1441/04/24


تحمیل

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

41/04/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الديات

(مسألة 208): إذا هرب القاتل فيما يشبه العمد فلم يقدر عليه أو مات، أُخذت الدية من ماله، فإن لم يكن له مال فالدية على الأقرب فالأقرب إليه(2)

2- وطرحت هذه المسالة في كلمات الفقهاء في شبه العمد وتطرق الشيخ الطوسي (قده) في النهاية الى هذا الفرع (وأما دية قتل الخطأ شبيه العمد، فإنها تلزم القاتل نفسه في ماله خاصة فإن لم يكن له مال، استسعي فيها، او يكون في ذمته إلى ان يوسع الله عليه فإن مات او هرب، أخذ أولى الناس اليه بها ممن يرث ديته فإن لم يكن له أحد، أخذت من بيت المال)[1] وتطرق لها المحقق في الشرائع (و دية الخطإ شبيه العمد في مال الجاني فإن مات أو هرب قيل تؤخذ من الأقرب إليه ممن يرث ديته فإن لم يكن فمن بيت المال و من الأصحاب من قصرها على الجاني)[2] وهذا اشارة منه الى الشيخ ابن ادريس (قده) وذكر القاضي ابن البراج نفس كلام الشيخ الطوسي (قده)

وطرحت هذه المسالة ايضاً في القتل العمد في كتاب القصاص فذكر في الشرائع (إذا هلك قاتل العمد سقط القصاص، و هل تسقط الدية قال في المبسوط نعم و تردد في الخلاف (و في رواية أبي بصير: إذا هرب و لم يقدر عليه حتى مات أخذت من ماله و إلا فمن الأقرب فالأقرب)[3]

وقد خالف العلامة في هذا الفرع وذهب في جملة من كتبه الى الى انها تجب في تركة الجاني واستدل عليها بقوله (عليه السلام): ((ولا يبطل دم امريء مسلم))

والنصوص المرتبطة بهذه المسالة ثلاثة:

الاول: مضمرة سماعة ، قال : سألته عمن قتل مؤمنا متعمدا هل له من توبة؟ قال : ((لا ، حتى يؤدي ديته إلى أهله ، ويعتق رقبة ، ويصوم شهرين متتابعين ، ويستغفر الله ويتوب إليه ويتضرع ، فاني أرجو أن يتاب عليه إذا فعل ذلك ، قلت : فان لم يكن له مال؟ قال : يسأل المسلمين حتى يؤدي ديته إلى أهله))[4] وسندها موثق فالمقصود بالحسن هو الحسن بن محمد بن سماعة وهو يروي عن زرعة عن سماعة، والرواية لم يفرض فيها الهروب او الموت وليس فيها ما ذكره الفقهاء من انها تؤخذ من ماله فان لم يكن له مال فمن الاقرب فالاقرب، فضلا عن انها مختصة بالعمد وكلامنا في شبه العمد فلا تصلح ان تكون مستندا في المقام

الثاني: صحيحة أبي بصير ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه‌ السلام) عن رجل قتل رجلًا متعمداً ثم هرب القاتل فلم يقدر عليه؟ قال : ((إن كان له مال اخذت الدية من ماله ، وإلا فمن الاقرب فالاقرب ، وإن لم يكن له قرابة أداه الامام ، فانه لا يبطل دم امرئ مسلم))[5]

وهذه الرواية رواها المشايخ الثلاثة في الكافي والتهذيب والفقيه باسانيد صحيحة عن ابي بصير الا انه في الفقيه اضاف (حتى مات) بعد قوله (ثم هرب القاتل فلم يقدر عليه) ومورد الرواية هو القتل العمدي مع هروب القاتل وعدم القدرة عليه، والرواية تدل على انه لا بد من دفع الدية الى اولياء المقتول من مال الجاني فان لم يكن له مال تؤخذ الدية من الاقرب فالاقرب فان لم يكن له قرابة اداها الامام لانه لا يبطل دم امريء مسلم

