1440/06/20


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/06/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- بيع الفضولي– شروط المتعاقدين.

إشكالٌ على التمسّك بالعمومات:-

أشكل السيد الحكيم(قده) في نهج الفقاهة[1] على التمسك بالعمومات وبنى على تماميته حيث قال:- إنَّ العمومات لا يصح التمسّك بها ، ويفهم هذا الاشكال أيضاً من كلمات الحاج ميرزا علي الايرواني(قده)[2] .

وحاصل ما أفاده السيد الحكيم(قده):- إنه إذا أردنا أن نتمسّك بالعمومات فهل العقد الفضولي بالاجازة يدخل في العمومات من البداية - أي من بداية صدور العقد الذي لازمه أن تكون الاجازة كاشفة يعني الملكية والنقل والانتقال يحص من البداية - أو أن العقد يدخل في العمومات من حين الاجازة - الذي ؟ فإن اخترت الشق الأوّل وقلت إن العقد يدخل في العمومات من البداية - يعني الاجازة كاشفة - كان ذلك خلاف ما انتهيت إليه من كون الاجازة ناقلة وليست كاشفة ، فإنه في المكاسب[3] ذهب إلى أنَّ الاجازة ناقلة ثم قال الشيخ الأعظم(قده) وإذا أردنا التنزّل نبني على أنها كاشفة ولكن بالكشف الحكمي لا الكشف الحقيقي ، والفارق أنَّ الكشف الحقيقي هو أنَّ النقل والانتقال خاصل من الأوّل ، أما الكشف الحكمي فهو أنَّ النقل والانتقال من حين الاجازة ولكن بعض الآثار قد تترتب من البداية ، فهو يبني على النقل ومع التنزل يبني على الكشف الحكمي والكشف الحكمي في روحه نقلٌ يعني أنَّ العقد يدخل في العمومات من حين الاجازة والملكية من حين الاجازة لا من البداية لكن بعض الآثار قد ترتب ولذل قيل إنَّ هذا في حكم الكشف ولكن بلحاظ بعض الآثار.

وإذا بنيت على أنَّ العقد الفضولي عند تحقق الاجازة من حين الاجازة في العمومات كان ذلك على خلاف ما انتهيت إليه في فقهك وأصولك ، والمقصود هو أنَّ الشيخ الأعظم(قده) في الكتاب المكاسب في مبحث خيار الغبن[4] ذكر أنَّ العقد إذا كان خارجاً من العموم فهو بعد ذلك لا يدخل في العموم إلا بأن يدل دليل خاص على ذلك ، فدخوله في العموم بعد خروجه يحتاج إلى مثبت.

ولكنه ذكر هذا المطلب كدعوى أما ما هو مستند هذه الدعوى ؟

إنه ذكر المستند في الرسائل فإنه في الرسائل في التنبيه العاشر من تنبيهات الاستصحاب ذكر[5] توجيه هذه القضية ، وهي أنَّ العقد إذا خرج من العموم فترة فلا يدخل بعد ذلك في العموم إلا بدليل ، وحاصل ما ذكره إنه قال لو كان يوجد عندنا عموم مثل ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ ويصطلح على عمومه هذا بالعموم الأفرادي ، ويسمّى بالعموم الأفرادي لأنَّ العقود لو كانت لها مائة فرد فله عموم افرادي بعدد المائة ، يعني فِ بهذا العقد - يعني البيع وفِ بذاك العقد يعني الاجارة - وفِ بذاك العقد يعني المزارعة .... وهكذا ، فهذا عموم أفرادي وهو واضح ومسلّم ، ولكن تارة يفترض أنَّ له عموماً أزمانياً كما له عموم أفرادي ، يعني كل زمان زمان وكل ساعة ساعة - إن صحّ التعبير - يؤخذ فرداً من العموم ، يعني بأن يكون المقصود هكذا ( أوفوا بكل عقد من العقود المائة في كل زمانٍ زمان ) وافترضنا أنَّ عدد الأزمنة مائة يوم فبناءً على هذا سوف يتعدد الحكم بتعدد الأفراد ويتعدد الأزمان ، أخرى يفترض أنه بلحاظ الزمان لا يوجد تعدد بأن يلحظ الزمان ظرفاً لا قيداً مفرّداً ، فإن أخذ ظرفاً لا قيداً مفرّداً فعلى هذا الأساس إذا خرج فرد من العقود من العموم في فترة فرجوعه بعد ذلك إلى العموم يحتاج إلى دليل خاص ومع عدم الدليل لا نرجعه إلى العموم ، لأنَّ المفروض أنه له حكم واحد بلحاظ الزمان وهذا الحكم الواحد قد انخرم لأنه خرج منه هذا الفرد أما عوده إلى ذلك العموم من جديد يحتاج إلى دليل لأنه لا يوجد تعدد في الحكم بلحاظ الأزمنة حتى إن خروج هذا الفرد في زمان لا ينافي دخوله في الزمان الثاني في العموم لأننا قلنا إنّ العموم ليس له بلحاظ الأزمان عموم وأفراد ، وأما إذا كان الزمان قد أخذ مفرّداً موجباً لتعدد الحكم فإذا خرج العقد في زمان ففيما بعد ذلك الزمان يمكن ارجاعه إلى العام والتمسك بالعموم إذ الفرض أنَّ العموم له عموم بلحاظ الأزمان وقد خرج هاذ في الزمان الأوّل وأما في الزمان الثاني فنشك في خروجه فنتمسك بعموم العام الأزماني .

