1440/04/18


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/04/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- شرطية الاختيار- شروط المتعاقدين - مسألة ( 58 ).

هذا وقد أشكل الشيخ الأصفهاني(قده) على ما أفاده الشيخ الأعظم(قده) بما حاصله:- إنَّ المناسب هو التسّمك بالطائفة الثانية دون الطائفة الأولى ، فإن التمسّك الأولى ليس بصحيح ، فقل إنَّ العقد من دون اختيار باطل لتحقق الاكراه والاكراه هو بنفسه مانع لحديث الرفع ، ولا تقل إنَّ الرضا وطبيب النفس شرط في صحة المعاملة فإنَّ ذلك متحقق رغم تحقق الاكراه ، فإذاً المناسب التعليل بحديث نفي الاكراه لا بحديث اعتبار الرضا وطيب النفس ، فإنَّ الرضا وطيب النفس متحققان.

وحاول أن يثبت مدّعاه بوجهين الأوّل أشبه بالحلّي والثاني أشبه بالنقضي إنَّ صح التعبير بذلك عنهما.

وقبل أن نذكر الوجهين اللذان ذكرهما نذكر مقدّمة موجودة في كلامة:- وهي ربما لا يظهر أثرها من الآن ، ولكن بعد نهاية الموضوع ربما يظهر أنها مفيدة ، وهي أنَّ الارادة والشوق هما نفس الرضا وطيب النفس ، قال(قده):- ( وليس الطيب والرضا ما وراء الارادة ومبادئها )[1] ، يعني طيب النفس والرضا هو عين الارادة بمبادئها ومن مبادئ الارادة المهمة هو الشوق مثلاً.

أما الوجهان اللذان ذكهما فهما:-

الوجه الأول:- إنَّ الطيب والرضا متى يتحقق وهكذا الارادة والشوق ؟ إنه لا إشكال أنها تتحقق عند موافقة الشيء للقوى الطبعية أو الطبيعية المودعة في الإنسان ، فمثلاً الحلوى يحصل إليها شوق وإرادة ورضاً بها لموافقة الحلوى لقوة الذائقة الطبعية ، فإذا وافق طعم الحلوى هذه القوة الطبيعية - وهي الذائقة - فهذا عبارة عن الشوق والاراد والرضا وطيب النفس ، وإذا كانت رائحة عطر موافقة لحاسة الشم فأيضاً كذلك ، وإذا كان العكس فبالعكس.

إذاً الطيب الرضا والارادة والشوق تتحقق إذا وافق الشيء إحدى القوى الطبيعية المودعة في الإنسان من قبل الله عزّ وجل من قبيل حاسّة الذوق والشم وما شابه ذلك ، ويوجد شيء آخر يتحقق به الرضا وطيب النفس غير الموافقة للقوى الطبيعية وهو الموافقة للقوى العقلية ، فإنَّ موافقة الشيء للقوة العقلية أيضاً يتحقق به الرضا وطيب النفس والشوق وغير ذلك ، مثل الدواء المر ، فالطبيب أعطاه وصفةَ دواءٍ مرّ كالحنظل وأراد منه أن يشربه فسوف يشربه الإنسان ، وكيف شربة الحال أنه ليس بموافق لقوّة الذائقة ؟ ما ذاك إلا لموافقته للشوق العقلي ، لأجل أنَّ القوة العقلية تقول له اشرب هذا الدواء لأنك لو لم تشربه فسوف تبقى مريضاً ، فإذاً هذه موافقة للقوة العقلية ، فيتحقق آنذاك الرضا وطيب النفس.فإذاً عرفنا لحد الآن أنَّ الرضا وطيب النفس يتحققان بموافقة القوة الطبيعية ، وكذلك يتحققان بموافقة القوة العقلية.وإذا اتضح هذا فإذا أكرهني شخصٌ على معاملةٍ وقال لي بع دارك ، فهنا قد أبيع داري ، والسؤال:- هل يوجد رضا وطيب نفس حينما بعت داري ولا ؟والجواب:- نحن كنّا نتصوَّر أنَّ الرضا ليس بموجودٍ ، لأننا كنّا نفسّر الرضا بالموافقة للقوة الطبيعية فقط ، أما بعد أن عمَّمنا الموافقة ولو للموافقة العقلية فهذا موافق للقوّة العقلية ، لأنه العقل يقول بِع دارك حتى تدفع الأذى عن نفسك ، فلذلك حصل شوق عقلي ولذلك صدر البيع ، وإلا إذا لم يكن هناك شوق عقلي فكيف صدر البيع ؟!! ، فصدور البيع أدل دليلٍ على تحقق الشوق العقلي ، وإذا حصل الشوق العقلي فهذا معناه أنَّ طيب النفس موجود.إذاً لو كانت نكتة البطلان هي فقدان طيب النفس والرضا في موارد الاكراه وعدم الاختيار فنحن نقول إنَّ الرضا وطيب النفس موجود ، إذ الفعل موافق للشوق العقلي ، ومادام موافقاً للشوق العقلي كفى ذلك في كون المورد من طيب النفس والرضاً والإرادة والشوق وإلا كيف صدر الفعل ؟!!فإذاً قل إنَّ البيع باطل لا لأجل فقدان طيب النفس فإن طيب النفس موجود لموافقة البيع للقوة العقلية ، وإنما قل هو باطل لأنه وُجِد اكراه ، فلابد من التعليل بالطائفة الثانية لا التعليل بالطائفة الأولى.

