1440/07/12


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/07/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- بيع الفضولي– شروط المتعاقدين.

وقد اختلفت كلمات الأعلام حول هذه الرواية فالحاج ميرزا علي الايرواني(قده)[1] ذهب إلى أنَّ هذه الرواية من أقوى الروايات دلالة على صحة عقد الفضولي ، بينما جعل الشيخ الأعظم(قده)[2] هذه الرواية من المؤيدات لصحة عقد الفضولي بالاجازة ولم يسردها في قائمة الأدلة.

ويمكن أن يقال:- إنَّ هذه الرواية ناظرة إلى غير محل كلامنا ، فنحن نفترض في محل الكلام أنَّ العقد أجراه غير صاحب الحق وهو المالك وإنما أجراه شخص آخر غير المالك ، فكلامنا هنا بينما المفروض في الرواية أنَّ الذي أجرى العقد هو نفس صاحب الحق في الشيء لأنَّ العبد بالعقد قد زوج نفسه لا أنه زوّج غيره ونحن محل كلامنا إذا فرض أنه زوّج أو باع أو اشترى للغير والمفروض الآن أنَّ العبد زوّج نفسه فهو تصرف بلحاظ نفسه غايته المولى له حق في أن يُكسَب الإذن منه ، فحينئذٍ محل الكلام في الرواية ما إذا أجرى العقد صاحب الحق ، وحيث إنَّ المانع من صحة العقد بعد فرض أنَّ الذي أجراه هو نفس صاحب الحق حيث إنَّ المانع هو اعتبار إذن المولى وموافقته فحينئذٍ متى ما رضي المولى سقط بذلك حقه لأنه قد رضي والمفروض أن العقد قد صدر من صاحب الحق فيقع صحيحاً ، وهذا المقدار لا ينفعنا فيما نريد اثباته ، فإنَّ محل كلامنا هو فيما لو أجرى الشخص عقداً بلحاظ الغير كأن زوّج الغير أو باع ملك الغير أو اشترى ملك الغير ، فحينئذٍ هذه الرواية لا تنفعنا باعتبار أنها خارجة عن محل الكلام.

إن قلت:- إنَّ هذا كلام علمية وجيه ولكن الامام عليه السلام علل صحة العقد بقوله ( إنه لم يعص الله وإنما عصى سيده ) وهذا يفهم منه أنه متى ما كان العقد مشروعاً في حدّ نفسه وليس كالعقد على الخامسة أو على أخت الزوجة أو على المحرمات في باب البيع كأن باع الكلب أو الخنزير أو الذعر فهذا ليس مشروعاً في حدّ نفسه ، فيستفاد من الرواية أن العقد متى ما كان مشروعاً في حدّ نفسه فحينئذٍ يصح بالاجازة ، هكذا يفهم وهذا التعليل يشمل محل كلامنا وهو ما إذا فرض أنَّ الشخص باع أو اشترى ملك الغير ، يعني صدر العقد من غير صاحبه.

قلت:- حيث إنّ المفروض في الرواية أنَّ العقد قد صدر من صاحب الحق لأنَّ العبد زوّج نفسه ، فبعد أن صدر العبد من صاحب الحق فلا يبقى مجال أمام الامام عليه السلام في مقام التعليل إلا أن يعلل بأنه عصى السيد فإذا أجاز جاز.

وبعبارة أخرى:- إنَّ شرط الصحة من المحتمل هو مجموع أمرين على سبيل الاجتماع ، أحدهما أن يجري العقد صاحب الحق وثانيهما أن لا يلزم سلب حق الآخر ، وفي المقام حيث إنَّ العقد قد صدر من صاحب الحق - لأنَّ العبد هو أجرى العقد لنفسه ولم يتصرف في حق غيره بل تصرّف في حقه - فالجزء الأول متوفر والمفقود فقط وفقط هو الجزء الثاني فمن المناسب أن يعلل الامام عليه السلام بفقدان الجزء الثاني.

فإذاً لا يمكن أن سنتفيد من هذا التعليل المشروعية حتى في حالة فقدان كلا الجزأين بما في ذلك الجزء الأول - يعني في حالة صدو العقد من غير صاحبه -.ونلفت النظر إلى أني لا أريد أن أقول إنَّ هذا الذي قلناه هو مقصود الامام عليه السلام وهو المنظور في الرواية حتماً ، وإنما نقول من المحتمل وجيهاً أن يكون المقصود هو هذا - يعني في حالة ما إذا أجرى العقد نفس صاحب الحق غايته كان هناك جزء آخر فالإمام يقول متى ما توّفر الجزء الآخر صح العقد أما إذا فرض أنه من البداية الجزء الأول لم يتوفر فالإمام عليه السلام ليس ناظراً إلى اثبات الصحة عند تحقق الجزء الثاني - فإذاً لا يمكن التمسّك بالرواية حتى سبيل المؤيد ، ولا يخفى لطفه.