فإذاً لابد وأن نلاحظ أنه يوجد عموم أزماني إلى جنب العموم الأفرادي أو لا يوجد فإن كان موجوداً فنتمسّك بالعموم الأزماني لإرجاع الفرد في الزمان الثاني في العموم بعد خروجه في الزمان الأوّل ، وأما إذا لم يكن له عموم أزماني فلا يمكن ارجاعه إلى العموم لأنه لا يوجد ما يدل على رجوعه إلى العموم إذ الحكم واحد وقد انخرم فالرجوع إلى العموم يحتاج إلى دليل ، وإذا رجعنا إلى قوله تعالى ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ نجد أنَّ فيه عموماً أفرادياً وأما العموم الأزماني ليس بموجود ، إذ لم تقل الآية الكريمة ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ في كل زمان ، فإذاً الزمان ملحوظ بنحو الظرفية فإذا خرج فرد من العموم كعقد الفضولي في زمانٍ وهو زمان ما قبل الاجازة فإرجاعه إلى العموم بعد الاجازة يحتاج إلى دليل وهو مفقود إذ لا عموم أزماني ، قال(قده):- ( إنَّ عقد الفضولي قبل الاجازة اللاحقة إما أن يكون داخلاً في العمومات المذكورة من أوّل الأمر أو من حين الاجازة ولازم الأوّل الكشف الحقيقي وسيأتي أنه خلاف مختاره ويتوقف الثاني على جواز الرجوع إلى العام بعد خروج الفرد منه وكلامه في أصوله يأباه[6] )[7] ، وأمّا الحاج ميرزا علي الايرواني فقال:- ( والتمسك بالعموم بعد الاجازة مبني على ثبوت عموم أزماني في العمومات وليس له وجود وقد اعترف به المصنف رحمه الله في خيار الغبن ، نعم على مبنى من لا يعتبر في التمسك بالعمومات بعد قطعة الخروج ثبوت عمومٍ أزماني إما مطلقاً أو في ما إذا كان الخروج من المبدأ فلا بأس بأن يتمسك بالعمومات في المقام )[8] ، فروح ما أفاده الحاج ميرزا علي الايرواني(قده) مع ما أفاده السيد الحكيم(قده) واحدة.

والجواب:- إنَّ هذا يتم إذا فرض أنّ الفرد كان في البداية داخلاً في العموم ثم خرج في زمان ثم أردنا إدخاله من جديد هنا يتم هذا الكلام ، وأما إذا فرض أنه من البداية لم يكن داخلاً ولم يكن مشمولاً للعمومات وإنما مان شموله بالاجازة فحينما أجازه المالك فالآن صارت له القابلية للدخول تحت العام وحينئذٍ لا نحتاج إلى دليل على دخوله إذ هو لم يخرج حتى نقول إنَّ ارجاعه من جديد يحتاج إلى دليل،.

إذاً ما أفاده السيد الحكيم(قده) يتم فميا إذا فرض أنَّ العقد في بداية أمره كان داخلاً في عموم ﴿ أوفوا ﴾ ثم خرج ثم أردنا إدخاله بالاجازة ، ولكن المفروض في المقام أنه لم يكن داخلاً في البداية وإنما من الآن ينتسب للمالك بالاجازة وإذا انتسب فسوف يشمله العموم ويدخل تحته ، لأنه بعد الاجازة صار منتسباً للمالك فالقابلية من الآن في أن يشمله العموم.

وبتعبيرٍ آخر:- إنَّ ما أفاده السيد الحكيم يتم إذا كان خروج الفرد تخصيصياً لا تخصصياً ، فإن كان الخروج تخصيصياً يعني كان داخلاً ثم خرج فهنا يأتي ما أفاده السيد الحكيم(قده) ، وأما إذا كان الخروج تخصصياً ومن البداية فدخوله من حين الاجازة لا يحتاج إلى دليل ، لأنه من الآن صار فرداً من العام ، وهذه نكتة ظريفة يجدر الالتفات إليها.

ويظهر أنَّ الميرزا حاج علي الايرواني(قده) كان ملتفتاً إلى هذه النكتة لأنه لمح إليها في عبارته حيث قال:- ( نعم على منبى من لا يعتبر في التمسك بالعمومات بعد قطعة الخروج ثبوت عموم أزماني إما مطلقاً أو فيما ّغا كان الخروج من المبدأ ) ويقصد من ( الخروج من المبدأ ) يعني أنه كان خارجاً من البداية تخصّصاً والآن نريد أن يشمله العموم فهنا يمكن أن يقال من التمسّك بالعموم.

فإذاً الاشكال الذي سجّله السيد الحكيم(قده) على الشيخ الأعظم(قده) مندفع بما أشرنا إليه.

[1] نهج الفقاهة، السيد الحكيم، ص211.
[2] حاشية المكاسب، علي الايرواني، ج2، ص215.
[3] كتاب المكاسب، الأنصاري، ج3، ص408.
[4] كتاب المكاسب، الأنصاري، ج5، ص207، خيار الغبن.
[5] فرائد الأصول، الأنصاري، ج3، ص274، التنبيه العاشر من تنبيهات الاستصحاب، ط جديدة.
[6] لأنه خصصه بالرجوع إلى العام ّغا كان هناك عوم أزماني أما في ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ لا يوجد عموم أزماني وإنما يوجد عموم افرادي.
[7] نهج الفقاهة، السيد الحكيم، ص211.
[8] حاشية المكاسب، علي الايرواني، ج2، ص215.