1440/04/29


تحمیل

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/04/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: إستحباب الإمساك تأدباً / الحائض والنفساء، الكافر

 

(كان الكلام في المورد الثالث من موارد إستحباب الإمسكاك تأدباً وهو إستحبابه للحائض والنفساء إذا طهرتا في أثناء النهار، وذكرنا بعض الروايات التي قد يستدل بها عليه) وهناك روايات أخرى تدل على الحكم، كرواية الراوندي المروية في البحار، ورواية في الفقه الرضوي، ورواية في الجعفريات. فلا يبعد ثبوت الحكم بمجموع هذه الروايات.

نعم، قلنا أنه لابد من ملاحظة الروايات من حيث موضوع الحكم وأن الحكم بالإستحباب هل يكون في طهرهما بعد الزوال أو يشمل قبله. فنقول:-

 

أن رواية الزهري مطلقة ولم تقيد الحكم بقبل الزوال أو بعده، ولكن مقتضى عطفها بالفقرة التي قبلها هو أن الحكم يثبت فيما إذا طهرتا في أول النهار، حيث تقول: (....وكذلك المسافر إذا اكل من أول النهار ثم قدم أهله أمر بالامساك بقية يومه وليس بفرض، وكذلك الحائض إذا طهرت أمسكت بقية يومها)[1] . وعلى كل حال إذا إستطعنا أن نوجه الرواية فبها، وإلا فهي غير معتبرة سنداً ولا يمكن الإعتماد عليها.

أما موثقة عمار فموردها هو فيما إذا طهرت قبل الزوال وقد أكلت. وكذا رواية أبي بصير، فإن موردها هو طهرها قبل الزوال في أول النهار، ولكنها لم تشر إلى أنها أكلت.

 

فهذه الروايات تدل على ثبوت الحكم فيما إذا طهرت قبل الزوال. نعم موثقة عمار تدل على أنها قد أكلت ولكن قلنا أنها تدل بالأولوية أو بالمساواة لصورة عدم أكلها. فحينئذ من الصعوبة إثبات الحكم بالإستحباب لصورة ما إذا طهرت بعد الزوال، لأن الإستحباب حكم شرعي ذو ملاك، ونحن لا نعرف ملاكه حتى نقول بالتعدي لما بعد الزوال.

 

هذا كله بالنسبة إلى الحائض التي هي مورد الروايات. ولكن السيد الماتن (قده) أثبت الحكم لها وللنفساء. فالسؤال يقع في دليل شمول الحكم للنفساء.

 

قالوا أنه توجد قاعدة بسببها نثبت الحكم للنفساء وهي إشتراك الحائض مع النفساء في الأحكام المترتبة عليها. فكل حكم ثبت للحائض يثبت للنفساء لهذه القاعدة. وفي المقام قد ثبت حكم إستحباب الإمساك تأدباً للحائض فنسريه للنفساء لقاعدة الإشتراك بينهما في الأحكام.

فلابد أن نبحث عن صحة هذه القاعدة وما يدل عليها، لأنها قاعدة مهمة وتنفع كثيراً، لقلة أحكام النفساء في النصوص وكثرتها للحائض فيها. فنقول:-

 

إدعي الإجماع على هذه القاعدة. كالمحقق في المعتبر حيث قال: (وهو مذهب أهل العلم، لا أعلم في خلافاً)، وفي المدارك: (هذا مذهب الأصحاب)، وفي الغنية إدعى الإجماع على ذلك، وفي السرائر نفى الخلاف فيه، وفي المسالك أنه قول الأصحاب، وفي المنتهى للعلامة: (لا نعلم فيه خلافاً بين أهل العلم).

نعم هناك كلام في المجمع عليه، وهو أن النفساء هل تشارك الحائض في كل الأحكام الثابتة لها، أو تشاركها في الأحكام اللاحقة على الحيض فقط؟ والمقصود ب(الأحكام اللاحقة على الحيض) هو الأحكام التي تثبت للحائض بعد الفراغ عن الحيض وتحديده من زمانه وشروعه وأقله وأكثره. فعلى الإحتمال الثاني لا تشارك النفساء الحائض في الأحكام التي تحدد الحيض، كالحكم بأن أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام.

 

وقد يستدل عليها (القاعدة المذكورة) بصحيحة زرارة

قال: قلت له: النفساء متى تصلي؟ فقال: تقعد بقدر حيضها وتستظهر بيومين، فان انقطع الدم وإلا اغتسلت واحتشت واستثفرت وصلت، فإن جاز الدم الكرسف تعصبت واغتسلت، ثم صلت الغداة بغسل والظهر والعصر بغسل والمغرب والعشاء بغسل، وإن لم يجز الدم الكرسف صلت بغسل واحد، قلت: والحائض؟ قال: مثل ذلك سواء،....[2]

بتقريب أنها أثبتت أحكام النفساء للحائض وأستوت بينهما.

 

وفيه:

أولاً أن الرواية لا إطلاق فيها حتى تدل لإشتراكهما في جميع الأحكام، غاية ما تدل عليه الرواية هي أن الحائض تشترك النفساء في الأحكام المذكورة في الرواية فحسب.

