهما جزء متمم - .
ويمكن أن نقول أكثر من ذلك:- فإنه بقطع النظر عن كونهما جزءاً من الطواف يمكن أن نذكر بيانا آخر ونقول إن الركعتين يؤتى بهما عادةً بعد الطواف فإن هذه هي الحالة الشائعة وذلك يوجب انصراف النصّ إلى هذه الحالة الشائعة، فإن كان هناك انصرافٌ فبها، وإن لم يكن هناك انصراف طبّقنا المبنى الذي أشرنا إليه أكثر من مرّة والذي يرتبط بباب الاطلاق وهو أنه متى ما لم يستهجن الاطلاق عرفاً عندما يكون المراد الواقعي للمتكلّم هو المقيّد فلا يجوز التمسّك بالاطلاق آنذاك، وهنا يمكن أن يقال إنه لا يستهجن الاطلاق لو كان المراد الواقعي للمتكلّم هو المقيّد - يعني الصلاة التي بعد الطواف - إذ العادة قد جرت على أن يؤتى بها بعد الطواف مباشرةً إلا إذا نسي الشخص ولكنّ العادة في حق الملتفت هو ذلك، فالمتكلّم قد اعتمد في إطلاقه على هذه العادة المتداولة فلا يستهجن منه الاطلاق آنذاك، وعلى هذا الأساس لا يمكن التمسّك بالاطلاق.
ونفس الشيء نذكره بالنسبة الى الفتوى:- فإن فتوى الفقهاء وإن كانت مطلقة إلّا أن من الوجيه أن يكون إطلاقها من أحدى الناحيتين اللتين أشرنا إليهما . إذن يتعذّر التمسك بالاطلاق.
وواضح أنّي احتاج إلى تتمّة وهي أنه إذا تعذّر التمسّك بالاطلاق فآنذاك إن فرضنا وجود المقيّد فهو يكفينا المؤونة من البداية - وأقصد من المقيد مثل الصحيحة الثانية لمعاوية -، وإن لم يكن المقيّد موجوداً كما نحن فرضنا ذلك والاطلاق أيضاً ليس بموجودٍ فنركن آنذاك الى الاستصحاب - أي استصحاب بقاء الحرمة - ونأخذ به فنقول إنه قبل أداء الطواف حتماً كان الطيب محرماً على الحاجّ وبعد ذلك يشك إذا جاء بالطواف قبل أن يصلي هل ترتفع الحرمة أو لا فنستصحب بقاء الحرمة، وهذا مطلب واضح . إذن التشكيك في الاطلاق لا يكفي وحده إلا إذا ضممنا الاستصحاب.
القضية الثالثة:- هل تحصل حليّة الطيب بالطواف حتى لو قُدّم على الوقوف بعرفات أو أن شرط حصول حليّته به أن يكون في موقعه المناسب - يعني بعد أعمال منى - ؟ فلو فرضنا أن المكلف قدّمه كالشيخ الكبير أو المرأة التي تخاف الحيض مع الصلاة أو مع السعي أيضاً فهل يحلّ لهما آنذاك الطيب ؟
والجواب:- كلّا، لا يحلّ لهما، والوجه في ذلك رغم إطلاق الأدلة كرواية منصور التي قالت:- ( لا تقربن شيئاً فيه صفرة حتى تطوف بالبيت ) فهي لم يقيّد بما إذا كان الطواف بعد أعمال منى بل قالت ( حتى تطوف بالبيت ) وهذا يصدق في حالة تقديم الطواف . فإذن لماذا نشترط  في حصول الحليّة الترتيب ؟ إن الوجه في ذلك هو صحيحتا معاوية المتقدمتان فإنه ورد فيهما أن الحليّة تحصل بالطواف الحاصل بعد أعمال منى حيث جاء هكذا:- ( إذا ذبح الرجل وحلق فقد أحلّ من كلّ شيءٍ أحرم منه إلا النساء والطيب فإذا زار البيت[6] وطاف وسعى بين الصفا والمروة فقد احل من كل شيء أحرم منه إلا النساء ) . إذن المستفاد منها اعتبار الترتيب وأنه بالطواف المترتّب على أعمال منى تحصل آنذاك الحليّة.
وهذه الشرطية - أي ( إذا ذبح ... ) - تارةً نقول بإن لها مفهوماً وأن المفهوم هو أنه إذا لم يصنع هكذا لا تحصل حليّة الطيب، وتارة نقول ليس لها مفهوم وإنما هي مسوقة لبيان الموضوع وأنه إذا تحققت هذه الأمور فقد حلَّ - أمّا أن نستفيد مفهوماً آخر وأنه في غير هذه الحالة لا يحصل تحلّل فلا نستفيده -، فإن استفدنا المفهوم كفانا المؤونة فيصير مقيّداً لإطلاق الروايات الأخرى إن كان كرواية منصور فإنه يصير مقيّداً لإطلاقها، أما إذا أنكرنا المفهوم فحينئذٍ ماذا نصنع ؟ إنه يبقى لدينا إطلاق رواية منصور على حاله وقد يُتمسّك به آنذاك والنتيجة حينئذٍ سوف تكون بالعكس - أي في غير صالحنا - وهي أن الترتيب ليس بمعتبرٍ تمسّكاً بالاطلاق، وليس لنا مجالٌ آنذاك إلا أن نقول إن رواية منصور لا إطلاق فيها، والوجه في ذلك هو أنها ناظرة إلى أن تحلّل الطيب يحصل بالطواف أما الطواف المتأخر عن أعمال منى أو حتى المقدّم فهي ليست في مقام البيان من ناحيته فلا إطلاق لها، وذاك أيضاً المفروض أنه لا مفهوم له فنرجع آنذاك إلى الاستصحاب - أي استصحاب بقاء حرمة الطيب - لو فرض أنه قُدِّم طواف الحجّ على الوقوف بعرفات.
بل يمكن أن يقال:- إن الاطلاق في رواية منصور منصرفٌ إلى الحالة الغالبة، فإن الحالة الغالبة هي الاتيان بالطواف بعد أعمال منى فهو منصرف إلى ذلك إن سلّمناه، وإن لم نسلّمه فيأتي المبنى الذي أشرنا إليه في باب الاطلاق وهو أن الاطلاق هنا ليس بمستهجنٍ مادام المتكلّم لا يقبح منه الاطلاق لو كان مراده المقيّد إذ يصحّ له أن يطلق اعتماداً على كون الإتيان بالطواف بعد أعمال منى هو الحالة المتعارفة . فالإطلاق إذن ليس بموجودٍ ومعه نتمسّك بالاستصحاب.
والخلاصة:- إنه إذا فرض وجود إطلاق في رواية منصور فحينئذٍ يكون المفهوم الثابت في صحيحة معاوية مقيّداً لهذا الاطلاق . نعم إذا أنكرنا المفهوم في صحيحتي معاوية فليس لنا أن نشكك في أصل الاطلاق بأن نقول إن رواية منصور واردة في مقام بيان أنه يحصل التحلّل بالطواف أما أيّ طوافٍ هو ؟ فهل بشرط هذا أو بشرط ذاك ؟ فهي ساكتة أو منصرفة إلى الحالة الغالبة، فإذن نتمسك بالاستصحاب.
فالنتيجة هي أنه لا ينفع في حصول التحلّل إذا تقدّم طواف الحج . وسيأتي من السيد الماتن(قده) الإشارة إلى هذه المطلب الثالث في المسألة التالية فإنها متكفّلة لهذا، وإنما ذكرنا هذه القضيّة إلى جنب القضيّتين السابقتين من باب أنه مطلب واحد يرتبط بطواف الحجّ.