1441/01/18


تحمیل

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

41/01/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: احكام الاعتكاف.

مسألة ٣ : كل ما يفسد الصوم يفسد الاعتكاف إذا وقع في النهار ، من حيث اشتراط الصوم فيه ، فبطلانه يوجب بطلانه. وكذا يفسده الجماع[1] ، سواء كان في الليل أو النهار، وكذا اللمس والتقبيل بشهوة[2] ، بل الأحوط بطلانه بسائر ما ذكر من المحرّمات من البيع والشراء وشمّ الطيب وغيرها ممّا ذكر، بل لا يخلو عن قوّة وإن كان لا يخلو عن إشكال أيضاً[3] . وعلى هذا فلو أتمّه واستأنفه أو قضاه بعد ذلك إذا صدر منه أحد المذكورات في الاعتكاف الواجب كان أحسن وأولى‌.

    1. كان الكلام حول امكان استفادة كلتا الحرمتين التكليفية والوضعية من نهي واحد عن فعل شيء في المركب الاعتباري من قبيل النهي عن الجماع في الاعتكاف، وقلنا بانه ان كان الحديث عن الامكان والاستحالة كما طرحوه فالصحيح هو الامكان، لان الدليل الذي استدلو به غير تام حيث ذكروا بان الحرمة الوضعية تدخل في باب الاخبار وهو مختلف جنساً عن الانشاء وقد بينا ان الحرمة الوضعية كذلك تدخل في باب الانشاء

نعم قلنا بان افتراض ان النهي يكشف عن اعتبارين في نفس الشارع وقد ابرزهما بخطاب واحد يحتاج الى دليل

لا يقال بان الدليل هو نفس ظهور النهي لان النهي له ظهور في الحرمة التكليفية وله ظهور ثانوي في الحرمة الوضعية اذا تعلق بشيء في ضمن المركب الاعتباري، وبعبارة اخري انه لا داعي لما افترضوه من انقلاب ظهور النهي لو تعلق بشيء في ضمن المركب الاعتباري من الحرمة التكليفية الى الحرمة الوضعية بل يبقى ظهوره في الحرمة التكليفية وبه اشارة الى انه لو خالف يكون موجباً لبطلانه

لان هذا لا يمكن الركون اليه لاستفادة كلتا الحرمتين من النهي لاننا نرى ان النهي عن الشيء في المركبات الاعتبارية له ظهور واحد في الحرمة الوضعية فالنهي عن التكفير في الصلاة ظاهر في اعتبار المانعية ولا يكون ظاهراً في الحرمة التكليفية، ومن هنا ننتهي الى نتيجة وهي ان النواهي الواردة في البيع والشراء والجماع حال الاعتكاف ظاهرة في الحرمة الوضعية ولابد من التماس دليل لاثبات الحرمة التكليفية

وهناك دعوى الاجماع على الحرمة التكليفية بل الذي يظهر بملاحظة كلمات الفقهاء المفروغية عن الحرمة التكليفية وانما كلامهم في الحرمة الوضعية، فحتى من انكر الحرمة الوضعية هو يؤمن بالحرمة التكليفية

ويضاف الى ذلك ما تقدم في الاستدلال على مفسدية الجماع للاعتكاف من التمسك بالنصوص المتضمنة لترتيب الكفارة على الجماع في الاعتكاف بتقريب ان الكفارة انما تترتب على الحرمة التكليفية واذا كان الجماع حراماً تكليفاً في الاعتكاف فهو مفسد

ونحن لم نقبل هذا التقريب لاثبات البطلان وان وجد تلازم بين الكفارة والاثم فنصوص الكفارة تدل على الحرمة التكليفية ولكن لا قابلية لها على اثبات البطلان

وبعبارة اخرى انه يكفي في ترتب الكفارة حرمة الشيء تكليفاً ولكن هذا لا يتوقف على افتراض المبطلية والفساد