الطائفة السابعة:- وهي روايات المضاربة ، وهي متعددة ، ومضمونها أنه لو دفع شخص مالاً إلى الغير ليضارب به ولكن اشترط على العامل في شراء متاع معين كأن قال له أريد أن تعمل بشراء وبيع الكتب العلمية ولا تعمل بشيء آخر وقرروا مقدار الربح بينهما ولكن نفتض أن العامل خالف وتاجر بغير الكتب فما الحكم هنا ؟ فأجاب الامام عليه السلام هنا وقال هو ضامنٌ والبرح بينما على ما شُرِط ، ومعنى كونه ضامناً أنه إذا صارت خسارة فالعامل ضامن ، وأما إذا لم تحصل خسارة وإنما حصلت أرباح فحينئذٍ هي على ما شُرِط ، ونقرأ رواية واحدة ، وهي:- ( وعنه[3] عن معاوية بن حكيم عن محمد بن أبي عمير عن جميل[4] عن أبي عبد الله عليه السلام:- في جل دفع إلى رجل مالاً يشتري به ضرباً من المتاع مضاربةً فذه فاشترى به غير ما أمره ، قال: هو ضامن والربح بينهما على ما شُرِط )[5] ، والمعنى واضح ، فإنَّ المقصود من ( والربح بينهما على ما شُرِط ) يعني إن حصل ربح ، وذاك ضامن إنَّ فرض الخسارة وعدم الربح .

وقد يقول قائل:- إنَّ الدلالة واضحة ولا نحتاج إلى تقريبها ، لأنَّ الامام عليه السلام قال إذا حصل الربح فهو بينهما ، وهذا معناه أنه بما أنه يوجد ربح فسوف يجيز البيع فتدّل الرواية على صحة عقد الفضولي بالاجازة.

ولكن توجد مشكلة في الرواية:- وهي أنَّ الامام عليه السلام قال ( الربح ينهما على ما شرط ) ولم يقل ( إن أجاز ) ، فلعل هذا حكم إلزامي تعبدي من قبل الشارع فإنه أجاز المالك أو لم يجز فالربح يكون بينهما ، وهذا الاحتمال موجود.

فإذاً كيف نوجه التمسّك بالرواية ؟

قال الشيخ الأعظم(قده)[6] في هذا المجال:- إذا كانت الرواية لم يفترض فيها الاجازة وكان هذا حكماً تعبّدياً وإلزاماً شرعياً من المالك الحقيقي وهو الله عزّ وجل أنَّ الربح بينهما أجاز أو لم يجز فلا تنفعنا ، فنحن نريد أن نلاحظ القاعدة حتى نستفيد في غير ذلك من الموارد وإلا فالحكم التعبّدي يختص بمورده وسوف لا نستفيد التعبدي إلى الموارد الأخرى ونحن المهم عندنا هو استفادة القاعدة الكلية وأنَّ عقد الفضولي يصح بالاجازة بشكلٍ مطلق فسوف لا نستفيد هذا الشيء ، فإذاً سوف لا ننتفع بها شيئاً إلا من باب الاستئناس ، فيستفاد بدرجةٍ ضعيفة أنَّ سبق الرضا ليس شرطاً في صحة العقد وليس مقوّماً للصحة ولكن هذا بدرجة الاستئناس.

وإنما جعله استئناساً لا دلالةً لاحتمال اختصاص هذا الحكم التعبّدي بمورده ، هذا إذا فرضنا أنَّ الرواية ناظرة إلى أنَّ الربح يكون بينهما حتى إذا لم تحصل الإجازة.وأما إذا كان القصود هو أنَّ الربح بينهما على تقدير صدور الاجازة ، فآنذاك سوف تنفعنا هذه الرواية وتصلح أن تكون دليلاً على صحة عقد الفضولي بالاجازة ، إلا أن يقال إنَّ احتمال اختصاصها بباب المضاربة شيء محتمل ، فإذا كان هذا الاحتمال موجوداً فنتمسّك بها على مستوى التأييد على صحة عقد الفضولي بالاجازة في غير هذا المورد لا على مستوى الدليل.

[1] حاشية المكاسب، الحاج ميرزا علي الايرواني، ج2، ص224.
[3] أي عن محمد بن الحسن الصفّار كما في التهذيب.
[4] والسند معتبر، وطريق الشيخ إلى محمد بن الحسن الصفّار معتبر.