1440/04/22


تحمیل

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/04/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أقسام الصوم المحظور/ صوم الزوجة، صوم المملوك، صوم الولد

 

(كان الكلام في الجمع بين اخبار الطائفة الاولى و صحيحة هشام بن الحكم)

 

قد يقال: بأن مفاد الطائفة الأولى -وهو انه لا يجوز للمرأة ان تصوم تطوعاً من دون اذن الزوج مع افتراض انه ليس مزاحماً لحق الزوج وانه لم ينه عنه- لا يمكن الالتزام به. وقد ورد في تقريرات السيد الخوئي (قده) -في مقام بيان دلالة صحيحة هشام بن الحكم- ما نصه: (إذ لم يقل أحد بوجوب الاستئذان في جميع المباحات فضلاً عن المستحبات كالتطوع أو التنفل عن الوالد أو السيد أو الزوج بحيث لو صلى الولد صلاة الليل مثلاً بغير أذن والده كان عاقاً فاسقاً)[1] . وهذا الكلام مبني على ملاحظة المعنى الظاهر منها قبل التأويل، لان صحيحة هشام بن الحكم مع عدم تأويلها يكون حالها كحال اخبار الطائفة الأولى، حيث ان المستفاد من اخبار الطائفة الأولى هو الحرمة وعدم الصحة -كما قالوا-، فالسيد الخوئي (قده) يقول ان هذا المضمون الذي ورد في صحيحة هشام الموافق لاخبار الطائفة الاولى لم يقل به احد.

 

اقول: لا اعرف ما هي العلاقة بين المباحات والمستحبات وبين محل الكلام، لان محل كلامنا في الطائفة الأولى خصوص الصوم التطوعي، فلنفرض انه لم يقل احد بوجوب الاستئذان في جميع المباحات والمستحبات لكنه لا يمنع من الالتزام بذلك في خصوص مورد كلامنا، حيث وردت فيه روايات تدل على ذلك، فان عدم ذهابهم الى وجوب الاستئذان في جميع المباحات والمستحبات لا يعني عدم ذهابهم الى وجوب الاستئذان في محل الكلام.

هذا مضافاً الى ان عدم ذهابهم الى لزوم الاستئذان في محل الكلام ليس واضحاً، بل ذهب الى ذلك كثيرون من القدماء والمتأخرين، فان الظاهر من كلام الشيخ الكليني في الكافي انه يرى عدم الجواز تكليفاً ووضعاً، لانه ذكر روايات الطائفة الأولى وصحيحة هشام بن الحكم في باب عنونه (باب من لا يجوز له صيام التطوع إلا بإذن غيره)، وذكر في باب اخر تحت عنوان (وجوه الصوم) رواية الزهري، وهي رواية طويلة جداً ورد فيها تقسيم الصوم الى واجب ومستحب و…، وورد فيها كقسم من اقسام الصوم صوم الإذن، قال: (وأما صوم الاذن فالمرأة لا تصوم تطوعاً إلا بإذن زوجها)[2] ، فانه قد يستفاد من هذا انه يوافق على مضمون هذه الرواية، وفيما نقلناه عنه أولاً غنى وكفاية في استكشاف ما يذهب اليه.

كذلك الشيخ الصدوق في الهداية والمقنع، فإنه يظهر منه ان المرأة لا تصوم تطوعاً الا باذن زوجها، والشيخ في المبسوط، والشيخ ابن ادريس في السرائر، حيث انهما صرحا بعدم انعقاد صومها اذا صامت، وصرح المحقق في المختصر النافع بانه لا يصح صوم الضيف ندباً من دون اذن مضيفه ولا المرأة من غير اذن الزوج، وفي المعتبر ذكر عبارة شبيهة للعبارة المتقدمة واضاف (حاضراً كان او غائباً) و يظهر من العبارة الاخيرة ان المسألة ليست منوطة بالاستمتاع، فيستفاد من كلامه اشتراط الاستئذان حتى لو كان الزوج غائباً، وهكذا العلامة في كثير من كتبه.

 

وعلى كل حال روايات الطائفة الاولى ظاهرة في عدم جواز صوم الزوجة مع عدم اذن الزوج، والظاهر ان المراد من ذلك هو عدم الجواز الوضعي، لان لسانها هو (ليس للمرأة ان تصوم الا بإذن زوجها)، وامثال هذا اللسان له ظهور في عدم الجواز الوضعي، وليس لها نظر الى الحكم التكليفي حتى تدل على انها مرتكبة للاثم في صورة ما اذا صامت من دون إذنه، وصرح بذلك بعضهم، وذهب جماعة من الفقهاء المتقدمين والمتأخرين انه لا ينعقد صومها اذا صامت الا بإذن زوجها، فمن شروط صحة الصوم الندبي من الزوجة اخذ الإذن من الزوج.

