1441/04/19


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

41/04/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 73 ) حكم المال الذي باعه الفضولي عند عدم تحقق الاجازة من مالكه – شروط المتعاقدين.

استدراك: - ذكرنا فيما سبق أنَّ المنافع المستوفاة في البيع الفاسد مضمونة بلا إشكال وإنما الكلام في التخريج الفني، وقد ذكرنا أربع مستندات، غير ما اخترناه وهو الارتكاز العقلائي غير المردوع عنه، وقد ناقشنا تلك الأدلة الأربعة، والاستدراك في الدليل الثالث، وهو الرواية عن النبي صلى الله عليه وآله التي تقول:- ( سباب المؤمن فسوق وقتاله كفر وحرمة ماله كحرمة دمه )، ونحن قد ناقشنا دلالتها وقلنا لا يبعد أنها ناظرة إلى الحكم التكليفي دون الحكم الوضعي، واستدراكنا في سند الحديث حيث قلنا إنَّ هذا الحدث رواه الشيخ النوري في المستدرك وسنده مرسل، ولكن اتضح أنَّ الحديث موجود في الوسائل بشكلٍ مسند معتبر، وقد نقله صاحب الوسائل عن الشيخ الكليني في الكافي، قال(قده):- عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن فضالة بن أيوب عن عبد الله بن بكير[1] عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال:- ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله سباب المؤمن فسوق وقتاله كفر وأكل لحمه معصية وحرمة ماله كحرمة دمه ) [2] [3]

ومن هنا ينفتح تساؤل: - وهو أنَّ الحديث مادام موجوداً في الوسائل فما معنى ذكره من قبل صاحب المستدرك؟ لعل ذلك لغفلة من الميرزا النوري(قده)، أو أنه رآه ولكن لم ينقله صاحب الوسائل من تمام المصادر، فصاحب المستدرك يريد أن يقول توجد له مصادر أخرى، ولكن الظاهر أنَّ المستدرك ليس موضوعاً على هذا المستوى، فإنَّ هذا بعيد جداً، وإلا بمستدرك يعني استدراك ما فات من الروايات، وهو قد ذكر ذلك في المقدمة، فهو بعد الثناء على كتاب صاحب الوسائل قال: - ( لكنّا في طول ما تصفحنا كتب أصحابنا الغراء قد عثرنا على جملة وافرة من الأخبار لم يحوها كتاب الوسائل .. وحيث وفقني الله تعالى للعثور عليها رأيت جمعها وترتيبها وإلحاقها بكتاب الوسائل )[4] فمقدمته هذه تعطي أنَّ الأحاديث التي فاتت صاحب الوسائل هو يستدركها أما الموجودة في السوائل فهو لا يذكرها، وعلى هذا الأساس لعله توجد أحاديث أخرى من هذا القبيل.

الكلام في قضية ( الخراج في الضمان ): - فإنَّ صاحب الوسيلة قد تمسك بهذا الحديث فكيف نردّه؟

وفي هذا المجال نقول: - إن فقرة ( الخراج بالضمان ) وردت بهذا اللفظ في بعض كتبنا الحديثية كما وردت بلفظها في بعض كتبا العامة، كما قد وردت بروحها في كتبنا أيضاً:-

أما بالنسبة إلى موردها بلفظها: - فقد وردت في كتبنا، ونقصد بذلك كتاب عوالي اللآلي، ونصّ عبارته: - ( عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قضى بأن الخراج بالضمان )، وقد نقلنا هذه الرواية عن مستدرك الوسائل[5] ، ولعل صاحب الوسيلة استند إلى هذا المضمون الذي رواه صاحب العوالي.

وفي مقام التعليق على ما ذكره ابن حمزة نقول:- إنَّ هذه العبارة مجملة بقطع الظر عن السند - فإن السند غير ثابت - فيحتمل أن يقصد منها ما فهمه ابن حمزة من تفسير الباء بالمقابلة، يعني ما يخرج من الشيء من منافعه يكون في مقابل ضمان العين، فمادامت ضامناً للعين فمنافع العين تكون لك مجاناً، فعلى هذا الأساس في البيع الفاسد أنت ضامن للعين فكل منافع العين تكون لك مادمت ضامناً للعين، وهذا ما أراده ابن حمزة، وقد قلنا يظهر من أبي حنيفة أنه فهم هذا المعنى أيضاً، ولكن نقول إنَّ المقصود شيء آخر، فيحتمل أن يكون المقصود هو أنَّ خراج الأرض الخراجية - أي ضريبتها لا ما يخرج من الأرض - يكون بسبب ضمانها وتقبّلها، فمن تقبّلها من والي المسلمين وأخذها منه يكون خراجها عليه وليس له، فهنا ضريبة الخراج تكون عليه، وبناءً على هذا تكون الباء ليست للمقابلة وإنما هي أنسب بالسببية، يعني ضريبة الخراج تكون بسبب ضمان الأرض وتقبّلها، وهذا احتمالٌ أيضاً، وبناءً عليه تكون الرواية أجنبية عمّا أراده ابن حمزة، وحيث إنها مجملة فلا يمكن التمسك بها، فهي ضعيفة سنداً مضافاً إلى اجمالها من حيث الدلالة والمفهوم.

