1441/05/26


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

41/05/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 76 ) حكم الثمن إذا ردَّ المالك البيع الفضولي ولم يمض المعاملة – شروط المتعاقدين.

هذا ولكن الشيخ النائيني(قده) أشكل على تشبيه ضمان البائع والمشتري على البدل بالوجوب الكفائي فقال: - هل المقصود هو التشبيه من زاوية الوجوب التكليفي أو المقصود هو التشبيه من زاوية الحكم الوضعي - أي الضمان - فالعلامة حينما يشبّه ضمان البائع والمشتري بالواجب الكفائي ما هو مقصوده فهل مقصوده أنه يشبهه من زاوية الحكم التكليفي أو يشبهه من زاوية الحكم الوضعي؟ فإن كان يقصد التشبيه من زاوية الحكم التكليفي فلا محذور فيه، إذ يصير المعنى هكذا:- ( هذا يجب عليه أن يؤدي إن يؤدِّ ذاك وذاك يجب عليه أن يؤدي إن لم يؤد هذا )، فهذا سوف يصير تشبيها بالواجب الكفائي ولكن من زاوية الحكم التكليفي، وإذا كان هذا مقصودٌ للعلامة فلا محذور فيه، فيصير المعنى في موردنا هكذا:- ( هذا يجب عليه أن يدفع البدل من القيمة أو المثل إن لم يدفع ذاك وذاك يجب أن يدفع إن لم يدفع هذا )، فإن كان هذا هو المقصود فلا إشكال فيه، وأما إذا كان المقصود هو التشبيه من ناحية الحكم الوضعي - أي الضمان - فهذا محل إشكال فإنه لا يجوز، لأجل أنَّ المعنى يصير هكذا:- ( هذا ضامن عن لم كن ذاك ضامناً وذاك يكون ضامناً إن لم يكن الأول ضامناً )، وهذا باطل ومستحيل، لأنه متى ما ثبت الضمان عليهما معاً يلزم أن ينتفي الضمان عنهما معاً، فمن ثبوت الضمان يلزم عدم ثبوت الضمان وما يلزم من وجوده عدمه يكون أصل وجوده مستحيلاً، أما كيف يلزم من ثبوت ضمانهما عدم ثبوت ضمانهما فذلك واضح، لأننا قلنا إنَّ المقصود من الكفائية بلحاظ الحكم الوضعي أن هذا ضامن إن لم يكن ذاك ضامن وبالعكس، فإذا كان الأول ضامناً يلزم أن لا يكون الثاني ضامناً، وهكذا الثاني حينما يكون ضامناً يلزم أن يكون الأول ليس بضامن، يعني يلزم من ثبوت الضمان في حقهما انتفاء الضمان في حقهما وهذا شيء مستحيل فإنَّ ما يلزم من وجوده عدمه يكون أصل وجوده مستحيلاً، قال:- ( فإن كان المقصود هو الأول فلا محذور فيه[1] -فيخاطب كل منهما بأن يجب عليك الأداء إن لم يؤده الآخر وأما لو كان الضمان وضعياً فلا يمكن تضمين كل منهما عرضاً ولو بنحو تقييد الاطلاق بأن يقال أنت ضامن لو لم يضمنه الآخر فإن هذا لا محصّل له لأن نتيجة كون ضمان كل منهما في مورد عدم ضمان الآخر عدم ضمان كل منهما فعلاً )[2] .

