1440/03/25


تحمیل

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/03/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أقسام الصوم المحظور/صوم العيدين

 

(ذكرنا في الدرس السابق تقريبين للإستدلال بالرواية على الحرمة الذاتية، وقلنا أن هناك ملاحظة عليهما وهي أن التأمل في جواب الإمام (عليه السلام) يعطي معنى آخر غير المعنى الذي كان التقريبان مبتنيين عليه) وهو:-

إمّا أنه (عليه السلام) ليس في مقام بيان وظيفة الجارية في حال التردد والشك، بل ذكر وظيفتها في حال تبين الدم. فكأن الإمام (عليه السلام) يريد أن يقول أنه لا توجد حالة شك و تردد و اشتباه، وإنما هذا شيء يعلم، وقد علّم الراوي في ذيل الرواية طريقة تشخيص الدم.

وإمّا أنه (عليه السلام) لم يجب السائل عن حالة التردد والإشتباه. فكأنما يريد أن يقول أن حالتها تدور بين المحذورين، فإما تجب عليها الصلاة إن كان دم العذرة، أو تحرم عليها إن كان دم الحيض.

 

ويقرب هذا الفهم من الرواية ما ذكره السيد الحكيم في المستمسك[1] من أن الأمر بالإتقاء الواقع قبل الشرطية الأولى يراد به وجوب الفحص، وعدم وجود وظيفة ظاهرية لها قبله في حال التردد والشك. ويؤيد هذا ذيل الرواية، حيث فهم الراوي من الإمام (عليه السلام) وجوب الفحص والإستعلام فسأله عن ذلك. ولازم هذا القول هو أن الأمر بالإتقاء الثاني لا يمكن تفسيره بمعنى الأول وهو وجوب الفحص، لأنه وقع بعد الشرطية الثانية، بل يكون بمعنى وجوب إمتثال الحكم الشرعي.

 

السيد الحكيم في المستمسك ذكر قرينتين لإستظهار أن الأمر بالإتقاء الأول هو بمعنى وجوب الفحص، وهما:

تقدمه على الشرطية الأولى، وتأخر الأمر بالإتقاء الثاني عن الشرطية الثانية. وهذا الكلام منه كأنه إفترض اختلاف المعنيين في الأمر بالإتقاء، يعنى أن الأمر بالإتقاء الثاني لا يمكن ان يراد به وجوب الفحص، فلذا تأخر عن الشرطية الثانية، إذ لو كان الأمر به في الأولى كالثاني فلابد أن يتأخر عن الشرطية الأولى على غرار الثاني.

فتقديم الأمر بالإتقاء على الشرطية الأولى وتأخير الأمر به عن الشرطية الثانية مع إفتراض إختلافهما في المعنى يكون قرينة على أن الأمر به في الشرطية الأولى يكون بمعنى وجوب الفحص.

 

فليس الإمام (عليه السلام) في جوابه ناظراً إلى بيان وظيفتها في حال التردد والشك. و بعبارة أخرى: ليس الامام (عليه السلام) ناظراً إلى مسألة وجوب الإحتياط في تلك الحالة بالإتيان بالصلاة. وما يدل على هذا هو أن الراوي لم يذكر فتوى فقهاء العامة من الأمر بالصلاة للإمام (عليه السلام) حسب ظاهر الرواية، كما أن ظاهر جوابه (عليه السلام) هو أنه ليس في مقام تحديد الوظيفة العملية في حال التردد والشك، إذ قوله (عليه السلام) (فلتتق الله فإن كان من دم الحيض فلتمسك عن الصلاة .....، وإن كان من العذرة فلتتق الله ولتتوضأ ولتصل) لا يصح أن يكون جواباً عن تحديد الوظيفة في مقام الترديد والشك.