وأما مورد ورودها بهذا اللفظ في كتب القوم:- فهي وردت عائشة هنا: - ( أنَّ رجلاً ابتاع غلاماً فأقام عنده ما شاء الله أن يقيم ثم وجد به عيباً فخاصمه إلى النبي صلى الله عليه وآله فردّه عليه فقال الرجل:- يا رسول الله قد استغل غلامي، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله:- اخراج بالضمان )، فالوارد هو نص عبارة ( الخراج بالضمان ) ، ومعنى ذلك أنَّ فوائد العبد تكون للمشتري في مقابل ضمانه للعبد فإنه ضامن للعبد فحينئذٍ ما يخرج من منافع يكون للمشتري، فدلالتها في هذا واضحة تقريباً وقد وردت في مصادر متعددة كسنن أبي دواد[6] وسنن ابن ماجة[7] ومسند أحمد[8] وغير ذلك.

وفي مقام التعليق نقول:- إنه بقطع النظر عن السند الدلالة محل تأمل فإنَّ الذي نريد أن نثبته هو أنَّ من كان ضامناً للعين بالمثل أو القيمة من دون عقد - أي العقد كان فاسداً أو لم يكن هناك عقد - فهو ضامن للعين، فمادام قد ضمن العين بأخذها فالفوائد تكون له، بينما الضمان الثابت في مورد الرواية هو الضمان في البيع الصحيح التام والضمان يكون بالثمن، يعني بعبارة أخرى إنَّ المشتري ضامن لهذا الغلام بالثمن، فمادام هو ضامن للثمن فالمنافع تكون له في البيع الصحيح، وهذا أجنبي عن محل كلامنا، وهذا من المسلّمات، فدائماً إذا اشترى الانسان شيئاً وكان العقد صحيحاً ففي فترة ما قبل الفسخ تكون منافع المبيع للمشتري، لأنه ملكه في مقابل الثمن، ثم بعد ذلك إذا رأى فيه عيباً يكون له حق الفسخ، فهذه الرواية أجنبية عن محل الكلام، وهذا لا يكن الالتزام به، ونحن كلامنا فيما لو فرض أنه لا يوجد عقد فالضمان كان ضمان قيمة أو مثل من دون وجود عقد، أما مع وجود عقدٍ صحيح فلا إشكال في أنَّ المنافع في العقد الصحيح تكون للمشتري، فهذه الرواية خارجة عن محل كلامنا.

أما ما ورد بالمضمون وإن لم يرد باللفظ في كتبنا: - فهو ما ورد عن زيد الشهيد عن آبائه عليهم السلام، والسند معتبر: - ( أتاه رجل تكارى دابة فهلكت وأقر أنه جاز بها الوقت فضمّنه الثمن ولم يجعل عليه كراءً )[9] ، أي لم يجعل عليه كراءً زائداً على الأجرة المقررة لأجل تجاوز الفترة المقررة.

وهذه الرواية كما ترى ليس فيها لفظ ( الخراج بالضمان ) لكنها تؤدي نفس المعنى، وهو أنه مادام المستأجر ضامناً للدابة لو هلكت فالفوائد تكون له ، فروحها روح قاعدة الخراج بالضمان.

وهي كما ترى معارضة لمثل صحيحة أبي ولاد التي حكم فيها الامام عليه السلام بالضمان، فتحمل على التقية كما هو واضح.

فرواية أبي ولاد وروايات أخرى في نفس الباب من الوسائل تحكم بأنَّ من جاز بالدابة الوقت المقرر والمسافة المقررة يكون ضامنا إلا هذه الرواية فقط فهي تقول بأنه ليس بضامن، فهي أولاً معارضة بتلك الروايات فيرجع إلى القاعدة، مضافاً إلى ذلك إنه ربما يقال إنه لا تساقط وإنما تحمل هذه الرواية على التقية، لأن فتوى القوم كانت على هذا، ولذلك نرى أن أبا حنيفة قد تمسّك بذلك، فإذاً هذه الرواية لا يصح التمسك بها أيضاً.

والنتيجة النهائية من كل ما ذكرنا: - إنَّ المنافع المستوفاة في باب الفضولي من دون اجازة هي مضمونة للارتكاز العقلائي غير المردوع عنه.


[1] فالسند معتبر لكنه موثق لأن عبد بن بكير موجود فيه.