ويرد عليه:- إنه إذا قلنا إنَّ المقصود من الكفائية هي الكفائية من زاوية الحكم الوضعي فهو قال يلزم من وجود الضمان عدمه لأنَّ ضمان كل واحد يكون مشروطاً بعدم ضمان الآخر، فعند ضمان لهما يلزم انتفاء الضمان عنهما، ونحن نقول:- إنَّ هذا صحيح ولكن لماذا تفسّر الكفائية من زاوية الحكم الوضعي بهذا التفسير، وإنما يوجد تفسير آخر للكفائية في الحكم الوضعي لا يلزم منه المحذور وهو ( أنت ضامن إن لم يؤدِّ ذاك ) وليس ( إن لم يضمن ذاك )، فإذا صار المقصود هكذا فلا يلزم المحذور، فإنه بالتالي يكون ثبوت الضمان دائراً مدار عدم الأداء لا مدار عدم ثبوت الضمان في حق الآخر حتى يلزم ما ذكره، ومعه فلنفسّر الكفائية من حيث الحكم الوضعي بهذا الشكل وهو ضمان كل منهما مشروط بعدم أداء الآخر وحينئذٍ يمكن ثبوت الضمان في حقهما من دون انتفاء ، نعم اللهم إلا إذا أدّيا فإذا أدّيا فقد حصل المقصود وهو أن الداء قد صار ونحن لا نقصد إلا الأداء وقد حصلن غايته ان كلا الأداءين لا يكون لازماً فيرجع أحد الأداءين إلى صاحبه.

إن قلت: - إنه من خلال هذا عرفنا أنَّ الكفائية من حيث الحكم الوضعي يمكن أنَّ تفسّر بتفسيرين على التفسير الأول لا يمكن قبولها وعلى التفسير الثاني يمكن قبولها، ولكن لماذا رجّحت التفسير الثاني وأخذت به ولم تأخذ بالأول؟

قلت: - إنه يكفي في تحقق الشيء إمكانه ولو على بعض التقادير، فإنه إذا فسّرنا الكفائية في الضمان بالتفسير الثاني لا يلزم محذور ومادام لا يلزم محذور فيمكن ان نتعقل الكفائية في الضمان مادام ثبوت الكفائية في الضمان ممكناً على أحد التقديرين ولا يلزم أن يكون الشيء ممكناً على كلا التقديرين.

ثم إنه يمكن أن نقول إنَّ نظير المقام ما قرنه في باب الترتب بين إزالة النجاسة والصلاة، فإنه تارةً نفسّر الترتب بأنه ( تجب عليك الازالة إن لم تجب عليك الصلاة وتجب الصلاة إن لم تجب عليك الازالة ) فإذا فسّرناه هكذا فحينئذٍ حيث إنَّ الوجوب ثابت في حقه بلحاظ الازالة وبلحاظ الصلاة لأنه بلحاظ الازالة النجاسة موجودة وبلحاظ الصلاة قد دخل الوقت فيلزم انتفاء كلا الوجوبين، ولكن لا نفسّر الترتب هكذا وإنما نفسّره بانه ( تجب عليك الازالة إن لم تتغل بالصلاة إن لم تمتثل أمر الصلاة إن لم تؤدي الصلاة )، فالشرط يكون هو عدم الاشتغال وعدم الامتثال، فهذا المطلب كما ذكرناه في باب الترتب بين الازالة والصلاة ننقله إلى الكفائية من حيث الضمان ونقول ليس المقصود من الكفائية من حيث الضمان هو ( أنت ضامن إن لم يكن ذاك امناً وذاك ضامناً إن لم يكن هذا ضامنا ) فنحن لا نفسّره هكذا حتى يلزم من ثبوت الضمان في حقهما انتفاء كلا الضمانين وإنما نفسره بالتفسير الثاني وهو ( أنك ضامن إن لم يؤدِّ ذاك وذاك ضامن أو لم يؤد الأول )، فالشرط يكون هو عدم الأداء لا عدم ثبوت الضمان، ومادامت الكفائية في الحكم الوضعي - أي في الضمان - ممكنة على هذا التقدير وإن لم تكن ممكنة على التقدير الأول فإذاً سوف تكون الكفائية في الضمان أمراً ممكناً، وهذا إشكال يسجل على الشيخ النائيني(قده)، وكان من المناسب للشيخ النائيني(قده) الإشارة إلى هذا الاحتمال ثم ردّه إن لم يقبله.

وبهذا فرغنا من الاشكال الأول من إشكالي الشيخ الأعظم(قده).


[1] وهذه العبارة مني وليست من الشيخ النائيني أما ما بعدها من العبارة فهي له(قده).
[2] منية الطالب، النائيني، ج2، ص181.