1440/07/16


تحمیل

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/07/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الإعتكاف، مسألة ١٤ و١٥ في نذر الإعتكاف

قال السيد الماتن (قده) في ذيل مسألة ١٤: (وإن بقي شيء من ذلك الزمان المعين بعد الإبطال بالإخلال فالأحوط ابتداء القضاء منه)

ففي صورة ما اذا نذر المكلف اعتكاف شهر رجب مثلاً وأخل باليوم العاشر منه الأحوط له ان يبتدأ القضاء من ذلك الزمان، لا أن يترك الزمان الذي نذر الإعتكاف فيه بالكلية ثم يقضيه بعده إنقضاء ذلك الزمان.

وهذا الإحتياط ليس واضحاً ويمكن أن يشكك فيه، لانه لا وجه له سوى مسألة مراعاة الزمان الذي نذر الإعتكاف فيه بالمقدار الممكن، فاذا ما امكن الإتيان بالأداء فيه فليكن القضاء في ذلك الزمان، وهي غير تامة، اذ بعد أن أخل بما نذره لا يكون هناك فرق بين هذا الزمان و بين ما بعده من الأزمنة في كون أتيان الفعل فيهما يعد خارج وقته المخصص له بحسب النذر، فاذا فرضنا ان الدليل دل على وجوب قضاء الجميع لا يكون فرق بين الزمان المتبقي من الزمان الأول وبين الزمان الثاني. فغاية ما يمكن أن يقال في هذا الإحتياط أنه إستحبابي.

 

مسألة ١٥: (لو نذر إعتكاف أربعة أيام فأخل بالرابع ولم يشترط التتابع ولا كان منساقاً من نذره وجب قضاء ذلك اليوم وضم يومين آخرين، والأولى جعل المقضي أول الثلاثة وإن كان مختاراً في جعله أيّاً منها شاء.)

 

أما أصل وجوب قضاء اليوم الرابع فأمر واضح، لوجوب الوفاء بالنذر، ومع فرض إنفصال اليوم الرابع فيجب عليه عند قضائه تتميمه بيومين آخرين، لأنّ الإعتكاف لا يكون أقل من ثلاثة أيام. وهذا الحكم يثبت إذا لم يقصد الناذر في نذره التتابع بنحو خاص كالتتابع المعتبر في صوم الكفارة، وإلا يكون الإخلال بيوم واحد موجباً للإخلال بالجميع، ففي هذه الصورة مع كون المنذور غيرَ معين يجب الإستئناف، لا أنه يقضي اليوم الرابع فقط، لأنه لم يأت بالمنذور، إذ الإخلال بيوم يكون إخلالاً بالتتابع فيكون مبطلاً للإعتكاف في الأيام السابقة.

وأما إذا كان المنذور معيناً فيدخل موردنا تحت المسألة السابقة التي ذهب السيد الماتن إلى وجوب قضاء الجميع فيها، ونحن قلنا أنه لا يجب قضاء الجميع بل يجب عليه قضاء خصوص ما أخل به كما تقدم بحثه.

لكن المنظور في مسألتنا غير ما تقدم، فإن الكلام هنا فيما إذا لم يشترط التتابع أو إشترط التتابع لكن بالمعنى المعتبر في صوم شهر رمضان، فحكمه في هذه الصورة وجوب الإعتكاف في يوم آخر منفصل عن الأيام الثلاثة، ويجب عليه أن يضم إليه يومين آخرين، لأن الإعتكاف لا يكون أقل من ثلاثة أيام، ويمكن تعميم هذه المسألة لما إذا نذر الإعتكاف لخمسة أيام وأخل بيومين فيجب عليه الإعتكاف في يومين منفصلين ويجب عليه ضم يومٍ ثالث لما تقدم.

وعليه فأصل المسألة وهو وجوب الإتيان بالإعتكاف في يوم آخر وفاءً للنذر، ووجوب ضم يومين آخرين أمرٌ واضح ولا إشكال فيه، لكن الكلام فيما ذكره السيد الماتن في ذيل المسألة في إمكان جعل المقضي أيَّ يوم من الأيام الثلاثة، فالذي إختاره السيد الماتن من التخيير يكون في قبال من ذهب إلى لزوم جعل المقضي هو اليوم الأول، فالكلام يقع في تعيين جعل ما وجب بالنذر.

وقد ذكروا في كلماتهم للإستدلال على القول بالتعيين أن لازم عدم التعيين باليوم الأول كون الصوم فيه مندوباً، وهذا يواجه مشكلة عدم جواز الصوم التطوعي لمن عليه صوم واجب ولو في ضمن الإعتكاف، فلا يجوز له التطوع بالصوم.

وكذلك يرد عليه (على القول بالتخيير) إشكال آخر هو أن اليوم الأخير يكون واجباً بمضي يومين من الإعتكاف، فلا يجوز جعله واجباً بعنوان الوفاء بالنذر، لوجوبه بعنوان وحيثية أخرى، فلا يكون مجزياً عن الواجب بالنذر، لأنه في هذه الحالة يحصل تداخل، والقاعدة تقتضي عدم التداخل إلا أن يرد دليل خاص على التداخل، فيجب الإعتكاف فيه لدلالة الدليل على ذلك، وعليه فلابد أن يجعل المقضي هو اليوم الأول حتى يتخلص أيضاً من هذه المشكلة.

واستدل للتخيير بأن كل واحد من هذه الأيام الثلاثة يصلح أن يكون هو الواجب والمقضي، ولا دليل على تعيين أحدها بالخصوص، فيجوز له أن يجعل أي يوم منها هو المقضي.

وأصحاب القول الأول (التخيير) ردّوا أدلة القول الثاني، حيث لاحظوا على دليلهم الأول أنه لا ملازمة بين جعل يوم الأخير هو الواجب والمقضي وبين ندبية اليومين الأولين، لكونهما مقدمة للصوم الواجب، فيصيران واجبين بالوجوب المقدمي الغيري، فلا يكونان ندبيين حتى يأتي الإشكال. مضافاً إلى أن الثابت في عدم جواز التطوع بالصوم هو خصوص من عليه قضاء شهر رمضان، فإنه لا يجوز له أن يصوم صوماً ندبياً، لا مطلق من عليه صوم واجب، وفي محل الكلام الواجب في حقه ليس قضاء شهر رمضان، بل الواجب هو صوم الوفاء بالنذر، فيجوز له التطوع بالصوم، فيعتكف في الأيام الثلاثة الثانية ويجعل صوم اليومين الأولين ندبياً.