1440/08/10


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/08/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- بيع الفضولي– شروط المتعاقدين.

وبهذا ننهي كلامنا عن الأدلة الدالة على صحة بيع الفضولي وإن كان الكثير منها قد ناقشنا فيه إلا أنَّ بعضها فيه الكفاية.

الأدلة على بطلان بيع الفضولي:-

الدليل الأول:- الكتاب الكريم ، أعني قوله تعالى:- ﴿ لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم ﴾[1] .

وتقريب دلالتها على بطلان بيع الفضولي قد مرّ في بيع المكره:- وأنَّ البيع المكره هل يقع صحيحاً إذا رضي أو لا ، فما سوف نذكره هنا قد تقدم هناك ولكن لدقة الأبحاث لا بأس بالاعادة ، فهذه الآية الكريمة قد يستدل بها على بطلان بيع الفضولي بتقريب أنها قال في ذيلها ﴿ لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا ان تكون تجارة عن تراضٍ ﴾ فهي حصرت جواز الأكل بالتراضي وكلمة ( عن ) نشوئية ، أي أن تكون تجارة ناشئة عن تراضٍ ، وحيث إنه في باب الفضولي لا تكون التجارة ناشئة عن تراضٍ بل لو حصل الرضا فهو يحصل بعد تحقق التجارة فالتجارة لا تكون ناشئة عن تراضٍ ، فيثبت بمقتضى الآية الكريمة بطلان بيع الفضولي.

ولا بأس بالالتفات إلى قضية:- وهي أنَّ الآية الكريمة دلت في قولها ﴿ إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ ﴾ على أنَّ المجوّز للأكل والتملك يحصل بالتجارة عن تراضٍ فقط.

وكيف نستفيد هذا من الآية الكريمة ؟ذلك بتقريبين:-

التقريب الأول:- إننا نستفيد ذلك بواسطة الحصر.

التقريب الثاني:- إننا نستفيد ذلك بواسطة ورود الوصف مورد التحديد.

أما الحصر:- والمقصود أننا نستفيد الحصر من كلمة ( إلا ) في عبارة ﴿ إلا أن تكون تجارة عن تراض ﴾ ، فالمفهوم سوف يصير ( إذا لم تكن التجارة عن تراض فلا تأكلوا - أي فلا تتملّكوا - ، وبذلك يثبت المطلوب بعد كون ( عن ) نشوئية ، وأخرى نستفيد الحصر ليس من كلمة ( إلا ) وإنما نلغي كلمة ( إلا ) من الحساب ونقول إنَّ الوصف وارد مورد التحديد ، والمقصود من الوصف هو ﴿ عن تراض ﴾ فيصير المفهوم هو أنَّ التجارة التي لا عن تراض لا تأكلوا بها ، وبذلك ثبت المطلوب أيضاً.

وقد أشار إليهما الشيخ الأعظم(قده) بقوله:- ( دل[2] بمفهوم الحصر أو سياق التحديد[3] على أنَّ غير التجارة عن تراضٍ أو التجارة لا عن تراضٍ غير مبيح لأكل مال الغير وإن لحقها الرضا ومن المعلوم أنَّ الفضولي غير داخلٍ في المستثنى[4] )[5] .

وحاول الشيخ أن يناقش في التقريب الأول - يعني التمسك بمفهوم الحصر – بمناقشة بسيطة ومر مرور الكرام حيث قال:- إنَّ هذا الحصر منقطع وهو لا يفيد الحصر.

ونحن في مقام التعليق نقول:- إننا نحتاج إلى مقدمات ثلاث:-

الأولى:- إن الاستثناء منقطع كما ذكر الشيخ الأعظم(قده) ، وربما يقال هو متصل.

الثانية:- إنَّ الاستثناء المنقطع لا يفيد الحصر ، كما هو مذكور في اللغة العربية لأن ( إلا ) في الاستثناء المنقطع هي بمعنى ( لكن ) فلا تفيد الحصر.

الثالثة:- فقدان البديل الدال على الحصر ، أما إذا فرضنا أنَّ هناك بديل في الاستثناء المنقطع موجود دائماً يمكن الاستعانة به لا استفادة الحصر ، فسوف نقول بأنَّ الاستثناء المنقطع يفيد الحصر لكن من خلال البديل.

أما بالنسبة إلى المقدمة الأولى:- فقد ذهب غير واحد من الأعلام إلى أنه يمكن أن يقال إنَّ الاستثناء في الآية الكريمة متصل وليس بمنقطع فإنَّ كلمة ( الباطل ) يراد منها الباطل الشرعي لا الباطل العرفي ، وإذا كان المقصود هو الباطل الشرعي فسوف يصير المعنى ( لا تأكلوا أموالكم بأيّ سببٍ من الأسباب فإنَّ جميع الأسباب محكومة شرعاً بالبطلان إلا سبباً واحداً وهو التجارة عن تراضٍ فإنها سببٌ صحيح شرعاً ) ، فإذا فسّرنا الآية الكريمة بهذا الشكل فسوف يصير الاستثناء متصلاً وليس منقطعاً.

