1440/05/07


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/05/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 60 ) – شرطية الاختيار – شروط المتعاقدين.

الحكم الثاني[1] :- لو فرض أنه حينما أُكرِه على بيع داره أو سيارته فباع سيارته ثم بعد ذلك باع الدار فهل يقع البيع الثاني صحيحاً أو أنَّ فيه كلاماً ؟

ذكر السيد الماتن(قده) أنه يقع صحيحاً ، والنكتة في ذلك واضحة ، لأنَّ الاكراه كان على أحدهما وقد تحقق ذلك ، والثاني ليس مكرهاً عليه ، فيقع صحيحاً بمقتضى القاعدة.

وقد أشار إلى هذا الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب ، بيد أنه أضاف شيئاً ولو لم يذكره لكان أفضل ، فبعد أن ذكر أنه لو باع الثاني صح قال ( ويحتمل الرجوع إليه ) ، يعني يقع صحيحاً ونرجع إليه في تعيين الصحيح ، فهو لم يجزم بصحة البيع الثاني بل قال نتمكن أن نقول إنَّ البيع الأوّل صحيح إذا عيّنه[2] ، فهو بعد أن استظهر صحة الثاني قال إنَّ الظاهر وقوع الأوّل مكرهاً عليه دون الثاني مع احتمال الرجوع إليه في التعيين سواءً ادّعى العكس أم لا ، يعني مرّة يقول إنَّ غير المكره عليه هو الثاني والمكره عليه هو الأول كما هو الظاهر أو قال بالعكس فنتبع ما يقول.

وقبل أن نعلّق نقول:- إنّ محل الكلام هو فيما إذا أوقع العقد الأول ولم نعلم بأنه سوف يوقع العقد الثاني ، أما إذا علمنا بأنه سوف يوقع العقد الثاني فهذا يدخل في الحكم الثالث الذي سيأتي وهو ما لو باعهما دفعةً ، فإذا حكمنا هناك بالصحة نحكم بالصحة هنا أيضاً.

فإذاً محل الكلام هو فيما إذا لم نعلم بأنه سوف يوقع البيع الثاني ، وفي مثل هذه الحالة بعد أن أوقع البيع الأوّل ولا نعلم بأنه يوقع البيع الثاني ولكنه بعد ذلك أوقع البيع الثاني اتفاقاً المناسب صحة البيع الثاني ، باعتبار عدم وجود اكراه عليه ، لأنَّ الاكراه قد اندفع بالبيع الأول ، فلا موجب لاحتمال بطلان الثاني أو الرجوع في التعيين إليه ، والوجه في بطلان الرجوع إليه في التعيين هو أننا نرجع إليه في التعيين فيما إذا فرض أنه كان الواحد صحيحاً ولكنه غير معيّن في الواقع ، كما لو فرض أنَّ شخصاً أقرَّ ببيع أحد داريه فهنا نرجع إليه في التعيين ، لأنَّ العقد الذي وقع صحيحاً هو واحدٌ معيّن فنرجع إليه في تعيينه ، أما إذا فرض أنَّ الصحيح كان هو العقد الأول والثاني ليس بمكره عليه - الذي هو موردنا - فمن المناسب أنَّ يقع صحيحاً ، ولا معنى للرجوع إليه في التعيين ، فإنه لا يوجد إبهام حتى نحتاج إلى الرجوع إليه في التعيين ، وأما هنا فالمفروض أنَّه وقع مكرهاً عليه والثاني ليس عليه إكراه فالرجوع إليه في التعيين لا معنى له.فإذاً هذا الاحتمال الذي أبرزه الشيخ الأعظم(قده) لا نرى له وجهاً ، وكان المناسب أن لا يذكره.

الحكم الثالث:- لو باعهما دفعة فهل يبطل البيع أو لا ؟

حكم السيد الماتن(قده) بالبطلان فيهما معاً.وقد تعرض الشيخ الأعظم(قده) إلى هذا الفرع أيضاً وذكر احتمالين ، احتمال الصحة فيهما معاً ، واحتمال البطلان فيهما معاً.أما الصحة فيهما معاً فوجهه:- إنه لم يُكرَه على المجموع وإنما أكره على واحد ، فلو باع المجموع كان ذلك عن طيب نفس.