 

فيتبين ممّا سبق عدم مجيء التقريب الثاني المتقدم _ حتى نحتاج أن نقول في ردّه أنه يحتمل أن فقهاء العامة أمروها بالصلاة بداعي أمرها الجزمي لا الإحتمالي، كما كانت تصلي سابقاً، فلا يستكشف من ردّ الإمام (عليه السلام) عليهم الحرمة الذاتية _ لأنه كان مبتنياً على أن الإمام (عليه السلام) يكون ناظراً إلى ما قاله فقهاؤهم.

 

نعم هذا لا يعني عدم امكان الاستدلال بالرواية على الحرمة الذاتية، بل يمكن الاستدلال بها باعتبار ان الامام عليه السلام امر بالفحص _ بناءً على تفسير الأمر بالاتقاء بوجوب الفحص كما قربناه_ ولم يبين وظيفة المرأة في حالة الشك والتردد، وهذا دليل على الحرمة الذاتية، وأن امر المرأة يدور بين المحذورين، ولو كانت الحرمة تشريعية فقط لأمكن الاحتياط بل ويكون من تقوى الله.

والذي يتبين مما تقدم أن كلاً من التقريبين غير تام.

اما التقريب الثاني [2] فلا شاهد عليه في الرواية، لأنه لو كان الامام عليه السلام في مقام الرد لكان المناسب ان يمنع من الصلاة التي امروا بها، اما بداعي الأمر الجزمي من ناحية الحرمة التشريعية أو بداعي الأمر الاحتمالي من ناحية الحرمة الذاتية.

اما التقريب الاول [3] فقد تبين ان جعل الامساك عن الصلاة من التقوى انما يكشف عن الحرمة الذاتية في حالة التردد والشك لعدم الوجه لجعله من التقوى بناءً على الحرمة التشريعية.اما في حالة تبين الحال و ان الدم الذي رأته هو دم الحيض فجعل الامساك في هذه الحالة من التقوى _لو سلم_ يراد به امتثال الحكم الشرعي الذي يجب عليها مع تبين انه دم الحيض، فيكون حال هذه الرواية بناء على هذا حال الادلة السابقة التي تدل على حرمة الصلاة على الحائض مع تبين الحيض و التي تأمر بالامساك عن الصلاة في حال تبين الحيض، وهذه الادلة _ التي تحرم الصلاة على الحائض او تمنعها عن الصلاة او تأمرها بالامساك عن الصلاة كما في هذه الرواية_ ليس فيها دلالة على الحرمة الذاتية و انما يدل هذا على الحرمة الذاتية في حالة التردد و الشك لا في محل الكلام كما فرض في هذه الرواية.

هذان التقريبان غير واضحين و الاحسن في تقريب الاستدلال بالرواية على الحرمة الذاتية ما ذكرناه و هو ان الامام عليه السلام سكت عن بيان الوظيفة في حالة التردد و الشك و هو مورد السوال و هذا يعنى انه في مورد السوال لا توجد وظيفة ظاهرية و انه لا يمكنها الاحتياط و الا لو كان الاحتياط ممكنا لامرها به كوظيفة ظاهرية لها لانه سئل عن هذا فمن سكوته عن بيان الوظيفة الظاهرية و جعل الامر دائرا بين وجوب الصلاة و حرمتها يفهم انه ادخل المقام في دوران الامر بين المحذورين و هذا يستلزم القول بالحرمة الذاتية لان المقام لا يدخل في دوران الامر بين المحذورين بحيث لا يتمكن المكلف بالاحتياط الا اذا قلنا بالحرمة الذاتية، والا فبناء على الحرمة التشريعية يمكنه الاحتياط .


[1] مستمسك العروة الوثقى ج٣، ص٣١٣.
[2] المبني على ان الامام ناظر إلى الرد على اقوال العامة.
[3] الذي جعل فيه الامساك عن الصلاة من التقوى فيكون دليلاً على الحرمة الذاتية، لأن الامساك عن الصلاة بناءاً على الحرمة التشريعية لا يكون من التقوى، بل اتيانها موافق لتقوى الله.