لكن يمكن أن يشكل عليه ويقال:- إنَّ هذا وجيه إذا كلمة ( بالباطل ) ذكرت كحكم ، أما إذا ذكرت كمتعلّق بسابقها فلا يتم ما أُفيد ، يعني إذا ذكر كحكمٍ ، أي لا تأكلوا أموالكم بينكم بأيّ سبب فإنَّ الأسباب محكومة جميعاً بالبطلان ، ولكن الآية الكريمة حينما ذكرت ( بالباطل ) لا تقصد هذا المعنى ، وإنما ( بالباطل ) هو جار ومجرور وهو ليس حكماً وإنما هو متعلّق بـ( لا تأكلوا أمالكم بينكم بالباطل إلا ) يعني وكلوا بالتجارة عن تراضٍ ، وبناءً على هذا لا تكون كلمة ( بالباطل ) حكماً حتى يتم ما أريد ، فإنَّ الطريقة التي سلكوها متوقفة على أن نفسّر ( بالباطل ) بأنها حكماً شرعياً وهو أنَّ جميع الأسباب محكومة بالبطلان ، أي لا تأكلوا أموالكم بأيّ سببٍ من الأسباب فإنَّ جميع الأسباب محكومة شرعاً بالبطلان ، فلو فسّرنا الآية الكريمة هكذا فما قالوه صحيح ، ولكن الآية الكريمة لا تريد هذا المعنى ، وإن لم يكن ما ذكرناه مقصودٌ جزماً فلا أقل احتمالاً ، فإنَّ ( بالباطل ) ليس حكماً وإنما هو متعلق بـ( لا تأكلوا ) فالأكل بالباطل لا يجوز إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ ، فالاستثناء يكون منقطعاً لا محالة.

وأما بالنسبة إلى المقدمة الثانية:- فالمعروف أنَّ الاستثناء المنقطع لا يفيد الحصر ، ولكن ربما يقال:- إنه عرفاً نفهم منه الحصر ، فحينما نقول ( ما جاء القوم إلا كتبهم ) يعني لولا الضغوطات الخارجية علينا وهي تلقين كتب اللغة العربية التي تقول إنَّ هذا الاستثناء بمعنى ( لكن ) و( لكن ) لا تدل على الحصر فكان يوجد بعرفيتنا أن نفهم الحصر حتى في الاستثناء المنقطع ، وهذا شيءٌ وجيه.

وحاول الحاج ميرزا علي الايرواني(قده) أن يخرّج ما قاله النحاة من عدم افادة الاستثناء المنقطع للحصر بتخريجٍ صناعي - يعني هو وافق النحاة في ذلك – حيث قال[6] :- إنَّ جملة الاستثناء إذا رجعت إلى جملتين فحينئذٍ نفيد الحصر وأما ّغا لم ترجع إلى جملتين وأمكن أن ترجع إلى أكثر من ذلك فلا تفيد الحصر ، ثم قال إذا كان الاستثناء متصلاً من قبيل ( جاء القوم إلا زيداً ) فهنا يرجع إلى جملتين فيفيد الحصر والملة الأولى هي ( جاء القوم كلهم ) والجملة الثانية ( لم يجئ زيد ) فإذا جاء القوم كلهم ولم يجئ زيد فهذا معناه الحصر ، لأنَّ عدم المجيئ منحصر بزيد فقط ، وأما إذا كان الاستثناء منقطعاً فأمر الجملة لا ينحصر بجملتين بل قد يتجاوز أكثر ، فلو قيل ( ما جاء القوم إلا حيواناتهم ) فهنا يفهم أنَّ الجملة الأولى هي ( ما جاء من القوم أحد ) والجملة الثانية التي نفهمها هي أنه ( جاءت حيواناتهم ) ، وهذا لا ينافي وجود جملة ثالثة وهي ( جاءت كتبهم ورسائلهم ) ، فحينئذٍ لا نستفيد الحصر بخلافه في المتّصل.

وإذا أردنا أن نطبّق هذا في مورد الفضولي في الآية الكريمة فالمستفاد من جلمة ﴿ لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون ﴾ فالجملة الأولى هي ( لا تأكلوا أموالكم بأيَّ سبب باطل ) ، والجملة الثانية هي ( كلوا بالتجارة الناشئة عن تراضٍ ) ، وهذا لا ينافي وجود جملة ثالثة وهي ( كلوا بالتجارة التي تعقبها الرضا وإن لم تكن ناشئة عن الرضا ).


[2] يعني ﴿ إلا أن تكون تجارة عن تراض ﴾.
[3] أي ﴿ عن تراض ﴾.
[4] الذي هو ﴿ إلا أن تكون تجارة عن تراض ﴾ لأن تجارة الفضولي ليست ناشئة عن تراض وإن لحقها التراض لكنها ليست ناشئة عن تراضٍ فتكون باطلة بالآية الكريمة.
[6] حاشية المكاسب، الميرزا علي الايرواني، ج2، ص197، بحث المكره.