الوجه الثاني:- أما ما يدل على أنَّ الموافقة للشوق العقلي تكفي تحقق الرضا وطيب النفس فهو أنه في موارد الاضطرار البيع يقع صحيحاً ، كمن اضطر إلى بيع دارة لأجل العلاج من المرض ، فبيع الدار هنا صحيح بلا إشكال رغم أنه ليس موافقاً للقوى الطبعية لكنه موافق للقوة العقلية ، فعلى هذا أساس لو لم تكن الموافقة للقوة العقلية كافية في صحة المعاملة وتحقق الرضا يلزم من ذلك بطلان المعاملة في موارد الاضطرار ، وهل تلتزم بذلك ؟ إنه لا يمكن أن تلتزم بذلك ، قال(قده):- ( ثم إنَّ من الواضح أنَّ مناط صحة المعاملة لا ينحصر في الطيب الطبعي ضرورة أن البيع الذي دعيت إليه الحاجة الضرورية صحيحٌ وإن كان مكروها طبعاً ، بل ولو كان لدفع مالٍ أكره عليه فإنه لا شبهة في صحة البيع إذا كان لدفع ضرر الغير بدفع الثمن الذي أُكرِه على دفعه فيعلم أنَّ المناط مجرّد الطيب الأعم من الطبعي والعقلي[2] ، فعقد المكرة غير فاقد لما هو موجود لغيره من الشرائط وهو الطيب ، وإنما لا يفذ لوجود المانع المفقود في غيره وهو كونه مكرهاً عليه ، فالمناط هو الاكراه لا الكُره )[3] .

وربما يشكل على الشيخ الأصفهاني(قده):- بأنه إذا فرض طيب النفس بهذا الشكل ولو بالموافقة العقلية فأين سوف يصير مصداق ( لا يحل مال امرئ مسلك إلا بطيبة نفس منه ) ؟ ، لأنه في موارد الإكراه قال أيضاً يوجد طيب نفس ، وعليه فسوف يبقى هذا الحديث من دون مصداق ؟

وفي الجواب نقول:- يمكن أن نفترض عدم الرضا وعدم طيب النفس في موارد أخرى غير الاكراه ، كما لو فرض أنَّ شخصاً باع داري فضولاً أو تصرّف في مالي من دون رضاي ولكن لم يكن هناك إكراه حتى تقول لي القوة العقلية اقبل بذلك فراراً من الضرر ، وحتى نقول يوجد رضا عقلي ، كلا ، بل مصداق الحديث هو في موارد الاكراه وهو شيء ليس بالقليل ، كما لو رأيت أموال أحد أقربائي ولا أعلم أنه يرضى بتصرفي فيها أو أني أعلم أنَّه لا يرضى ولكني أتصرف بها ، فهنا لا يوجد إكراه ولا غير ذلك فالحديث يكون شاملا له ، وهذا مصداقه ذا مساحته وسيعة.

فإذاً هذا الاشكال لا يتسّجل على الشيخ الأصفهاني(قده).

[2] وهذا متحقق في موارد الاكراه، فالطيب بمعنى الموافقة للشوق العقلي موجود لأنني سوف أتخلص من ظلم الظالم، فلا تعلل بفقدان طيب النفس بل علل بوجود الاكراه.