والى هنا يظهر باننا نوافق المشهور في حرمة الجماع تكليفاً ووضعاً ولكن ليس الدليل على حرمته تكليفاً هو النصوص الناهية عن الجماع في الاعتكاف لاننا استظهرنا ظهورها في الحرمة الوضعية

    2. الالتزام بكونهما مفسدين مبني ظاهراً على تحريم هذين الامرين في الاعتكاف واستدل على تحريمهما بالاية الشريفة ((وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ))البقرة 187، بعد تعميم المباشرة للمس والتقبيل بشهوة فيكون نهي عن الفعل في المركب الاعتباري فيكون ظاهراً في المبطلية

وهذا الاستدلال تقدم التأمل فيه وقلنا بان الظاهر من المباشرة ارادة خصوص الجماع فلا تشمل اللمس والتقبيل بشهوة، على انه يحتمل ان تكون الاية المباركة ناظرة الى الاعتكاف اللغوي اي اللبث في المساجد لا الاعتكاف الشرعي

نعم نسب الى المشهور القول بالتحريم بل قال في الجواهر[4] لا اجد فيه خلافاً

ولكن يمكن ان يقال بان ما ذهب اليه المشهور يحتمل ان يكون مبنيا ًعلى ما ذكرناه من تعميم المباشرة في الاية للمس والتقبيل بشهوة بل صرحوا بذلك، فيكون اشبه بالشهرة المدركية، فاذا ناقشنا في الاستدلال بالاية الشريفة فالظاهر انه لا تمنع هذه الشهرة من الالتزام بعدم حرمة اللمس والتقبيل بشهوة في اثناء الاعتكاف لا تكليفاً ولا وضعاً

    3. وبطلان الاعتكاف بهذه الامور المذكورة واضح وهو يستفاد من صحيحة ابي عبيدة المتقدمة عن أبي جعفر (عليه‌السلام) قال: (( المعتكف لا يشم الطيب ، ولا يتلذذ بالريحان ، ولا يماري ، ولا يشتري ، ولا يبيع .. الحديث))[5] وهذا يكفي لاثبات الفساد والبطلان، ومع ظهور الرواية لا داعي لاحتياط السيد الماتن، وان ذكر بعضهم احتمال ان يكون السيد الماتن ناظراً الى ما تقدم نقله عن بعض الاعلام من احتمال ان تكون هذه من قبيل محرمات الاحرام فليس فيها الا الحرمة التكليفية ولا توجب فساد الاعتكاف، ولكن ذكرنا بان الرواية الصحيحة تدل على الفساد

نعم الحرمة التكليفية بحاجة الى اثبات، فاذا قلنا بان النهي في صحيحة ابي عبيدة يبقى على ظهوره الاولي في الحرمة التكليفية يلتزم بها كما نسب ذلك الى العلامة (قده) ولكن لا نلتزم حينئذ بالحرمة الوضعية وان قلنا بانه ظاهر بالحرمة الوضعية نلتزم بها، وان قلنا باستفادة كلتا الحرمتين منها نلتزم بهما

ولكن قلنا بانه لا دليل على كلتا الحرمتين بل الدليل ظاهر في الحرمة الوضعية، نعم تكون محرمة تكليفاً حينما نفترض ان ابطال الاعتكاف حرام كما في اليوم الثالث فاذا ارتكبه حينئذ ابطل اعتكافه وارتكب حراماً من جهة ابطال الاعتكاف

وقول الماتن (وعلى هذا فلو أتمّه واستأنفه أو قضاه بعد ذلك إذا صدر منه أحد المذكورات في الاعتكاف الواجب كان أحسن وأولى) قرينة على ان مراد السيد الماتن من الاحتياط المذكور قبل هذه العبارة هو الاحتياط الاستحبابي

 


[1]  .
[2]  .
[3]  .
[4] جواهر الكلام: 17/200.
[5] وسائل الشيعة ط-آل البیت: 10/553.