وثانياً أنها تدل على عكس القاعدة، بمعنى أن الرواية تدل على أن الأحكام الثابتة للنفساء تثبت للحائض أيضاً، والحال أن القاعدة المدعاة تقول أن كل ما ثبت للحائض من الأحكام يثبت للنفساء. فالمثلية الموجودة في الرواية لا تثبت مفاد القاعدة، فهي (المثلية) تدل على أن أحكام الحائض لا تكون أقل من أحكام النفساء، ولكنها لا تنفي زيادتها عليها.

فالإستدلال بهذه الرواية لإثبات القاعدة -رغم أنها معتبرة سنداً- مشكل جداً.

 

فلا يوجد دليل واضح على القاعدة إلا الإجماع المدعى في المقام، ومما يؤيده وهو أنه يظهر من بعض الروايات -وكذلك من كلمات الفقهاء- المفروغية من ثبوت كثير من الأحكام للنفساء -من قبيل حرمة الصلاة ومقاربة الزوج ودخول المساجد الخ-، فالروايات تتحدث عن أمور للنفساء بعد فرض ثبوت هذه الأحكام لها والمفروغية منها. ومن هنا يأتي السؤال أن الأحكام التي ذكرت ما هو الدليل على المفروغية منها مع إنعدام النصوص في الموارد المذكورة ؟ فقد يقال لا منشأ للفراغ عن هذه الأحكام إلا مسألة المشاركة، لأن هذه الأحكام ثبتت في الحائض وبإعتبار المشاركة تكون ثابتة في النفساء.

هذا قد يدعم الإجماع، فإذا كان الإجماع كاف في الحكم فهو وإلا فالأمر مشكل.

 

المورد الرابع: الكافر

 

قال السيد الماتن (قده): (الرابع: الكافر إذا أسلم في أثناء النهار، أتى بالمفطر أم لا.)

 

لا إشكال في عدم وجوب الصوم على الكافر إذا أسلم في أثناء النهار كما تقدم ذلك مفصلاً، كما لا يجب عليه قضاؤه، لأن الإسلام يجب ما قبله، من دون فرق في ذلك بين ما إذا كان إسلامه قبل الزوال أو بعده. لكن هل يستحب له الإمساك بقية النهار أم لا؟

 

ذكر السيد الخوئي (قده) أنه بناءاً على رأي المشهور من أن الكفار مكلفون بالفروع يجب الإمساك عليه، وهذا يكون مبنياً على كبرى (أن كل من وجب عليه الصوم وتركه عامداً عالماً وجب عليه الإمساك)، وفي موردنا الكافر مكلف بالصوم، لأنه قادر عليه ولو من خلال إسلامه، فتتحقق صغرى هذه الكبرى بالنسبة إلى الكافر بناءاً على رأي المشهور، فيجب عليه الإمساك بقية النهار.

 

لكن الكلام يقع في إمكان إستفادة الكبرى المذكورة من الروايات، وذكر (قده) أن الكبرى تستفاد من الروايات المتقدمة، ولا نعلم مقصوده من الروايات المتقدمة، ولا يمكن أن يكون مقصوده هو الروايات الدالة على الإمساك للمسافر، لأن موردها هو المسافر وهو غير مكلف أساساً بالصوم، وكذلك ليس مقصوده الروايات الواردة في الحائض لعدم دلالتها على ذلك، وأما الروايات التي وردت في الإفطار العمدي، هل يوجد فيها ما يدل على وجوب الإمساك؟ فإذا كانت تدل على ذلك تكون هي المقصودة من كلامه، فنطبقها في محل الكلام لأن الكافر مكلف بالصوم، وقد أفطر عالماً عامداً، ولكن الأمر يحتاج إلى فحص عن هذه الروايات، و نحن على عجالة لم نعثر عليها إلا رواية واحدة وهي دلالتها ليست واضحة.

هذا في وجوب الإمساك، أما الحكم بإستحباب الإمساك فبناءاً على عدم ثبوت الكبرى المذكورة، أو على رأيه (قده) من عدم تكليف الكفار بالفروع، فلا يوجد دليل يدل على إستحباب الإمساك بالنسبة إلى الكافر.

 

قد يدعى أن المستفاد من أدلة إستحباب الإمساك في المسافر هو إستحباب الإمساك في جميع الموارد، وذلك من ذكر التعليل وبقية الأمور المذكورة فيها، ففي بعض ألسنة الروايات أن الإمساك من مقتضيات إحترام شهر رمضان، وهذا يقتضي مراجعة الأدلة الدالة على إستحباب الإمساك في مواردها، وقد ثبت هذا عندنا في المسافر وفي الحائض .

بالنسبة إلى المسافر توجد روايات جمعها الشيخ صاحب الوسائل في الباب السابع من أبواب من يصح منه الصوم، فنذكر بعضها التي يمكن أن تكون شاهداً على المدعى:-

 

الرواية الأولى: معتبرة يونس

قال: قال في المسافر الذي يدخل أهله في شهر رمضان وقد أكل قبل دخوله، قال: يكفّ عن الاكل بقية يومه وعليه القضاء....[3]

 

الرواية تامة سنداً فلا مشكلة عندنا في ما يرويه محمد بن عيسى بن عبيد وإن كان يرويه عن يونس مباشرةً، لكنها مضمرة، وكذلك ليست فيها دلالة على إستفادة حكم عام يثبت في غير موردها، كما يقوله السيد الخوئي (قده).