1440/04/10


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/04/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- شروط المتعاقدين - مسألة ( 58 ) شرطية البلوغ.

وفيه:-

أوّلاً:- إنَّ جمل الرواية على هذا يحتاج إلى قرينة ، وهذا بخلاف ما ذكره الشيخ الأعظم(قده) ، فإنَّ كلمة الكسب صالحة لأن يراد بها نفس المعاملة عرفاً ولأن يراد بها ما حصل بالمعاملة فيقال هذا كسبي إشارة إلى الأموال التي حصل عليها ، فهي صالحة للاثنين معاً ، خصوصاً مع فرض أنَّ الرواية اشتملت على تتمة وهي ( إن لم يجد سرق ) ، يعني أنَّ معنى هذا إنه يوجد في يده شيء ويحتمل أنَّ هذا الشيء مسروق فكيف تشتري منه فيكره مثلاً ، فإذاً ما ذكر الشيخ وجيه.

وهذا بخلاف ما ذكره السيد الخوئي(قده) من حمل الكسب على نفس المعاملة ولكن نقول بنحو الآلية ، فهذا يحتاج إلى قرينة ، ولا قرينة في المقام على ذلك.

إن قلت:- مادام تتحقق معارض بين وراية الخادم الدالة على شرطية البلوغ وبين هذه الرواية النافية للشرطية ، فلنحمل هذه الرواية على حالة الآلية ؟

قلت:- هذا ما يسمّى بالجمع التبرّعي ، يعني أن الجمع يحتاج إلى شاهد وقبول عرفي لا أن نتبرّع كيفما اتفق ، وما ذكره السيد الخوئي(قده) هو تبرّع في الجمع من دون قرينةٍ ، وهو مرفوض ، فالتعارض يبقى مستحكماً ولابد من دفعه بشكلٍ آخر إن أمكن وإلا نرجع إلى ما تقتضيه القاعدة من التعارض والتساقط والرجوع إلى الأصل الأوّلى أو غير ذلك ، لا أن نجمع كيفما اتفق.

ثانياً:- إنه بناءً على الآلية يبعد حينئذٍ احتمال السرقة ، فالتعليل بأنه ( إن لم يجد سرق ) لا يبقى له مجال ، إذ قد فرضنا أنَّ دور الصبي هو مجرّد آلة ، ومعه فاحتمال السرقة لا معنى له ، إنما يكون احتمال السرقة موجوداً فيما إذا كان يتصدّى لكل الشؤون.

ثالثاً:- ولعله هو أولاها ، وهو أن يقال:- إنَّ الرواية ورد فيها ( نهى النبي عن كسب الصبي ) ، وفي حالة الآلية لا يصدق عنوان ( كسب الصبي ) وإنما هذا كسب الولي الأب وهذا الطفل مجرّد آلة ، فإذاً نسبة الكسب إلى الصبي يتنافى مع فرض الآلية.

فإذاً ما ذكره شيء مرفوض.

خلاصة ما تقدم:- عرفنا من مجموع ما تقدم أنَّ الأوجه حمل رواية السكوني على ما ذكره الشيخ الأعظم(قده) ، أعني يراد من الكسب ما يتكسَّب به ، وبالتالي تعود رواية الخادم بلا معارض فيؤخذ بها.