وأما الطلان فيهما معاً فوجهه:- أنَّ واحداً منهما قد وقع باطلاً وهو المكرَه عليه ، وحيث إنَّ ذلك الواحد الباطل ليس بمتعيّن فيحكم ببطلان الاثنين معاً ، قال(قده):- ( ولو باعهما دفعةً احتمل صحة الجميع لأنه خلاف المكره عليه[3] والظاهر أنه لم يقع شيء منهما عن إكراه ، وبطلان الجميع لوقوع أحدهما مكرهاً عليه ولا ترجيح . والأول أقوى )[4] .

وهذا الفرع ليس ابتلائياً ، لأنَّ الانسان إذا أكرِه على بيع واحدٍ فلا يوجد عاقل يبيع الاثنين معاً ، وهذا أمرٌ نادر ، فالمناسب عدم ذكره هنا ، ولكنها مسألة مليئة بالنكات ، ولعل أوّل من أشار إلى هذا الفرع العلامة الحلي في التذكرة حيث قال:- ( لو أكرهه على بيع عبدٍ فباع اثنين أو نصفه فإشكال )[5] .

ونحن أولاً نبيّن ما هو المناسب في نظرنا ثم نبيّن آراء الأعلام في هذا الفرع:-

أما نحن فنقول:- المناسب أن يفصّل ويقال: تارةً يفترض أنه حينما يبيع الثاني بعد بيع الأوّل فذلك بسبب بيعه للأول ، أي هو يرضى بالثاني تفرّعاً على إكراهه على الأوّل ، كما لو فرض أنه كان يوجد عنده مصراعا بابٍ فأكرهه على بيع أحد المصراعين فباع الاثنين معاً في آنٍ واحد ، فإنه ببيعه للمصراع الأوّل يبقى المصراع الثاني بلا فائدة ، فبيع الثاني متفرّع على الاكراه على بيع الأوّل ، أو نفترض أنه يبيع الثاني لا بسبب الاكراه على بيع الأوّل لرغبةٍ مسبقةٍ منه وليس من باب التفرّع على الاكراه على البيع الأوّل.

أما الحالة الأولى:- فالمناسب الحكم بالبطلان فيهما معاً ، إذ أحدهما قد باعه للإكراه والثاني ضمّه إلى بيع الأول من باب أنَّ الثاني لا فائدة في وجوده فبيعه أيضاً يكون متفرّعاً على المكرَه على بيعه ، يعني هو فاقد للرضا الحقيقي فالمناسب وقوعه باطلاً بلحاظ كليهما.وأما الحالة الثانية:- فالمناسب الصحة فيهما معاً ، أما البيع الثاني فواضح ، لأنه يوجد عنده رضاً به من البداية ، وأما الأوّل فلأجل أنَّ إكراه المكرِه تشبع حاجته ببيع الثاني الذي كان عن رضا ، لأنَّ المفروض أنَّ المكرِه قال بع أحدهما وهو باع الاثنين معاً ، فبيع الثاني يكفي لإشباع حاجة الاكراه ، فضمّ الأوّل يلزم أن يكون صحيحاً بعد أن فرض أنَّ الاكراه تشبع حاجته بالبيع الثاني ، فالمناسب الصحة فيهما معاً.

والظاهر أنَّ الشيخ الخراساني(قده) في تعليقته على المكاسب في هذا الموضع يشير إلى ما ذكرنا ويتبناه حيث قال:- ( إنما يكون أقوى[6] إذا كان بيع الجميع بداعي غير الاكراه[7] ، وأما إذا لم يكن إلا بداعي الاكراه كما إذا كانت هناك ملازمة بحسب غرضه بين بيع أحدهما وبيع الآخر حيث إنَّ الاكراه حينئذٍ على بيع أحدهما يكون إكراهاً على بيع الآخر )[8] .

هذا هو المناسب بمقتضى القاعدة.

[1] الذي اشتملت عليه المسألة.
[3] أي غير المكره عليه.
[6] أي الأقوى صحة الاثنين، لأنَّ الشيخ الانصاري قال ( والأول اقوى ) يعني هو احتمل صحة الجميع.
[7] وهوي يصير بغير داعي الاكراه فيما إذا كان من الأول راغباً في بيع المصراع الثاني فالإكراه تشبع حاجته ببيع الثاني، فضم البيع الأول يكون عن طيب نفس.