والثالث: رواية ابن أبي نصر ، عن أبي جعفر (عليه ‌السلام) في رجل قتل رجلا عمدا ثم فر فلم يقدر عليه حتى مات ، قال : ((إن كان له مال اخذ منه ، وإلا اخذ من الاقرب فالاقرب))[6] ، وهذه الرواية فيها مشكلة سندية فان سندها (الكليني بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب ، عن العلاء ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن أبي نصر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام) والمنصرف من العلاء هو العلاء بن رزين الثقة وقد يكون هو العلاء بن الفضيل بن يسار وهو ثقة ايضا وكلاهما من اصحاب الامام الصادق (عليه السلام) ولكن من البعيد جدا ان يروي عنه محمد بن علي بن محبوب الذي هو من الطبقة السابعة لانه يروي عن ابراهيم بن هاشم والبزنطي واحمد بن محمد بن عيسى وكل من هذين الاخيرين يروي عن العلاء بن رزين، وهذا وان كنا لا نقبله بشكل قاطع بل هو يختلف باختلاف الموارد والاعمار والتنقلات بين البلدان والقاعدة المتبعة اننا ناخذ بالظاهر الى ان يثبت انه لا يمكن ان يروي هذا عن هذا فنرفع اليد عن هذا الظهور، والا فمجرد الاحتمال لا يكفي فكثيرا ما وجدنا رواية اصحاب طبقة متاخرة عن متقدمة، الا ان محمد بن محبوب ليس له رواية عن العلاء بن رزين غير هذه الرواية

واما احمد بن محمد فيحتمل ان يكون المراد به هو ابن عيسى او ابن خالد البرقي ويحتمل ان يكون شخصاً اخر، وكل منهما من الطبقة السابعة وكل منهما يروي عن العلاء بن رزين فكيف نفترض رواية العلاء بن رزين عن البزنطي بواسطة احمد بن محمد،

فهذه مجموعة امور توجب خللاً في سند الرواية وكأن الصحيح هو محمد بن علي بن محبوب عن احمد بن محمد عن ابن ابي نصر عن العلاء عن ابي جعفر، وهذا وان كان لا يرد عليه الاشكال المتقدم الا ان المشكلة في هذا هو ان العلاء بن رزين لم يروي عن الامام الباقر (عليه السلام) ولا يمكن ان يراد به الامام الجواد (عليه السلام) لاختلاف الطبقة

ولعل الصحيح بل المطمأن به هو ان هذا السند هو بالشكل الذي ذكره الشيخ في الاستبصار[7] (محمد بن علي بن محبوب عن احمد بن محمد بن ابي نصر عن ابي جعفر) والمراد بابي جعفر هو الامام الجواد (عليه السلام) ويحتمل انه محمد بن علي بن محبوب عن احمد بن محمد عن ابي نصر (بتغيير بن الى عن) وهذا سند معروف

والمظنون قوياً حصول اشتباه في سند التهذيب

ومورد الرواية الثانية هو القتل العمدي مع هروب القاتل وعدم القدرة عليه، ويبدو ان موضوع الروايتين واحد وهو القاتل الهارب اذا لم يقدر عليه، واما عبارة (الى ان مات) الموجودة في صحيحة ابن ابي نصر وصحيحة ابي بصير على رواية الصدوق فهي موجودة في كلام السائل مما يجعلنا نفترض ان موت القاتل بعد هروبه لا دخل له في الحكم، فان موضوع الحكم هو القاتل الهارب الذي لا يقدر عليه

وبعبارة اخرى: ان مقتضى الجمع بين الروايتين يجعلنا نقول ان (حتى مات) لا دخل له في الحكم بدليل بيان نفس الحكم في صحيحة ابي بصير مع عدم وجود الزيادة فيها، فالسائل في الرواية الثانية اضاف (حتى مات) مع انه لا دخل له في الحكم

 


[1] النهاية: 738.
[2] شرائع الاسلام: 4/274.
[3] شرائع الاسلام: 4/217.
[4] وسائل الشيعة: الباب10 من ابواب قصاص النفس ح5.
[5] وسائل الشيعة الباب4 من أبواب العاقلة ح1.
[6] وسائل الشيعة: الباب4 من أبواب العاقلة ح3.
[7] الاستبصار: 4/ 262، ح986.