إن قلت:- إذا حملنا فقرة النهي عن كسب الصبي على ما يتكسَّب فيلزم مخالفة السياق فإنَّ النهي عن كسب الأمة ليس بهذا المعنى ، أي لا نفسّر الكسب بمعنى ما يتكسَّب به بل بمعنى نفس المعاملة ، فنفس المعاملة مكروهة ، فإذا أريد تفسير الكسب بالنسبة إلى الصبي بما يتكسَّب به لزم التفكيك في السياق الواحد ، والنتيجة هي أنَّ ما ذكره الشيخ الأعظم(قده) يلزم منه التفكيك في السياق الواحد.قلت:- إنه لا يلزم ذلك ، فإنَّ كلمة الكسب في الجارية أيضاً نفسّرها بما يتكسَّب به ، فالمال الذي بيد الجارية منهيٌّ عنه بالنهي الكراهتي ، فلا تقترب منه لأنها إن لم تجد مالاً زنت ، وهكذا الصبي فالمال الذي في يده لا تقترب منه لأنه إن لم يجد سرق ، فالسياق يبقى واحداً من دون تفكيكٍ ، وعليه لا تكون هذه الرواية - وهي رواية السكوني - معارضة لرواية الخادم.بيد أنه يجدر الالتفات إلى أنَّ هذا الحديث كلّه فيما إذا فرض أن رواية السكوني معتبرة السند ، لكنه قد ورد فيها النوفلي ، فإنه روى عن السكوني ، والنوفلي هو الحسين بن يزيد وهو لم يرد في حقة توثيق.اللهم إلا إذا بنينا على أحد أمرين:-الأوّل:- أن يقال: إنَّ من ورد في أسانيد كامل الزيارات أو تفسير القمي فهو ثقة ، وهذا الرجل قد ورد في أحد هذين الكتابين ، ونحن لم نبنِ على ذلك.

الثاني:- أن نقول: حيث إنَّ الشيخ الطوسي(قده) نقل في العدّة أنَّ الطائفة قد عملت بروايات جماعة من العامة ومنهم السكوني فهذه مقدمة ، وتوجد مقدمة ثانية وهي أنَّ الراوي في الغالب عن السكوني هو النوفلي ، فهذا معناه أن الطائفة تساهلت أيضاً من ناحية النوفلي ، وإلا يلزم عدم التساهل من ناحية السكوني ، نعم يحصل تساهل حيثي ، يعني من حيث السكوني هو تساهل ولكن من حيث النوفلي ليس بتساهل ، وهذا تفكيك عقلي ، ولكن بالتالي إننا فرضنا أنهم قد عملوا بها ، ومادام عملوا بها فلازم ذلك أنهم غضّوا النظر من ناحية النوفلي بالدلالة الإلتزامية ، فكلام الشيخ الطوسي(قده) يدل بالدلالة الإلتزامية على أنَّ الطائفة غضّت النظر عن النوفلي.

وهذا الكلام وجيه ، ولكنه يتوقف على قضية تحتاج إلى فحص ، وهو أن يكون الغالب في روايات السكوني أنَّ الراوي عنه هو النوفلي ، فمثلاً ثلاثة أرباع روايات السكوني هي مروية من خلال النوفلي أو ما يقرب من ذلك ، ولكن قد لا يكون الأمر كذلك ، وعليه فيمكن التوقف من ناحية السند أيضاً.فإذاً رواية السكوني لا تعارض رواية الخادم من ناحيتين ، من ناحية أنَّ كلمة الكسب يمكن أن يراد بها مما يكتسَّب به ، ومن ناحية أنَّ السند ضعيف بسبب النوفلي ، فتبقى رواية الخادم من دون معارض.

الدليل الثالث:- وهي ما رواه الشيخ الكليني(قده) عن محمد بن يحيى عن سلمة بن الخطاب عن الحسن بن علي بن يقطين عن عاصم بن حميد عن إبراهيم بن أبي يحيى عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( تزوّج رسول الله صلى الله عليه وآله أم سلمة ، زوّجها إياه عمر بن أبي سلمة وهو صغير لم يبلغ الحكم )[1] .

وتقريب الدلالة واضح:- فإنه يقال: إذا جاز أن يكون الصبي وكيلاً في التزويج فيجوز حينئذٍ أن يبيع ويشتري لعدم الفرق من هذه الناحية ، إن لم نقل بأنَّ الزواج أهم فيدل بالأولوية على الجواز في البيع.