 

اما الجمع بينها وبين صحيحة هشام بن الحكم

فنقول أن الصحيحة ناظرة إلى الحكم التكليفي -بأي تفسير من التفسيرين المتقدمين فسرناها به- وليس لها نظر إلى الحكم الوضعي، ويمكن جعل تعبيري (الطاعة والعصيان) اللذين وردا في الصحيحة مؤيدين لذلك، فمثل هذه التعابير تؤيد أن الحكم تكليفي.

 

وعليه فهناك طريقتان للجمع:-

 

الطريقة الأولى: الإلتزام ببطلان الصوم وضعاً -لروايات الطائفة الأولى الناظرة إلى الحكم الوضعي- وبحرمته تكليفاً -لصحيحة هشام بن الحكم-، وهذه الطريقة مبنية على تفسير تعبيري (الطاعة والعصيان) في صحيحة هشام بن الحكم بالتكليفيتين.

 

الطريقة الثانية: الإلتزام ببطلان الصوم وضعاً لكنها لم ترتكب حراماً، بل خالفت شيئاً مما أدبها عليه الشارع وإن لم يصل إلى حد الحرمة، وهذه الطريقة مبنية على تفسير تعبيري (الطاعة والعصيان) في صحيحة هشام بن الحكم بالتأديبيتين لا التكليفيتين.

 

قال بعض بصعوبة الإلتزام بهذا الجمع، بإعتبار أن الرأي السائد في هذه المسألة هو الكراهة التي لا تنافي صحة الصوم.

 

وفيه

أولاً: هناك من المتقدمين -ولو بظاهر كلامه- من التزم بنتيجة هذا الجمع، ومن المتأخرين من صرح بذلك -كصاحب المستند-، فلا توجد شهرة للقول الآخر بحيث يكون هذا القول شاذاً.

 

وثانياً: بناءاً على أن يكون مقصودهم من الكراهة هو الكراهة التكليفية، نقول أنه كيف يمكن الإلتزام بصحة الفعل مع وجود مبغوضية ومفسدة في الفعل؟ لأن الكراهة التكليفية تنشأ من حزازة ومفسدة ومبغوضية في الفعل، نعم إنها خفيفة لم تصل مرتبة التحريم، فنفس الكلام في عدم تأتي قصد القربة في الفعل المحرم يأتي هنا. فلذلك إضطروا أن يفسروا الكراهة في العبادات بمعنى آخر وهو قلة الثواب، حتى يجمعوا بين الصحة والكراهة. ومن هنا يطرح هذا الإحتمال من أنّ من ذهب إلى الكراهة لابد أن يلتزم بعدم الصحة.

 

وعليه فالقول بعدم إنعقاد الصوم وعدم الصحة ليس قولاً شاذاً.

 

صوم المملوك

 

قال السيد الماتن (قده): (الثامن: صوم المملوك مع المزاحمة لحق المولى، والأحوط تركه من دون إذنه، بل لا يترك الاحتياط مع نهيه.)

 

هناك روايات تدل عليه، كرواية الزهري[3] ، وصحيحة هشام بن الحكم[4] ، ووصية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام)[5] . الرواية الأولى والثالثة غير تامتين سنداً، فالعمدة في المقام هي صحيحة هشام بن الحكم، وقلنا أنها محمولة على الحكم غير الإلزامي، فإذا قلنا أن هذا الحكم غير الإلزامي يكشف عن حزازة ومبغوضية في الفعل فالحكم بالصحة يكون مشكلاً، لما قلناه من عدم إمكان التقرب بما يكون مبعداً، سواء كان هذا المبعد على نحو التحريم أو الكراهة. هذا الكلام كله فيما إذا لم يكن صومها مزاحماً لحق مولاها، وإلا البطلان يكون واضحاً كما أشرنا إلى ذلك في صوم الزوجة.

 

صوم الولد

 

قال السيد الماتن (قده): (التاسع: صوم الولد مع كونه موجباً لتألم الوالدين وأذيتهما.)

 

توجد رواية واحدة فقط تدل على هذا الحكم، وهي صحيحة هشام بن الحكم المتقدمة، حيث قالت: (ومن بر الولد بأبويه أن لا يصوم تطوعاً إلا باذن أبويه وأمرهما) ثم تقول: (وإلا كان الولد عاقاً). وقد قلنا أن الصحيحة محمولة على حكم غير إلزامي، وأيضاً قلنا أن العقوق العرفي لا يصدق بمجرد عدم الإذن، لأن العصيان إنما يتصور مع وجود الأمر أو النهي. فلا يستفاد من الصحيحة بطلان صومه، إلا إذا قلنا بما تقدم في صوم المملوك.


[1] كتاب الصوم ج٢ ص٣١٣، ج٢٢ من الموسوعة.
[2] الكافي ج٤ ص٨٦.
[3] وسائل الشيعة ج١٠، ص٥٢٩، أبواب الصوم المحرم والمكروه، ب١٠، ح١، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة ج١٠، ص٥٣٠، أبواب الصوم المحرم والمكروه، ب١٠، ح٢، ط آل البيت.
[5] وسائل الشيعة ج١٠، ص٥٣٠، أبواب الصوم المحرم والمكروه، ب١٠، ح٤، ط آل البيت.