ويمكن أن يجاب:- بأنَّ الصبي في الرواية وقع مجرّد منشئ للصيغة ، يعني قال في المجلس ( زوجتك فلانة ) ولكن كل القضايا تامة ومتّفق عليها ودوره كان دور المنشئ للصيغة فقط ، وقد تقدم فيما سبق أنه توجد أربع صور لتصدّي الصبي ذكرها السيد الماتن(قده) في المنهاج في صورتين منا لا يجوز وفي صورتين منها يجوز أن يتصدّى الصبي ، وإحدى الصورتين اللتين يجوز فيهما أن يتصدّى الصبي ما إذا كان هو مجرّد منشئ للصيغة ، يعني أنَّ الاتفاق بين الطرفين تام وهو فقط يقول بعتك بالوكالة عن فلان أو اشتريت بالوكالة عن فلان فهذا لا بأس به ، لأنه مجرد إنشاء صيغة ، وقد ذكرنا الوجه في ذلك وقلنا لأنه لا يصدق حينئذٍ ( أمره ) لأنه مجردّ منشئ ، فعرفاً لا يصدق ( أمره ) ، فإذاً الرواية يمكن أن تكون ناظرة إلى هذه الحالة ، وهي حالة أنه مجرّد منشئ ، ولا دلالة فيها على أنَّ دوره كان أكثر من هذا.

إن قلت:- لم لا نتمسّك بالإطلاق ؟

قلت:- إنَّ هذه قضية خارجية ، أو بتعبيرٍ آخر: هذا إخبارٌ فلا مجال حينئذٍ للتمسّك بالإطلاق ، فإذا قال شخصٌ ( وقع الشيء الفلاني ) فهو يُخبِر بذلك ، ولم يقل ( افعل ) أو ( جئني ) وإنما قال ( فَعَل ) ، وهنا ( فعلَ ) لا معنى للإطلاق فيه ، وهذا من الأمور الواضحة ، ففي باب الاطلاق إنما يجوز التمسّك بالإطلاق فيما إذا كان المورد مورد الإنشاء - يعني أمر أو نهي - لا مورد الإخبار ، فإذاً الاطلاق لا معنى له.

فإذاً الرواية لا تضرّنا بعد إمكان حملها على ذلك.هذا مضافاً إلى إنه يمكن الاشكال من ناحية السند ، كسلمة بن الخطاب فإنَّ النجاشي قد ضعفه ، وإبراهيم بن يحيى الذي يروي عن الامام الصادق عليه السلام فإنه لم يذكر بتوثيق.فإذاً هذه الرواية لا تكون معارضة لرواية الخادم.

الدليل الرابع:- ما ذكره الأردبيلي(قده) في شرح الارشاد ، حيث ذكر أنه توجد عندنا روايات في أبواب العتق والوصية والصدقة تذكر بأنه تجوز وصية الصبي بالمعروف وتصدّقه وعتقه ، حينئذٍ يقال إذا جاز ذلك جاز بيعه لعدم الفرق من هذه الناحية:-

من قبيل:- معتبرة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( إذا بلغ الغلام عشر سنين وأوصى في ثلث ماله في حق جازت وصيته وإذا كان ابن سبع سنين فأوصى من ماله باليسير في حق جازت وصيته )[2] .

ومن قبيل:- معتبرة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام:- ( إذا أتى على الغلام عشر سنين فإنه يجوز له من ماله ما أعتق وتصدّق على وجه المعروف فهو جائز )[3] ، فهذه الرواية تدل على أنَّ التصدّق والعتق كلاهما يجوز من الصبي صاحب عشر سنين ، أما الرواية الأولى فهي ناظرة إلى الوصية ، قال الأردبيلي في شرح الارشاد:- ( وبالجملة إذا جاز عتقه ووصيته وصدقته بالمعروف وغيرها من القربات كما هو ظاهر الروايات الكثيرة لا يبعد جواز بيعه وشرائه وسائر معاملاته إذا كان بصيراً ميزا رشيداً يعرف نفعه وضرّه بالمال )[4] .


[1] وسائل الشيعة، العاملي، ج20، ص295، ابواب عقد النكاح، ب16، ح1، ط آل البيت، وفي الوسائل ذكر ( باب حكم كون الصبي المميز كيلاً في العقد قبل البلوغ ) وتحت هذا الباب ذكر هذه الرواية ولم يذكر غيرها.
[4] شرح الارشاد، الأردبيلي، ج8، ص152.